(5)

إحياء قضية الاستقلال الوطني..

الأمة في حاجة إلى إزالة التوهم الذي حدث بقضية “الاستقلال” عقب الخروج الوهمي للاستعمار، وهذا يتطلب أن ينتفض علماء الأمة الحقيقيين، لا علماء النفط أو التكييفات لاستنهاض همم الأمة في إزالة الاستعمار في واقعنا الثقافي والفكري والتربوي وصولًا إلى إزالة الاستعمار في المجال العسكري والاقتصادي..ينبغي حضور هذه الفكرة مرة أخرى فكرة “الاستقلال” واستحضارها بقوة في برامج التعليم الموازي للأمة..يجب أن نحقق قناعة لتلك الفئة المستهدفة بأن الاستعمار جاثم على الإنسان والأرض و الفكرة، وأنه يمارس أدواره بكل شراسة، ولم يغادر أوطاننا ولا مجتمعاتنا بعد.

(6)

التعليم الموازي ضرورة لا بديل عنها…

اختطفت الدولة القطرية الاستعمارية المعاصرة نظام التعليم في العالم الإسلامي – بعد أن وقع تعليم الأمة في أسر التقليد والتعطل عن الاجتهاد- وكان بالنسبة لها فرصة كبيرة في تدجين الوعي الذي ساهم في تحطيم قدرات هذه الأمة وقدرات أبنائها لصالح مركزية فكرة “التبعية”و”الخضوع” التي ترعاها الدولة القطرية الاستعمارية وأنظمتها العسكرية..انقطع هذا النظام التعليمي عن كل جذوره وأصوله وفروعه الحضارية..وتمددت ظلاله لتستقى قشور العلم الغربي أو بالأحرى مفاهيمه وتصوراته التي لا تتفق مع ثقافتنا ومفاهيمنا وتصوراتنا..فلم ينبت إلا فروعًا مبثوثة الصلة وأفكارا ظهر انتقامها في تكوين أجيالنا وشعوبنا العربية والإسلامية.

ومن ثم فإن كل الجهود التي بذلت في مجال التعليم الرسمي حتى الآن حصادها هو تكريس حالة “التبعية” وإضعاف “التفكير” العقلي، وتسطيح الشخصية المسلمة، وتربية “الخضوع” لدى قطاع المهنيين المتخرجين من الجامعات، وخلق الشخصية ” الخائفة” من خلال نظام تربوي قام على “التسلط” في كل مراحل التعليم وامتد بظلاله على الأسرة ونظامها التربوي..وصولًا إلى حالة “الفوضى” المقصودة التي انتقل إليها هذا النظام التعليمي في ضوء المتغيرات الداخلية والمناحي الجديدة للدولة القطرية التي لم تعد تحتاج كثيرا من شعوبها..

في ضوء هذا النظام التعليمي الذي صنعته الدولة القطرية الاستعمارية بعيدًا عن الحاجات الحقيقة لشعوبها ومستقبلها ومشكلاتها انخرطت المدرسة والجامعة ” والمدرس” و”الأستاذ” الجامعي كأدوات لتنفيذ فلسفة هذا النظام التعليمي الذي يقوم على مبدأي: الاشتراط والاستجابة أو المثير والاستجابة، فالمثير دائمًا هو الشهادة أو النجاح لا التعلم، والاستجابة هي الطاعة والامتثال لا التفكير والنقد ..فكانت الحالة المعاصرة لشعوبنا…بينما انعزل الأستاذ والمدرس الرسالي، إما لغياب الرسالة – كما أشرنا- أو لأن المناخ العام نابذ لفكرة الرسالة مستقبل لفكرة “الارتزاق” و” المرتزقة”!

ومن ثم ضاعت البحوث العلمية والأكاديمية التي غُرر بها زيفًا نحو ما يسمى بإصلاح التعليم، ولهذا سارعت الطبقات الغنية بتأسيس نظام تعليم موازي  خاص لتضمن فرصة وظيفة أو عمل لأبنائها، بينما بقيت مسألة فكرة “التبعية” وتحطيم “القدرات” لبناء الأمة تمثل مركزية نظام التعليم القائم وكل  العاملين في هذا الحقل التربوي يخدم هذه الفكرة بامتياز.

(7)

تأسيس تيار الفضيلة والأخلاق

هذه الدعوة موجهة بصفة خاصة إلى المعلمين والجامعيين والتربويين الوطنيين ..ففي ظل الإعلان العالمي لسيادة تقاليد الفاحشة والتحلل من القيم الأساسية وتغلغل ذلك إلى منافذ أمتنا عبر الوسائل الاتصالية الحديثة وأدوات التكنولوجيا التي أسئنا استخدامها، في ظل حماية قانونية وسياسية بالغة الفجاجة، وما ترتب عليه من جرائم – ظاهرة وباطنة- تمكنت من الأمة في أصولها وجذورها، وأينعت فروعًا وثمرًا من زقوم..وفي ظل عملٍ منهجيٍ ومنظم ومقصود من مؤسسات لا نعلم هويتها ولا حتى مكانها ولكن يظهر ثمار عملها في نشر أفكار الإلحاد بين شباب الأمة في ظل حالة إحباط يمر بها هذا الجيل لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي .

