بعد ستين عاما على أول رحلة مأهولة إلى الفضاء الخارجي، وصلنا إلى طرح سؤال غريب وغامض ومحير، هل اقترب بزوغ فجر السياحة الفضائية؟ الأمر ليس مادة للاستهلاك الإعلامي أو نصا مبدئيا لسيناريو فيلم من نوع الخيال العلمي في هوليوود. يبدو أن الخيال العلمي تحول إلى حقيقة علمية. فماذا يحدث؟ هل بدأ فعلا عصر السياحة الفضائية؟

ما معنى السياحة الفضائية؟ التعريف الأقرب لهذا المصطلح الجديد، أن السياحة الفضائية هي “السفر إلى الفضاء لأغراض ترفيهية أو ترويحية أو مهنية”، ولقد ظهرت عدد من الشركات الناشئة في السنوات الأخيرة، تأمل بإنشاء صناعة سياحة الفضاء. ورحلات الفضاء السياحية دوما ما كانت محدودة وغالية. ويبدو أن وكالة الفضاء الروسية هي الوحيدة التي تقدّم هذه الخدمة إلى وقتنا هذا.

وكبديل لمصطلح “سياحة” فإن بعض المنظمات كإتحاد رحلات الفضاء التجارية استخدموا مصطلح “رحلات الفضاء الشخصية” بينما مشروع المدنيين في الفضاء يستخدم المصطلح “الاكتشاف الفضائي المدني”.

لكن الكثير من المسافرين إلى الفضاء اعترضوا على مصطلح “سائح فضاء”، مشيرين إلى أن في كثير من الأحيان يتعدى دورهم من المراقبة فقط، حيث أنهم قاموا بتنفيذ التجارب العلمية في سياق رحلتهم.

فتح الفضاء أمام العامة

الأمر لم يعد مجرد حلم، فبعد النجاحات المبكرة في مجال الفضاء، رأى كثير من العامة بأن محاولات اكتشاف الفضاء المكثفة أمر لابد منه. بل أن المئات من البشر اشتروا تذاكر بأثمان باهضة، وبدأوا التدريبات على الرحلة إلى الفضاء، تمضية دقائق أو أيام قليلة خارج نطاق الجاذبية في الفضاء، هؤلاء الركاب الأثرياء أو سعداء الحظ، وهم مبتدئون بالكامل، وليسوا رواد فضاء، يستعدون للمشاركة في إحدى المهمات الفضائية الخاصة الكثيرة التي يتم التحضير لها.

هذه الرحلة الحلم، ستكون خطوة نحو فتح الفضاء أمام العامة، حيث تطور شركات عالمية مثل “فيرجن غالاكتيك” و”بلو أوريجين” حاليا مركبات قادرة على إرسال زبائن لدقائق قليلة فوق حدود الفضاء، أو ما يُسمى الرحلات الفضائية دون المدارية.

ويروي غلين كينغ مدير برنامج التدريب الفضائي في مركز “ناستار سنتر” الخاص الشريك مع جهات كبيرة في القطاع، أن “الشخص الأكبر سنا الذي دربته كان يبلغ 88 عاما”. وتدرب حوالي 400 راكب مستقبلي على “فيرجن غالاكتيك”، بينهم كثيرون من “رجال ونساء الأعمال”، في مقر الشركة بولاية بنسيلفانيا الأميركية. ويستمر برنامج التدريب يومين فقط، مع دروس نظرية صباحية ثم عمليات محاكاة عدة في جهاز طرد مركزي بشري. وتعيد ذراع يقرب طولها من ثمانية أمتار في حركة دوران سريعة إنتاج قوة الجاذبية الموازية لتلك الموجودة داخل المركبة خلال الرحلة. كذلك يتواجد فريق طبي في الموقع.

وقبل ذلك كان يمكن للتدريبات التي تجريها وكالة “ناسا” أن تستمر “سنتين”، لكن بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين يريدون اليوم إرسالهم إلى الفضاء تم تقليص الفترة إلى بضعة أيام!!. ويبدو أن هذا الأمر ممكن لأن الزبائن ليسوا سوى ركاب، ولا مهام كثيرة يتولونها خلال هذه الرحلات باستثناء بعض الاسترخاء وتأمل المنظر.

نسبة النجاح 99,9 % والتذكرة بـ 250 ألف دولارفقط

ويؤكد كينغ أن نسبة نجاح البرنامج تبلغ “99,9 %”، والهدف يكمن خصوصا في طمأنتهم عبر الإظهار لهم بأنهم قادرون على تحمل السرعة، في مقابل دفع مبلغ يراوح بين أربعة آلاف وعشرة آلاف دولار، تبعا لحاجات التدريب. ويبقى سعر الرحلات الفضائية الباهظ العائق الأكبر أمام تعميمها على نطاق أوسع.

