تزداد نسبة الطلاق في العالم العربي، وطبقا لعام 2017م ، بلغت حالات الطلاق في الأردن 2.6 في الألف من نسبة السكان، بمعدل 60 حالة طلاق تقع يوميا، وفي الكويت: 2.2 من كل ألف مواطن، بنسبة 62.7%  حالات الطلاق من إجمالي حالات الزواج، وفي مصر، 1.9 من كل ألف مواطن، بنسبة حالة طلاق واحدة كل أربع دقائق، بما يعادل 40% من إجمالي حالات الزواج، وفي لبنان، 1.6 من كل ألف مواطن، حيث سجلت 8 آلاف و580 حالة طلاق عام 2017، وفي الجزائر، بلغت نسبة الطلاق 1.5 من كل ألف مواطن، حيث سجلت 68  ألف حالة عام 2017.

وفي عام 2019م، بلغت الكويت في الطلاق نسبة 48%، وفق إحصاء نشرته وزارة العدل الكويتية، وفي مصر بلغت نسبة الطلاق 40% حسب تقرير مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، وبلغت نسبة الطلاق في الأردن 36.2%، وفي قطر بلغت نسبة الطلاق 37% حسب البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية، وفي لبنان بلغت النسبة 34%، وذلك في الوقت الذي سجل فيه تراجع ملحوظ في نسبة حالات الزواج، وهي نفس النسبة (34%) في الإمارات العربية المتحدة، ، وفي السودان بلغت نسبة الطلاق 30%، وفي العراق بلغت نسبة 22.7%، وفي السعودية نسبة 21.5% حسب وزارة العدل السعودية، وفي الجزائر بلغت نسبة الطلاق 14.8%..

أسباب الطلاق

تشير الدراسات إلى عوامل متعددة يحصل بها الطلاق، ومن أهمها: تزايد ضغوط الحياة، التي تدفع الزوجين للطلاق، وعدم النضج وقلة الخبرة في الحياة الزوجية، والفهم الخاطئ للرجولة الذي يدفع الرجل للتسلط على المرأة، وعمل المرأة مع تقصيرها في حياتها الزوجية، والمعاملة بالند مع الرجل، والفشل في اختيار شريك الحياة بشكل صحيح ومتوافق، والخيانة الزوجية بكل أشكالها الواقعية أو على وسائل التواصل والإنترنت، وكذلك اختلاف الأولويات عند كل من الزوجين، وتدخل أهل الزوجين في حياتهما، وتقصير الزوج والزوجة في أداء الواجبات، والعنف من كلا الطرفين، والحياة الروتينية، وغياب التواصل بين الزوجين، والإفراط العاطفي في وقت مبكر للغاية، والتوقعات غير المتوافقة بين الزوجين، ونقص التواصل العاطفي بينهما، والمشكلات المادية في الحياة، وعدم الثقة، والإدمان، والتظاهر بعدم وجود مشكلات في الحياة، ومعضلة الأطفال، وتجاهل أهمية الاحترام المتبادل بين الزوجين، والانتقاد الزائد عن الحد، والازدراء من أحد الطرفين، أو كليهما،  وغيرها من الأسباب.

الطلاق في الشريعة

الطلاق استثناء، فالأصل في الحياة الزوجية البقاء والاستمرار، ولهذا حرم نكاح المتعة الذي يقوم على أن يكون الزواج مؤقتا لفترة محددة، لأن هذا ينافي طبيعة عقد الزواج، الذي قال الله تعالى فيه: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]..

وإن كان هذا هو الحال، فلماذا أباح الإسلام الطلاق؟

بداية، ليس كل طلاق حلالا، بل قد يكون الطلاق حراما، إن كان فيه إضرار للزوجة، أو كان فيه إضرار للزوج إن طلبت المرأة الطلاق دون وجه حق، أو رفعت أمرها للقضاء بالطلاق أو التفريق.

