يتضح لكل عاقل متبصر في هذا المخلوق العجيب -الإنسان- أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، وتبطل كل دعوى في أن الخلق وُجد صدفة أو أن الطبيعة هي التي أوجدت هذا الكون، وما فيه من مخلوقات أو أن المخلوقات كانت بدائية ثم تطورت بعد مرور الزمان، وبعد أن انتهت مراحل تكونها وتطورها أخرجت لنا الإنسان. فهذه النظرية تُسمى بنظرية التطور لداروين ، وهذه النظرية مخالفة للحقيقة العلمية التي جاء بها علم التشريح الذي بيَّن فروق خلقته بين الكائنات الحية مما يُثبت خطأ الأساس الذي قامت عليه تلك النظرية.

لو نظر الإنسان وتفكر في نوع واحد من أنواع المخلوقات وهو ذاته، أعني الإنسان نفسه، فضلاً عن الجان والملائكة وأنواع الحيوان وغيرها، لوجد أن كل إنسان يمتاز بصورة لا يشابهه فيها غيره، فعلى الأرض اليوم ما يزيد على خمسة مليارات من البشر، كل واحد منهم تغاير صورته صورة غيره في الملامح والسمات، وفي الألوان والهيئات وكم من البشر ولدوا فوق هذه الأرض فيما مضى، وكم سيخلق من البشر فيما سيأتي إلى يوم الدين، كل إنسان له صورته التي خلقه الله عليها، وعند التدقيق في الخلق والتكوين تتضح الفوارق أكثر وأكثر، فهي تختلف في نعمة الباري المبدع المصور، فتبارك الله رب العالمين.

ويقول دعاة نظرية التطور لداروين : إن أصل المخلوقات حيوان صغير، نشأ من الماء ثم أخذت البيئة تفرض عليه من التغيرات في تكوينه مما أدى إلى نشوء صفات جديدة في هذا الكائن، أخذت هذه الصفات المكتسبة تورث في الأبناء حتى تحولت مجموعة من الصفات الصغيرة الناشئة من البيئة عبر ملايين السنين إلى نشوء صفات كثيرة راقية جعلت ذلك المخلوق البدائي إلى مخلوق أرقى. واستمر ذلك النشوء للصفات بفعل البيئة والارتقاء في المخلوقات حتى وصل إلى هذه المخلوقات التي انتهت بالإنسان.

ولو كان ما قاله صحيحاً لوجدت كائنات أخرى غير الذي نرى الآن، ولو بعد مضي سنين، ولو أخذ بنظريته لكان ارتباط المرأة بالرجل غير ضروري، ولكن قوله هذا غير صحيح وباطل، فهو مجرد نظرية كشف العلم بطلانها وفساد ما قامت عليه، وإليك الأدلة على مصرع نظرية التطور لداروين :

أ- الأدلة من القرآن الكريم والسنة

إن قصة آدم في القرآن الكريم تقرر أن الله خلق آدم من طين ونفخ فيه من روحه. وهذه الآيات قطعية الدلالة، فلا مجال لتأويلها من أجل نظرية فرضية مشكوك فيها. قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4]؛ أيّ على أحسن صورة وأبهى آية كما هو الآن. فالله يخبرنا أن بداية الإنسان كان على أحسن صورة وليس كما يدعي دارون، ويقول رب العزة: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ۝  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: 71،72]، وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ [الإسراء:70]، فالله كرّم آدم بأن خلقه بشراً سوياً من طين، وكرمه بنفخ الروح وبسجود الملائكة، وبإسكانه الجنة، وليس إكرامه بتطوره من حيوانات مسخة تطورت من نوع إلى نوع حتى وصلت إلى الإنسان، فالآيات ذات دلالة دامغة على بطلان هذه النظرية.

وقد تولى الله عز وجل عرض قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم، وبيّن لنا في قصته أنه هو الإنسان الأول الذي بث الله منه هذه السلالة من البشر على وجه الأرض، كما حدد لنا الله في كتابه كيفية خلق آدم بشكل صريح واضح لا يحتمل التأويل، فلا مجال لإيراد تكهنات وتخيلات وفرضيات حول كيفية بدء وجود الإنسان على هذه الأرض، ولا مجال لفرضيات داروين وغيره بعد أن ورد إلينا يقين لا شبهة فيه على الذي خلق وصوّر وهو بكل شيء عليم. ونحن نعلم أن كل اعتقاد يخالف ما تضمنه القرآن الكريم بشكل قاطع هو اعتقاد مخالف للحقيقة.

وجاءت السنة النبوية مؤكدة لما جاء في القرآن الكريم؛ إذ إن آدم عندما خلقه الله، خلقه على صورته، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم على صورته. فقد خُلق آدم على صورته ذاتها التي استمر عليها وعُرف بها، أيّ أنه لم ينشأ متنقلاً من شكل إلى آخر خلال تاريخه كله أو من فصيلة لأخرى، بل إن آدم كما هو على صورته منذ خلقه الله عز وجل.