وقد اشترى حوالي ستمئة شخص تذاكر لهم لرحلات مع “فيرجين غالاكتيك” المملوكة للملياردير البريطاني ريتشارد برانسون. وتراوح كلفة التذكرة بين 200 و250 ألف دولار. كما تضم قائمة الانتظار آلاف الأسماء. ومن المقرر إطلاق العمليات “بداية 2022″، وتعتزم الشركة على المدى الطويل تسيير أربعمئة رحلة سنويا. أما “بلو أوريجين” فلم تعلن أي سعر أو جدول زمني للرحلات.

وبصرف النظر عن المسألة المادية، هل سيتمكن الجميع من المشاركة في مثل هذه الرحلات، أم أن مشكلات صحية قد تمنع البعض من ذلك؟ ويقول غلين كينغ “لستم بحاجة لأن تكونوا بصحة ممتازة اليوم لتتمكنوا من الذهاب إلى الفضاء”. وهو يوضح أنه درّب أشخاصا يضعون أطرافا اصطناعية أو يعانون السكري أو مشكلات صحية أخرى. وأوصت الوكالة الأميركية المشرفة على الطيران، “اف ايه ايه”، منذ 2006 بأن يجيب “الركاب التجاريون” المستقبليون في رحلات الفضاء دون المدارية، على “استبيان بسيط” يتناول سجلهم الطبي وأيضا الصحة الذهنية.

رحلات “full” ومركبات فضائية جاهزة للاقلاع

في سبتمبر، ستكون رحلة “إنسبيرايشن 4” الأولى في العالم التي ترسل مدنيين من دون أن يكون في عدادهم أي رائد فضاء محترف. وقد استأجر الملياردير الأميركي جاريد أيزاكمان على نفقته الخاصة صاروخ “فالكون 9″، وهو سينقل ثلاثة ركاب لثلاثة أيام.

وفي يناير 2022، تعتزم شركة “أكسيوم سبايس” إرسال رائد فضاء سابق مع ثلاثة مبتدئين على متن محطة الفضاء الدولية. وتعتزم الشركة على المدى الطويل تسيير رحلات إلى محطة الفضاء الدولية بواقع مرة كل ستة أشهر، بحسب ما قالت الشركة لوكالة “فرانس برس”.

وتوجه سبعة سياح إلى المحطة بين 2001 و2009. وقد لعبت شركة “سبايس أدفنتشرز” دور الوسيط لهؤلاء، كما وقعت اتفاقا مع “سبايس اكس” لإرسال أربعة زبائن إلى مدار الأرض لأربعة أيام، ربما في 2022.

وفي 2023، حجز الملياردير الياباني يوساكو مايزاوا رحلة على متن صاروخ آخر قيد التطوير من “سبايس اكس”، لإجراء رحلة حول القمر سيكون على متنها ثمانية من سعداء الحظ سيجري اختيارهم لاحقا.

يذكر أنه في نوفمبر 2020، وضعت كبسولة “كرو دراغون” من “سبايس إكس” أربعة رواد فضاء في المدار بنجاح، قبل التحاقهم بمحطة الفضاء الدولية.

وقد استعانت وكالة “ناسا” بـ”سبايس إكس” و”بوينغ” بعد إنهاء برنامجها للمكوكات الفضائية في 2011 إثر الإخفاق في تحقيق الهدف بجعل الرحلات إلى الفضاء آمنة وأقل كلفة. وتعتزم وكالة الفضاء الأميركية إنفاق أكثر من 8 مليارات دولار بحلول 2024 على برنامجها للرحلات الفضائية التجارية.

خلفية “النزعة الفضائية”

وعموما، فإن هذه “النزعة الفضائية” ليست وليدة سنة أو سنتين، وإنما مرت الفكرة بمراحل عديدة، لكن تجلياتها بدأت تظهر مع نهاية سباق الفضاء، الذي بلغ ذروته في الهبوط على القمر، حيث انخفض التركيز على استكشاف الفضاء من قبل الحكومات الوطنية، مما أدى إلى انخفاض مطالب التمويل العام لرحلات الفضاء المأهولة.

