يدافع كتاب “من النص إلى النص المترابط.. مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي” للكاتب والباحث المغربي “سعيد يقطين” والصادر عن “المركز الثقافي العربي عام 2005 عن أطروحة أساسية مفادها أن توظيف أداة جديدة للتواصل يؤدي إلى إيجاد أشكال جديدة لهذا التواصل، أما الأداة هنا فهي “الحاسوب”، وأما الشكل فهو “الإبداع التفاعلي”.

ولتوضيح عنوان الكتاب المميز في طرحه، كونه قد يثير بعض التساؤلات لدى القارئ، نقول إن “النص المترابط” هو النص الذي نجم عن استخدام الحاسوب وبرمجياته المتطورة والتي تمكن من إنتاج النص وتلقيه بكيفية تبني على “الربط” بين بنيات النص الداخلية والخارجية.

أما الجماليات، الجزئية الثانية بعنوان الكتاب، فهو ما يتعلق بالأشكال الفنية وصورها وأبعادها الجمالية والاجتماعية، فالإبداع التفاعلي هو مجموع الإبداعات (والأدب من أبرزها) التي تولدت مع توظيف الحاسوب، ولم تكن موجودة قبل ذلك، أو تطورت من أشكال قديمة، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورًا جديدة في الإنتاج والتلقي.

معطيان للانطلاق

رجوعًا إلى “النص المترابط” نجد أن الباحث “نيلسون” قد ابتكر المفهوم ووظفه للدلالة على “نص” له مواصفات تختلف عن النص المتعارف عليه، وبإدخال اللاصقة Hyper عليه كان يومئ إلى العنصر الجديد الذي تم إدخاله عليه من خلال ضبط علاقته بنصوص أخرى بواسطة الروابط، فاكتسب بذلك الملاءمة التي تحدد طبيعة هذا النص وتميزه عن غيره من النصوص، بواسطة البعد الذي أضفي عليه، والوسيط الذي يتحقق من خلاله.

يمكن البحث أيضًا في مفهوم “النص المترابط” انطلاقًا من معطيين بحسب الكتاب، الأول: أن مفهوم “النص المترابط” ينطلق من “النص” أولاً، وثانيًا من الترابط الذي يصل بين مختلف أجزائه. والثاني: ارتباط النص المترابط بالحاسوب (الوسيط الجديد الذي يتحقق هذا النص من خلاله).

يؤكد الكتاب أيضًا على أن ممارسة النص المترابط ليست وليدة اليوم فقط، فسمات النص المترابط تحققت في فترات أخرى من تاريخ النص وتلقيه، ولكن الانتباه إلى طبيعة النص المترابط جاءت متصلة ومتوازية مع استعمال الحاسوب؛ لأنه من طبيعة مختلفة عن الوسائط التي كان يستعملها الإنسان (اللسان، والكتابة). فلا يمكن تصور أن النص الذي أبدع الإنسان قديمًا كان خطيًّا أو غير مبني على الترابط، فالترابط في النص سمة إنسانية؛ لأنه يجسد لنا أحد أهم مقومات النص والتي تتجلي في كون أي نص هو ملتقى علامات نصية متعددة (التفاعل النصي).

في التجربة العربية

يرى المؤلف “سعيد يقطين” أن كتابة النص المترابط في ثقافتنا العربية لا تزال محدودة جدًّا، بل أشبه بالمنعدمة، وفيها الكثير من القيود التي لا تزال تقلل من أهمية الانتقال إليها في الوعي والممارسة.

ويبدو لنا ذلك بوضوح في البرمجيات العربية والمواقع العربية على الإنترنت؛ فهي بمجملها لا تزال تنتمي إلى النوع البسيط من النص المترابط، ولما ترتقِ بعد إلى النوع المركب أو الشبكي الذي يعتبر التجسيد الحقيقي والأمثل للنص المترابط.

يرجع السبب في ذلك، برأي المؤلف، إلى تأخرنا في فهم النص من منظور جديد رغم ظهور أدبيات عربية تعني بالرغبة في تطوير تصورنا للنص؛ لأن النظريات الأدبية واللسانية العربية لم تتأسس على قاعدة تؤمن بالتراكم والبحث العملي والتجريبي، فإذا وقفنا عند مظهر واحد لتقديم صورة عن واقع الكتابة العربية نستطيع أن تقول إجمالاً إنها أقرب ما تكون إلى الشفاهية منها إلى قواعد الكتابة الحديثة وضوابطها وذلك انطلاقًا من أن الكتابة كما نتصور نوعان، الأول: منها يقوم على الاستطراد، والثاني: على التنظيم.