بعد هذا كله ليس أمام تلك الثلة الشريفة الوطنية – التي نجت من فخاخ هذا التحلل- إلا أن تبدأ في غرس بذور المقاومة الأخلاقية انطلاقًا من المسار القرآني {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [ النساء: 114] والدعوة التي أُعلنها هنا هي للمدرسين والجامعيين والتربويين الوطنين بتأسيس تيار ” الفضيلة والأخلاق” في مؤسساتهم التعليمية، تتحدد أهداف عملها فيما:

1 – إحياء التقاليد الأخلاقية الأصيلة في الأمة التي بقيت تمثل حصونًا حتى في عهود التراجع والانحلال، وهي تمثل التقاليد الأصيلة لهذه الأمة مثل: مثل المروءة والشهامة والتكافل، والإيثار والتراحم.. والتي مثلت جدارًا مهمًا وحصنًا من كل أساليب الغزو الفكري والثقافي.

2 – إحياء الفضائل الدينية الأخلاقية والتي تمثل مشتركًا أساسيًا بين الشرائع السماوية، ولا يختلف عليها أتباع أي ملة استظلت بمظلة الأمة: مثل الحياء، والأمانة، والصدق، والعفة، والوفاء بالعهد، والوفاء بالعقود، والصدق، وتحريم القتل والزنا وشرب الخمر والكذب والخيانة..وما إلى ذلك.

أما طريقة عمله فتقوم على فكرة ” العروة” أو الأسرة الجامعية أو الرابطة الطلابية التي تتشكل من التلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات ولتكن كل عروة أو رابطة طلابية من (10) طلاب يقودهم معلم أو أستاذ جامعي أو تربوي، يدرسون فيما بينهم الاحتياجات الأخلاقية لمجتمعهم المدرسي أو الجامعي الصغير، وينتشرون بين أقرانهم مستخدمين منهج (الحوار السقراطي) والذي طرحه القرآن –أيضا- مفصلًا في أكثر من موضع..من خلال الاقتناع العقلي بدور تلك التقاليد والأخلاق الدينية في حماية الذات والآخر، وحماية الأسرة والمجتمع ، وضرورة المواجهة مع كل ما ضد الفضيلة والقيم والأخلاق.

أما منهج هذه “العروات” فيراعي ثلاثة جوانب:

الأول : الجانب المعرفي ويتمثل في الاقتناع العقلي

والثاني: الجانب الوجداني ويتمثل في الشعور والإحساس وضرورة توجيهه نحو هذا العمل.

والثالث: الجانب العملي ويتجه نحو تحويل هذا البرنامج الأخلاقي إلى واقع عملي من خلال طرح نماذج عملية في الواقع المدرسي والجامعي وتسيير قوافل أخلاقية نحو المجتمعات المحيطة بهذه المؤسسات.

(8)

إنقاذ قيم وجودية للمجتمع ..استعادة قيمة حرمة الدماء

إن تيار الفضيلة والأخلاق الذي أشرنا إليه سابقًا – والذي نعول عليه في إنقاذ الأمة مما وصلت إليه من القاع الأخلاقي والقيمي – نرى أن من القيم الوجودية التي يجب أن يشرع في استعادتها والدعوة إلى إحيائها في شبكة علاقات المجتمع التي اهترأت بفعل عوامل داخلية وخارجية ..هي قيمة حرمة الدماء..

إن تعظيم فعل إزهاق النفس بغير حق أقرته كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، واعتبر الإسلام قتل نفس واحدة ( مؤمنة أو غير مؤمنة) بغير حق كأنما هي قتل للناس جميعًا، والمعنى ليس معنويا فقط، وليس تعظيمه لاعتداء ذلك على حق من حقوق الله وفقط، ولكن لهذا التعظيم في عصمة الدماء وحرمتها معنى ماديًا اجتماعيًا { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، فإن قبول (قتل النفس) و(استباحة الدماء) وتجاوز (عصمتها) يؤسس للتعاضد النفسي لدى كل من تسول له نفسه في تلك الاستباحة وهذا التجاوز، وتصبح دماء المجتمع كله مستباحة لدى القادرين على استباحتها، وذلك لغياب الرادع القيمي والأخلاقي الاجتماعي الذي كان حصنًا لتلك العصمة بالإضافة إلى عصمة الشرع.

إن نشأة جيل من أطفال الأمة على مشاهد استباحة الدماء أمر لا ينذر بخير أبدًا..أمر ينذر بتحول المجتمع إلى غابة فقدت كل قوانين الحياة الإنسانية وقيمها ..ولا حل إلا بتشكيل جبهة إنقاذ قيمية لاستعادة إنسانية هذا المجتمع في أجياله القادمة.