ب- الأدلة من العلم على بطلان نظرية دارون علمياً وعقلياً

ألف عشرات العلماء مئات الكتب والتقارير والنشرات حول بطلان نظرية دارون علمياً وعقلياً، وقد توصلوا بجهودهم العلمية إلى نسف النظرية من أساسها، وتقويض أركانها ودعائمها مستندين في ذلك على العلم الحديث كعلم الوراثة والجيولوجيا وغيرهما، مستخلصين عشرات الأدلة على بطلانها، وقد اخترنا بعضها على سبيل التدليل:

أشار بعض العلماء إلى أن دارون نفسه في كتابه “أصل الأنواع” أقر بوجود ثغرات كثيرة ومشكلات كبيرة ومعقدة في نظريته، منها على سبيل المثال: أنه عثر على هياكل حيوانات تعود إلى ما قبل العصر الجليدي تُشبه هياكل حيوانات مماثلة لا تزال موجودة في عصرنا.

أثبت العلم الحديث أن لكل نوع من الأحياء خارطة وراثية ثابتة لا تتغير مهما تطاول الزمن، وبذلك يحافظ كل صنف على استقلاليته وخصائصه، فلا ينشأ من تكاثره مع صنفه أو صنف مغاير له في خارطة المورثات صنف جديد فلا تلد القرود إنساناً ولا يلد الإنسان قرداً أبداً. فعلم الوراثة الحديث قد هدم كل أساس لهذه النظرية، فقد أصبح من الثابت أن الأصول تورث الفروع المتفرعة عنها كل ما تحمله من خصائص بواسطة الكروموسومات. ولا نجد بين أجناس الكروموسومات وعددها توافقاً، فمثلاً في الإنسان 46 وفي القرود 48 وفي الغنم 54 وفي الحصان 66 وفي الكلب 78، ولهذا فقد أعلن القرار العلمي بطلان النظرية الداروينية .

– إن المكتشفات التي عثر عليها الجيولوجيون تنقض نظرية دارون من أساسها، فقد زعم دارون أن الأحياء البسيطة التي تطور منها الإنسان يُعثر عليها في الطبقات السفلى من الأرض دائماً بينما أثبتت الحفريات عكس ذلك فقد وجدت من الهياكل والصور الحية المستخرجة من باطن الأرض أحياء أعقد تركيباً وأرقى مما فوقها من الأحياء.

حلقات مفقودة

– زعم دارون أن الإنسان متسلسل من سلالات حيوانية، وأنه أخذ صورته الإنسانية منذ مليون سنة، ولكن علم المستحاثات هنا لا يثبت ذلك الزعم، إذ لم يعثر على السلاسل المزعومة التي تسلسل منها الإنسان، فهناك حلقات كثيرة مفقودة بين الإنسان والغوريلا أو الشمبانزي الذي يتوهم أن أصل الإنسان منها. فالحكم بانحدار الإنسان من القرود تعسف لا تحتمله نتائج البحث العلمي، علاوة على وجود اختلافات بين الإنسان والقرد في المظهر والشكل والقامة والملامح والاستعدادات الروحية والعقلية والعاطفية واللغوية.

– عثر بعض العلماء في السنوات الأخيرة في البحار القريبة من جرز القمر على سمكة كانوا يعتقدون انقراضها منذ عدة ملايين من السنين، كل ذلك يؤكد بطلان هذه النظرية.

وإذا كانت نظرية التطور لداروين صحيحة، فلماذا لم تتطور القرود وتتمدن، ونحن نعيش في عصر التمدن والتطور.

لقد بنى الكثير من دعاة الإلحاد وأعداء الإيمان ادعاءاتهم على هذه النظرية، وانطلقوا منها في إنكار الخلق وتبرير عدم الإيمان. وإن مسعاهم سينتهي بالفشل المحتوم، فما بني على باطل فهو باطل، إذ أنهم يحاولون نقض الحق الواضح الظاهر اعتماداً على نظرية هشة وفكرة منقوضة، وغير مثبتة، لا عن طريق المنطق بالتفكير المحض، ولا عن طريق العلم والبحث بأساليبه وقواعده المعاصرة.

المراجع:

* رجاء بنت صالح بن محمد البحر، تنوع خطاب القرآن الكريم في العهد المكي، صفحة 152، 153.

* أحمد بن حمد الخليلي، مصرع الإلحاد، الكلمة الطيية، ط١ ٢٠١٩.

* أحمد جابر العمصي، آدم عليه السلام بين اليهودية والنصرانية والإسلام، صفحة 35،37.

* عبدالحميد محمود طهماز، الإنسان بين الأمل والأجل، صفحة 55، 56، 57.

* عبدالعزيز بن ناصر الجليل، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، صفحة 447.

* علي الصلابي، مسودة كتاب قصة الخلق وآدم عليه السلام.