الكتابة عندنا على العموم استطرادية، كما يطرح الكتاب، فالعديد من المقالات تكاد تكون خلوًّا من العناوين الرئيسية والفرعية، ومن توزيع إلى فقرات مترابطة ومتسلسلة، ومن مقدمة وخلاصة.

أما الكتابة المنظمة فهي التي يمكن ضبط بنيتها بدون بذل أي جهد، فهي نقيض الكتابة الاستطرادية، تُبنى وفق منهجية دقيقة يترابط فيها اللاحق بالسابق، ولها مقدمات نتائج، وكل ذلك يقدم من خلال بنية تراتبية أو هرمية تيسر عملية القراءة والاستيعاب بدون إجهاد أو إعادة القراءة. وهذه الطريقة، كما يرى المؤلف، وليدة تقاليد في التفكير وقاعد في العمل.

نستطيع القول، بحسب الكتاب، إن المدخل المناسب للانتقال إلى الكتابة “الترابطية” يمر عبر الانتقال من الكتابة الاستطرادية إلى الكتابة المنظمة، ويعتبر هذا أول تغيير يمكنه أن يمس تقاليد الكتابة العربية؛ لأنه سيكون تغييرًا لعادات في القراءة والكتابة معًا: كتابة الملخص، تنظيم فقرات النص، الاهتمام ببناء الأفكار وتسلسلها من المقدمة إلى التركيب.

هذا الترابط تحقق بأشكال متعددة تختلف باختلاف العصور والأشكال الإبداعية والوسائط، وهو إذا كان في الحقب ما قبل الإلكترونية عفويًّا، فإنه مع الوسائط المتفاعلة صار مقصودًا لذاته، ومتصلاً بطبيعة الجهاز الموظف إنتاجه وتلقيه.

ننطلق من الترابط باعتباره سمة جوهرية في أي نص، فالنص يتفاعل مع نصوص أخرى، لكن هذا التفاعل يتحقق بواسطة روابط، هذه الروابط تأخذ بعد المؤشرات الصيغية كما تسمى في تحليل صيغ الخطاب الروائي؛ لأنها هي التي تؤشر على الانتقال من بنية خطابية أو نصية إلى أخرى.

وقد تكون هذه المؤشرات الربطية كما يسميها المؤلف: ظاهرة وفي هذه الحالة تأخذ بعدًا لفظيًّا: مثل عبارة “قال الراوي” في السيرة الشعبية، أو تأخذ بعدًا رمزيًّا (القوس المعقوف، الهلال…)، أو مضمرة: لأنها لا تعتمد أي مؤشر ربطي يصل البنيات النصية بعضها ببعض، مثل: الرجوع إلى السطر، البياض، تغيير حجم الخط. وليست هذه الروابط في “النص المترابط” غير تلك “المؤشرات الربطية”، لكنها تتخذ صورة متباينة؛ لأن الوسيط الجديد أعطاها إمكانيات جديدة.

تجديد التحليل للنص

أول ما يرمي إليه المؤلف في كتابه هو تجديد النظر في النص، وخاصة النص العربي قديمه وحديثه؛ وذلك لأن التفكير في “الترابط” يكشف لنا عن أفق جديد في تحليل النص، والبحث النظري في كيفيات ممارسة “الروابط” التي تصل بين مختلف أقسامه وأجزائه.

ويستدعي ذلك إعادة النظر في طرق التحليل النصي الذي كرس في العصر الحديث ولا يزال هو النموذج السائد، أي ضرورة الانتقال إلى تحسيب (حوسبة) النص العربي قديمه وحديثه، وهذا لن يتم إلا بوعي جديد بالنص، أي الوعي بـ”الترابط النصي” بشكلية العام والخاص.

ويشير الكاتب في هذا الصدد إلى أن تأخرنا في إنتاج “الأدب التفاعلي” (ومن ثمة النص المترابط) لا يعود إلى تأخر تعاملنا مع الحاسوب، ولا إلى عدم ممارستنا الإبداع اللاخطي، ولكن إلى تأخر وعينا بـ”الترابط” باعتباره سمة جوهرية في النص، أي نص.

وحين يؤكد، المؤلف، على أهمية “تحسيب” النص العربي فلأنه ينطلق من المعطيات التالية:

– لا يمكن الارتقاء إلى تحسيب النص بدون معرفة طرائق وأساليب إنتاج وتلقي النص المترابط، أو طبيعة هذا النص، وخصوصيته، والوعي بها نظريًّا وعمليًّا.