لكنه قد يكون حلالا، وذلك لحكمة أن الله تعالى جعل الزواج بقصد تحقيق مصالح للطرفين، فإن انقلبت الحياة إلى مفاسد محققة، ولم يستطع أحد الزوجين أو كلاهما الصبر على تلك المفاسد، وتحولت الحياة الزوجية إلى مفاسد غالبة لا تتحمل، فهنا لا معنى للحياة الزوجية، على أن الاختيار يكون للزوجين، فإن استطاع الصبر على الحياة، فلهما أن يكملا، وإن لم يستطيعا أو أحدهما، فللزوج الطلاق، وللمرأة طلب الطلاق منه أو من القاضي، فساعتها يكون الأمر كما قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

منهج الإسلام في الحد من الطلاق؟

لقد وضع الإسلام منهجا ليمنع وقوع الطلاق أو يحد منه، ومن ذلك:

الوقاية الزواجية:

وذلك من خلال الاختيار السليم لكلا الزوجين، كما ورد في الحديث:” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، وقوله صلى الله عليه وسلم:” فاظفر بذات الدين تربت يداك.

حسن المعاشرة:

وهي من المنهج الاحترازي للطلاق، فحسن العشرة تديم الألفة والمودة والحياة بين الزوجين، وقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، فالله تعالى يحذر من التسرع في الطلاق والتعجل فيه، وأن الإنسان إن كره من زوجته شيئا، فلا يتصور أن ما يكرهه سببا للطلاق، فعسى أن يكون في هذا الذي يراه شرا خير، وعليه أن يتمهل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:” لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي لها آخر”، والأمر كذلك للنساء، لا تفرك مؤمنة مؤمنا، إن كرهت منه خلقا رضيت له آخر.

جعل الطلاق ثلاثا:

ومن منهج الإسلام في الحد من الطلاق أن جعل الطلاق ثلاث مرات وليس مرة واحدة، فهو يعطي الفرصة للمراجعة، فإن طلاق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، فله الحق في أن يراجعها مادامت في العدة، ولا يشترط موافقتها أو موافقة أهلها – كما يفعل البعض- لأن الطلاق حق الرجل، فلا أحد يستطيع أن يمنعه حقه، وإلا كان آثما عند الله، فإن وقعت مشاكل وطلقها مرة ثانية، فله أيضا أن يراجعها في فترة العدة دون موافقتها أو موافقة وليها، أو حتى القضاء، لكن إن طلقها ثالثة تحرم عليه حتى تتزوج آخر برضاها، فإن طلقها الآخر برضاه، حلت له مرة أخرى، وهكذا، يعطي الإسلام المرونة في تعدد الطلاق؛ حتى يبقى الزواج وتستمر الحياة الزوجية.

وحتى لا تقول المرأة: لماذا أعطى الإسلام الحق للرجل أن يطلق ويراجع وكأن المرأة لا حق لها، فإن الله تعالى جعل للرجل سبيلا واحدا لإنهاء الحياة الزوجية، وهو الطلاق، وجعل للمرأة أكثر من سبيل، من ذلك أن لها أن تطلب الطلاق منه، فإن وافق، فقد تم مرادها، والثاني: أن تطلب الطلاق من القاضي للضرر، وله أن يحكم لها بذلك، والثالث: أن تخالعه، فترد إليه ما دفع لها من مهر، وهذا يكون في حالة عدم تقصير الزوج في حق الزوجة، وأنه كان يحسن معاشرتها، لكنها هي التي ترغب عنه.

قال الله تعالى: {لطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 229، 230]

بقاء المطلقة في بيت الزوجية في العدة:

ومن منهج الإسلام في بقاء الحياة الزوجية أنه أمر الرجال بعدم إخراج النساء من بيت الزوجية حال الطلاق، لأن بقاء الرجل مع امرأته التي طلقها طلاقا رجعيا تحت سقف واحد خلال فترة العدة، هي فترة كافية لمعرفة صواب قرار الطلاق من خطئه، فإن كان الرجل قد أخطأ، وهو يرى زوجته أمامه، فإنه سيراجعها، وإن بقي قرابة ثلاثة أشهر أو تقل قليلا، ولم يفكر في إرجاعها، فهذا يعني استحالة العشرة بينهما..

