اتفق علماء الإسلام على فضل ليلة القدر، كما اختار العلماء أن هذه الليلة ليلة تكون في شهر رمضان، وأنها في العشر الأواخر منه، وأما تحديدها في العشر الأواخر فمختلف فيه تبعا لاختلاف الروايات الصحيحة، والأرجح أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر، وأرجى ليلة لها هي ليلة السابع والعشرين. وفضلها عظيم لمن أحياها، وهي ليلة عامة لجميع المسلمين، وإحياؤها يكون بالصلاة، والقرآن، والذكر، والاستغفار، والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.

إن من أعظم فرص العمر الحرص – كل الحرص –  على هذه الليالي، فإنها من أيام الله التي جعل فيها الخير الكبير والفضل العظيم، فإن لم يستطع المسلم أن يحيى الليالي كلها بالعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن، فعلى الأقل الليالي الوترية منها، لأن الراجح أن ليلة القدر لن تعدو إحدى هذه الليالي كما قال صلى الله عليه وسلم:” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.

علامات ليلة القدر

أخفى الله تعالى بيان هذه الليلة الفضيلة عن عباده لحكم، ربما يكون أبرزها أن يجتهد العباد في تحريها في كل الليالي العشر، ولا يقتصر اجتهادهم على ليلة واحدة بعينها، ولذلك لما خرج رسول الله ليخبر الناس بها، فتلاحى (تشاجر) رجلان، ورفع بيانها، فقال : ” عسى أن يكون خيراً”؛ والخير هنا أن المسلم سيجتهد في كل ليالي العشر طالبا أن يوافق ليلة القدر، ذات القدر العظيم، والشرف العالي. ومع أن ليلة القدر أخفيت عن الأمة، ولكن جاء فيها بعض العلامات التي يُظن من خلالها أنها ليلة القدر، وهذا فيه أعظم بشارة لمن اجتهد فيها بالعبادة أنه وافق فيها هذه الليلة العظيمة، والأمر يكون على الظن، ولا ينبغي أن يجزم المؤمن بليلة بعينها أنها ليلة القدر، ولكن يظن الظن الراجح، ويأمل فيها خيرا أن يكون قبل فيها سعيه وعمله.
لليلة القدر علامات يراها من شاء الله من عباده في كل سنة من رمضان، لأن الأحاديث وأخبار الصالحين ورواياتهم تظاهرت عليها فمنها:

1 – أن يكون الجو معتدلاً والريح ساكنة، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء»

2- الطمأنينة والسكينة التي تنزل بها الملائكة، فيحس الإنسان بطمأنينة القلب، ويجد من انشراح الصدر ولذة العبادة في هذه الليلة ما لا يجده في غيره.

3 – قد يراها الإنسان في منامه، كما حصل لبعض الصحابة.

ومن العلامات ما يكون لاحقًا مثل:

4 – أن تطلع الشمس في صبيحتها صافية لا شعاع لها، فعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها، كأنها طَسْت، حتى ترتفع» (صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، 2/ 149)

5- ومنها ما ورد من قول ابن مسعود رضي الله عنه (أن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر) (الموسوعة الفقهية الكويتية، 35/ 367)

وهناك علامات ذكرها بعض أهل العلم ولا أصل لها ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء، منها:

1 – أن الأشجار تسقط حتى تصل الأرض ثم تعود إلى أوضاعها.

2 – أن ماء البحر ليلتها يصبح عذبا.

3 – أن الكلاب لا تنبح فيها

4 – أن الملائكة تنزل وتسلم على المسلمين.

فكل هذا وغيره مما لا أصل له ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى وإن ذكره بعض أهل العلم. (قبسات من هدي النبي في رمضان، ص52)

شرح سورة القَدر

قوله تعالى: “إنا أنزلناه” أيّ القرآن، لأن القرآن الكريم أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. واختصت ليلة القدر بهذا الحدث التاريخي العظيم في أمتنا، فهي ليلة مباركة وعظيمة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها. إذ وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها يُفّرَقُ فيها كل أمر حكيم، أيّ يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكَتبة ما هو كائن من أمر الله تعالى في تلك السَنة من الأرزاق والآجال، والخير والشر وغير ذلك من أوامر الله المحكمة المتقنة، التي ليس فيها لا نقص ولا خلل ولا باطل. وعن” “في ليلة القدر” قال ابن الجوزي: وفي تسميتها بليلة القدر خمسة أقوال:

أحدها: أنها ليلة عظيمة. يقال: لفلان قدر. قال الزهري؟ ويشهد له: “وما قدروا الله حق قدره”(سورة الزمر: 67).

والثاني: أنه الضيق. أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون. قال الخليل بن أحمد، ويشهد له: “ومن قدر عليه رزقه”. (الطلاق: 7).

والثالث: أن القدر الحكم، كأن الأشياء تقدر فيها، قال ابن قتيبة.

والرابع: أن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر. قال أبو بكر الوراق.

والخامس: لأن نزل فيها كتاب ذو قدر، وينزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.

وقال ابن عثيمين رحمه الله: وصفها الله سبحانه بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن بركتها أن القرآن أنزل فيها، وهذه الليلة هي في شهر رمضان المبارك ليست في غيره من الأشهر، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]، ثم قال تعالى لشان ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: “وما أدراك ما ليلة القدر”؛ فهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خبرها.  ثم قال: “ليلة القدر خير من ألف شهر”؛ فقيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر من هذا الزمان، وهي أفضل من عبادة كل تلك المدة. وعند قوله تعالى: “تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر”؛ هذا يدل على كثرة الرحمة والبركة فيها، فإن الملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له. والمقصود بالروح هنا جبريل عليه السلام.

“سلام هي حتى مطلع الفجر”؛ أي السلام في الآية أنه لا يحدث فيها داء، ولا يرسل فيها شيطان، وهي ليلة كل ما فيها أمن وبركة وعافية، فهي ليلة سلام للمؤمنين من كل مخوف، ولكثرة من يعتق فيها من النار ويسلم من عذاباتها. وفي قوله: “حتى مطلع الفجر”؛ أي أن ليلة القدر تنتهي بطلوع الفجر لانتهاء عمل الليل به.

إنّ ليلة القدر نقطة بداية في حياة المسلم لا نقطة عابرة، ويجب أن تكون نقطة تحول في حياته لا أن تكون مجرد حدث طقسي معين، ففضل هذه الليلة يعدل الكثير عند الباري تبارك وتعالى.


المراجع:

. القرآن الكريم، سورة القدر.  

2. ابن تيمية: مجموع الفتاوى 25/286.

3. أحمد عبد المجيد مكي، وقفات تربوية مع دعاء ليلية القدر، موقع قصة الإسلام، 15 يوليو/ تموز 2015، رابط: https://bit.ly/2jYgTf6

4. تفسير ابن كثير.

5. جماز الجماز، ليلة القدر: فضائل وأحكام، موقع قصة الإسلام، 13 سبتمبر/ أيلول 2009، رابط: https://bit.ly/2rJrHBO

6. الموسوعة الفقهية الكويتية.

7. صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، كمال ابن السيد سالم.

8. قبسات من هدي النبي في رمضان، ناصر آل متعب.