– إن عملية “تحسيب النص العربي” ضرورية لجعل هذا النص قابلاً لتلقي من خلال استثمار الوسائط المتفاعلة، وهي الوسيط الأساسي اليوم وعند الإنتاج والتلقي.

إن عملية التحسيب هنا يجب مقارنتها بعملية “طبع” المخطوط العربي، فكما أن طبع المخطوط بطريقة جديدة تساير تطور تكنولوجيا الطباعة أو إلى ظهور علوم “تحقيق” النص لجعله قابلاً للتلقي بمواصفات جديدة تختلف مثلاً: عن الطباعة الأولي (الحجرية)، فإن استغلال الحاسوب في تقديم النص العربي القديم والحديث يستدعي بالضرورة ظهور علوم تعني بالنص المترابط.

وكلما تأخر تعاملنا مع الترابط في النص، ومع النص المترابط تأخرنا في إنتاج نص المستقبل (حتى وإن كان النص قديمًا) وهو النص المترابط في علاقته الوطيدة مع الحاسوب ومع الوسائط المتفاعلة.

من النص المترابط نذهب إلى النص لنعود منه مجددًا إلى النص المترابط في دورات مستمرة قوامها أن الترابط سمة جوهرية في أي نص، وإن الإمساك بها هو الكفيل بجعلنا قادرين على تجديد إنتاج النص وتلقيه كيفما كان الترابط الذي يعتمده هذا النص (الذي يتحقق بواسطة الحاسب) أو ذاك الذي أنجز في مراحل الشفاهية والكتابية.

الرواية عربية متفاعلة

يرى المؤلف أن الرواية العربية تطورت كثيرًا خلال القرن العشرين، واستثمرت مجمل أشكال السرد العربي القديم، كما استفادت من مختلف تجارب الرواية الغربية وتقنياتها، كما أنها عانقت قضايا المجتمع في تحولاته وصيرورته، وعبرت عن زوايا كثيرة، واقتحمت العديد من المناطق التي لم يتم التعبير عنها في أنواع أو أجناس أخرى أو في فترات سابقة، لكن الرهان الآن برأي “سعيد يقطين”، وعلى الروائي العربي تحقيقه هو الانتقال إلى فهم جديد لـ”التفاعل”، والمقصود بذلك ممارسة الوعي الحقيقي بـ”التفاعل” في مستوياته كافة.

ومدخل ذلك هو أن تتم قراءة التجربة الروائية قراءة نقدية من قبل المبدع نفسه. وذلك من خلال أولاً: مواكبة التجربة الإبداعية العالمية، وتمثل الإيجابي منه بناء على اتصالها بالعصر وبقضاياه الحية وتطورها على الصعيد الفني، ووضع التحولات الجارية في الاعتبار، سواء على الصعيد العربي أم الدولي من جهة ثانية.

إن الانغلاق على الذات وعدم التعرف على التجارب المختلفة وعلى ما يطرأ عليها من تبدلات لا يمكنه أن يخصب التجربة الروائية العربية، أو يعطيها دمًا جديدًا للاستمرار والتجدد. كما أن التفاعل مع الواقع ومع التراث في جوانبها المختلفة بشكل خلاق ومبدع كفيل بتجاوز المنجز، وفتح أبواب جديدة للمغامرة والتجريب كما يؤكد المؤلف.

ويطالب المؤلف بتجاوز الصورة التقليدية للكاتب، وهو أمر يطرح نفسه بإلحاح، إنها صورة الكاتب والناقد الذي لا يزال يخشى عدوى التكنولوجيا، أو يعتبرها شيئًا زائدًا لا قيمة له، فاستثمار الحاسوب وتقنيات الكتابة التي تمنحها “الوسائط المتفاعلة” بات أمرًا أساسيًّا للإبداع والنقد، وبدون اقتحام الكتاب والفنانين والدارسين والنقاد لهذه الوسائط الجديدة نظريًّا وتطبيقًا لا يمكننا إلا أن نتحدث عن انسداد الآفاق، آفاق الإبداع والنظرية المفتوحين على العصر وعلى ما يحيل به من إمكانات، وما يزخر به من وسائل.

الشعر.. جوهره التفاعل

اللغة العربية لغة الشعر، لجمالها وعبقريتها التي لا تخفى على العارف بها، وهي الأداة الأساسية للقول الشعري وتاريخ الشعر العربي طويل وعريق وهو زاخر بالتجارب الشعرية المتميزة التي يمكن أن تشكل الرصيد الأساسي لأي شاعر.