ويبدو أن قصة روبرت هيينلين “التهديد من الأرض” التي نشرت عام 1957 كانت واحدة من أول العوامل المدمجة لتطوير صناعة السياحة الفضائية ضمن هيكليها خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، حيث كان هناك اعتقاد منتشر ان فنادق الفضاء سوف تُنشأ في عام 2000. وخمن العديد من المهتمين بالمستقبل في أواسط القرن العشرين أن العائلة في بداية القرن الواحد والعشرين ستكون قادرة على الاستمتاع بالعطلة في القمر. في الستينات، أسست شركة “بان آم” قائمة انتظار للرحلات المستقبلية للقمر، وأصدرت بطاقات عضوية مجانية لـ”نادي أول الرحلات للقمر” لأولئك الذين طلبوها.

في 1983 أصبح ألف ميلبر (مهندس) وبايرن لتنشنبرغ (طيار مقاتل في القوات الجوية الأمريكية) أول متخصصين في الأحمال يسافران على مكوك فضائي في مهمة اس تي اس 9.

عام 1984 أصبح تشارلز د.ووكر أول رائد فضاء خارج قطاع الحكومة بعد رحلته مع مديره ماكدونل دوغلاس في رحلتهما للفضاء التي كلفتهما 40,000 دولار.

وفي العرض التقديمي للجمعية الوطنية للفضاء عام 1985 ذكرت بأنه بالرغم من أن التكلفة للسياحة الفضائية تتراوح مابين 1 إلى 1.5 مليون دولار للراكب بدون دعم حكومي، خلال 15 سنة سيتمكن 30,000 شخص في السنة من التحليق في الفضاء من خلال مركبات فضائية جديدة مقابل 25,000 دولار للشخص. العرض توقع أيضًا رحلات للمدار القمري خلال 30 سنة وزيارات لسطح القمر خلال 50 سنة.

وعندما توسع برنامج المكوك في بداية الثمانينات الميلادية، بدأت ناسا ببرنامج يُدعى “مُشارك رحلات الفضاء” للسماح للمواطنين الذين ليس لهم دور علمي أو حكومي بالطيران. تم اختيار كريستا مكوليف كأول أستاذة فضاء في يوليو 1985 من بين 11400 متقدم. تقدم 1700 لوظيفة الصحفي في برنامج الفضاء، من ضمنهم والتر كرونكايت، وتوم بروكا، وتوم وولف، وسام دونالدسن.

في عام 1991, تم اختيار العالمة الكيميائية هيلين شارمن من بين 13000 متقدم لتكون أول بريطانية تصعد للفضاء.

في ديسمبر عام 2005 أطلقت الحكومة الأمريكية مجموعة من القوانين المقترحة لسياحة الفضاء. تتضمن هذه القوانين إجراءات الفحص والتدريب على حالات الطوارئ، بينما لا توجد متطلبات صحية .

مواقف وإيرادات

اشار استطلاع على شبكة الإنترنت إلى أن أكثر من 70٪ من الذين شملهم الاستطلاع يريدون أقل من أو يساوي أسبوعين في الفضاء، إضافة إلى 88٪ يريدون السير في الفضاء (14٪ فقط من هم يريدون فعل ذلك مقابل علاوة بنسبة 50٪)، و21 % أراد فندق أو محطة فضاء.

الفكرة واجهت عدة انتقادات من جهات ومؤسسات مختلفة. خاصة جونتر فيرهيوجين، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، الذي قال عن مشروع “ايه اي دي اس استريوم للسياحة الفضائية: ” إنه مخصص لكبار الأثرياء فقط، وهذا يتناقض مع قناعاتي الاجتماعية”.

وفي الجانب الاقتصادي، صدر تقرير في سنة 2010 من وكالة الطيران الفدرالية، بعنوان “الآثار الاقتصادية للنقل الفضائي التجاري على اقتصاد الولايات المتحدة في عام 2009″، بشهادة دراسات تمت من قِبل فوترن، وهو عالم فضاء ومستشار تقني، توقع أن السياحة الفضائية من الممكن أن تصبح سوقاً يعادل قيمة مليار دولار خلال عشرين سنه. وبالإضافة إلى ذلك، في العقد منذ سفر دنيس تيتو إلى محطة الفضاء الدولية، دفع ثمانية مواطنين رسوم قدرها 20 مليون دولار للسفر إلى الفضاء . وكانت شركة سباس أدفنشر تعتقد ان العدد سيرتفع إلى 15 بحلول عام 2020. وهذه الاعداد لا تشمل منظمات الفضاء الخاصة كفرجين جالكتيك، والتي باعت في عام 2012 أكثر 500 تذكرة بما يعادل 200 ألف دولار للتذكرة الواحدة. ومن المتوقع أن مبيعات التذاكر سوف تزداد بحلول عندما تبدأ شركة فرجين جالكتيك الرحلات الفضائية.