وكما حرم ذلك على الرجل، فإنه حرمه كذلك على المرأة، فيحرم على المرأة المطلقة أن تخرج من بيت الزوجية، بل تبقى فيه، إلا إذا كان الطلاق بسبب الزنى والفاحشة، فللرجل في هذه الحالة أن لا يبقيها، وله أن يبقيها، فهو بالخيار ساعتها.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [الطلاق: 1]، وما أجمل قول الله تعالى ( لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)، فالنفوس تتغير، والأحوال تتبدل، والمرء العاقل من يراجع نفسه.

الوعظ والهجر حال النشور:

وفي حال المرأة الناشز التي تترفع على زوجها، وترفض طاعته، وتريد أن تفشل مؤسسة الزواج، فقد حث الإسلام الرجل أن ينصح زوجته، وأن يكرر النصح، وأن يظهر الرغبة في البقاء على الحياة الزوجية، فإن رفضت واستمرت في نشوزها، فليهجرها في المضجع، فإن استمرت في النشوز، فله أن يضربها ضربا خفيفا معبرا عن رفضه لحالها، ورغبته في استمرار الحياة الزوجية، إن رأى  أن ذلك يصلح الحياة الزوجية، ويكون كما قال ابن عباس: الضرب حال النشوز بالسواك ونحوه، والضرب بالسواك ونحوه لا يسمى ضربا كما هو في عرف الناس.

وإن كان بعض الناس يرى أن الضرب لا يلائم كرامة المرأة وشرفها، فإن الضرب ليس بلازم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أذن للرجال بالضرب:” اضربوا ولا يضرب كريم”، على أن بعض النساء لا ينصلح حالها إلا إذا أظهر الزوج بعض الشدة، فتستقيم، وهو – مع اعتبار طبيعة الضرب الخفيف- إن فكرنا بالموازنة بين الضرب الخفيف بعد الوعظ والهجر من جهة، وبين انهدام الأسرة، كان الضرب الخفيف مع بقاء الحياة الزوجية والأسرة أولى، حتى ترتعد المرأة عن نشوزها، على أن هذا يكون في حالة واحدة، وهي أن الرجل ليس مخطئا، وأن المرأة هي المخطئة، بل تعلن العصيان والنشوز على الزوج والأسرة.

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } [النساء: 34]

الإصلاح بين الزوجين:

ومن منهج الإسلام في الحد من الطلاق ومنعه أن شرع الصلح بين الزوجين، سواء كان الخطأ  من جهة الرجل، أو من جهة المرأة، فإصرار كل طرف أن له الحق، هذا يوجب تدخل أهل الحكمة والعقل والخبرة في الإصلاح بين الزوجين، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } [النساء: 35]، وإن نوى الزوجان والحكمان الإصلاح؛ فقد كفل الله تعالى تحقق الإصلاح بين الزوجين.

على أن الإصلاح ليس في حالة نشوز المرأة فقط، بل في حالة نشوز الرجل وخروجه عن مهماته في الحفاظ على الأسرة والحياة، فللمرأة طلب الصلح، كما قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ } [النساء: 128].

الخلاصة

الطلاق حالة استثنائية، فالزواج واستمراره هو الأصل في حياة الزوجين في الإسلام، وإن عدم تطبيق أحكام الإسلام هي من أهم عوامل ازدياد الطلاق، بل إن فقه الطلاق جاء للحد منه، كما في بقاء المرأة المطلقة رجعيا في بيت الزوجية، كما أن غياب أهل الإصلاح الاجتماعي كان سببا أيضا في ازدياد حالات الطلاق، والطلاق في الإسلام كالقول:” آخر الدواء الكي”، ومن يصبر يصبره الله، ومن عجز، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

على أن الطلاق حين يحصل، فإنه ينبغي أن يحصل بالرضا لا بالعداوة والتقاضي في المحاكم، والادعاءات الكاذبة والافتراءات التي يعلم صاحبها أنه فيها كاذب، وانظروا إلى قول الله تعالى:  {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].