من ذلك ينطلق المؤلف مؤكدًا أنه يمكن للتجربة الشعرية العربية أن تتطور إذا ما تكاملت أبعادها ولم يتم فيها تغييب الأبعاد والأخرى، من جهة، وعملت من جهة أخرى على الاستفادة مما تقدمه لها الوسائط المتفاعلة من إمكانيات صورية وبصرية وصوتية. إن هذه الوسائط إذا ما أحسن استثمارها على أحسن وجه يمكن أن تعطي إمكانيات ثرية للإبداع والإنتاج.

وتتلخص جدوى الحاسوب والفضاء الشبكي في تطوير هذه التجربة الشعرية في أن الوسائط المتفاعلة تختزل كل الحقب الشعرية التي قطعها الشعر من اللحظة الشفاهية إلى الكتابية، وما صاحب كل مرحلة من إمكانيات.

ففي الوسائط المتفاعلة يمكننا الزواج بين الشفاهي الإنشاد أو الكتابي (التشكيل البصري) وكل ما يتصل بها من إمكانيات صوتية وموسيقية وصورية. كما أن التعامل مع الفضاء الشبكي يساعد على التلقي بغض النظر عن مكان الشاعر أو المستعمل، وبذلك يمكن التعرف على التجارب في حينها.

لقد مر الشعر العربي الحديث بأطوار كثيرة، ولعل في انتقاله إلى الطور الإلكتروني ما “يساعد” الشعر على اقتحام فضاءات جديدة للإبداع والتواصل، هذا طبعًا إذا كان يقوم على الإبداع في تكامله وتفاعله، وعلى فهم دقيق له.

تبقى كلمة أخيرة تتصل بالنقد الشعري، يشير إليها الكتاب، وهي أنه بدوره (أي النقد) مضطر لتدقيق أدواته وتحديد تصوراته الجديدة للشعر؛ لأن ما سيطرحه عليه النص الإلكتروني الشعري من أسئلة أعقد من تلك التي واجهها نقادنا القدامى من الشعر في مرحلته الشفوية والكتابية.

الوسائط المتفاعلة والترجمة

يرى المؤلف أن عملية تحقيق الانتقال إلى مستوى أحسن فيما يتعلق بالترجمة وممارسة الترابط يمر عبر: الوعي بأهمية الترجمة في عصر ثورة المعلومات، والإحساس بضعف اللغة العربية على هذا المستوى بالقياس إلى لغات أخرى، وأن ترجمة هذا الوعي إلى عمل تضطلع به مختلف المؤسسات العلمية والحكومية المختلفة.

ويعرض المؤلف لأهم مستلزمات التعامل مع الترجمة في وجود وسائط تفاعلية وهي: صناعة المعاجم العامة والخاصة، وصناعة المعاجم الثنائية والمتعددة اللغات، والانتقال من النشر الورقي إلى الإلكتروني، وصناعة البرمجيات.

ويرى أن التخطيط لتحقيق هذه الغايات كفيل بتطوير الترجمة، أي تحقيق الترابط، مع العالم من خلال حل مشكلة اللغة، وبذلك يحصل “التفاعل” الحقيقي مع العالم الذي لا نزال نعيش على هامشه.

أنواع النص المترابط

تتيح برامج النص المترابط أنواعًا متعددة من النصوص التي تفنن المبرمجون والمشتغلون فيها في ابتكار أساليب مختلفة من الترابط النصي، توقف المؤلف عند أهمها:

1 – التوريق: هو يوازي نظام توريق أو قلب الصفحات في الكتاب المطبوع، وإذا اعتبرنا صفحة الكتاب مثل الصفحة التي تظهر على الشاشة فإن الانتقال على الصفحات الأخرى لا يتم إلا من خلال النقر على أسفل الصفحة أو النقر على مثلثين متقابلين مشير أحدهما إلى الصفحة السابقة والآخر الصفحة التالية.

2 – الشجري: تقدم إلينا المعلومات في نوع النص المترابط الشجري منظمة على مستويات تأخذ بعدًا تراتبيًّا يبدأ من الأصل وينحدر نحو الفروع المنطوية تحته، ويسمح هذا النوع للقارئ بأن ينتقل في تراتيبة المادة بحسب المسار الذي رسمه له المؤلف، وذلك بالتحول من مستوى أعلى على آخر أدنى، أو العكس إذا لم يرد القارئ مراعاة ترتيب المواد.

3 – النجمي: يأخذ هذا النوع في صورة “النجم” الذي يقع في محور دائرة، وتدور في فلكه نجوم أخرى. ويكون هذا النوع عادة في النص المترابط ذي البعد التعريفي أو القائم على تحديد دلالات الكلمات أو المفاهيم، حيث يتم النظر في مجموعة من المفاهيم في ضوء مفهوم جامع ينظمها كلها، فيغدو المفهوم المركزي بمثابة “عقدة” مركزية منخفضة على عقد فرعية.

4 – النوع التوليفي: يقدم هذا النص بنية معمارية مركبة لا تخضع لأي نظام خطي قابل لأن تتبع مساراته، كما نجد ذلك في الأنواع الثلاثة السابقة، فهو يتضمن عددًا محدودًا من العقد. ومجموع المسارات الممكنة التي يتكون منها تشكل تخطيطًا محدودًا قابلاً لأن يحسب رياضيًّا، ويتيح هذا التوليف المتعدد مجموعة من الروابط التي تعطي للمستعمل إمكانيات متعددة للاختيار والانتقال.

وهذا النوع التوليفي يقدم احتمالات أكبر للتفاعل بالقياس إلى الأنواع السابقة؛ لأن على المستعمل أن يختار بنفسه الاتجاه الذي يسير فيه من بين اتجاهات متعددة.

5 – النوع الجدلي: نوع خاص فيه مزيج من النوع التوليفي والشبكي، وهو يتيح للقارئ اختيار الخانة التي سينتقل من خلال النقر على عنوانها، فتفتح له عقدة، وانطلاقًا منها يمكنه أن ينتقل بين عقد النصوص، وهكذا…، لكن جدول الخانات يظل بالنسبة له هو “دفة” الانطلاق والرجوع، كي لا يظل يضيع وسط متاهات النص.

6 – النوع الترابطي والشبكي: ينهض هذا النوع أكثر من غيره على أساس متطور من العلاقات الموسعة بين مختلف عناصره ومكوناته، وما على المستعمل سوى اختيار العلاقات التي يريد إقامتها بين العقد المختلفة، وكذا الروابط اللانهائية بين مختلف المواد، وبحسب القصد الذي يريد. يتصف هذا النوع بأنه هو الأكثر تفاعلية ودينامية وتشعبًا؛ ولذلك أطلق عليه الكاتب “ترابط النص المترابط” أو النوع الترابطي أو الشبكي لأنه أشبه بالشبكة.

كما يشرح المؤلف طريقين للانتقال من النص المترابط (بين عقده وروابطه): الأولى: التجوال: وهو انتقال بين العقد بدون غايات مضبوطة أو هدف غير التجوال لتمضية الوقت أو إشباع الفضول من خلال التحرك داخل عقد النص المترابط، والثانية هي الإبحار: أي الانتقال من عقدة إلى أخرى بواسطة الروابط لغاية محددة، وتتمثل في البحث عن أشياء بعينها.

إنتاج النص المترابط

تتحقق الكتابة “الترابطية” من خلال:

– أحد البرامج التي تتضمن هذه الوظائف التي تتيح الترابط، ولكي يوظفها الكاتب في النص لا بد من توفر القصد في كون الكاتب يقرر مسبقًا بأنه سيكتب نصًّا مترابطًا، ومعنى ذلك أنه سيعمل جاهدًا على تنظيم بنيات النص الذي يكتب وفق هذا النظام الذي يسمح للقارئ بالانتقال داخل النص تبعًا لذلك.

– التنظيم والتي تبدأ من خلال “خطاطة” يُعِدّها الكاتب والتي يحدد من خلالها خريطة النص ومختلف عقده وتشعباته، ومواطنها وفقًا لطريقته الخاصة التي يتبعها في بناء نصه المترابط؛ ليصنع بذلك نظامًا تسير عليه مختلف الروابط بحيث تكون متكاملة، ويؤدي بعضها إلى بعض بطريقة كلية وليست أحادية فقط.

– الإنجاز، ويتصل بالمرحلة الأخيرة، حيث تكون كل البنيات النصية مهيأة لتنشيطها بواسطة البرنامج الذي يسمح لنا بتحديد مجال الروابط، وجعلها قابلة للاشتغال وليست عرضة للتعطيل مهما كانت الطوارئ والذي يبدو لنا من خلال التأشير على كلمات أو جمل محددة بلون مغاير أو مميز في نهاية عملية الإنجاز.


ليلى حلاوة