من خلف كثبان الرمال وقوافل الجمال ومراعي الصحراء يأتي الكاتب الكويتي سعود السنعوسي بروايته الجديدة (ناقة صالحة) التي استخرج شخصياتها وأحداثها من ثنايا القصائد ومرويات الأجداد عن قصة حب عذبة دارت مطلع القرن العشرين في شبه الجزيرة العربية.

تبدأ الأحداث عند أسوار الكويت في ربيع عام 1941 م حين يفد الشيخ محمد بن عبد الله الشاوي للمدينة مع قافلته ويجلس في السوق ممسكا بربابته وينشد قصيدة ”الخَلوج“ للشاعر دخيل بن أسمر مثيرا في أذهان رواد السوق والقراء معا أسئلة عديدة عن القصيدة وصاحبها.

تكتسب القصيدة اسمها ”الخَلوج“ من مصطلح يطلقه أهل الصحراء على الناقة التي فقدت صغيرها سواء نفق أو ذُبح فتظل مدة تحن إليه ويخالجها الحزن، حيث يكون لها صوت عويل ونحيب يثير الأسى، وتعود إلى المكان الذي فقدته فيه.

أما عن ناظم القصيدة فيقول الراوي إنه شاب يافع هجر قبيلته وغير اسمه عام  1901 م ليبدأ حياة جديدة في الكويت بعدما تزوجت محبوبته صالحة من ابن عمها صالح.

والرواية الصادرة في 173 صفحة من القطع الصغير عن (الدار العربية للعلوم – ناشرون) رغم صغر حجمها يصعب اختزالها في قصة الحب الحزينة بين دخيل وصالحة حتى وإن تميزت بعذوبة تفاصيلها ورقة مشاعرها فقد استطاع المؤلف شق دروب لعوالم بعيدة في عمق الصحراء تصور طبيعة الحياة القبلية في شبه الجزيرة العربية مطلع القرن العشرين وقوة الشعر وتأثيره آنذاك والعلاقة الفريدة بين أهل الصحراء والإبل وكذلك عقلية المرأة البدوية قبل نحو 100 عام.

معان وتساؤلات أخرى ربما توارت خلف سطور الرواية عن الهوية ومعنى الوطن وجدوى الحفاظ على العادات والتقاليد القديمة لكن السنعوسي آثر أن تظل قصة الحب الرومانسية هي المحور الرئيسي للأحداث.

ومن أبيات قصيدة الخلوج :

غيمتك شَحت.. ومالح كل موج

أعطش، ويا كويت بيرك مالحة

ومنزلك قلبي، وأنا لولا الخلوج

ما أترك دياري لديرة صالح.

وكتب السنعوسي في أحد فصول الرواية: ” لن يفلتَ صالح أبداً من انتقام النَّاقةِ لو أنها رأت فعلَهُ بصغيرِها، وحمداً لله أنني سبقته قبل أن يفعل. للإبِل طباعٌ صعبة مثل حياتِنا، وفيَّة إن أحبَّت، ولكنها مزاجية، وتغور الإساءة في قلبِها ولا تُسامِح من يسيء إليها، وصالح خير من يعرف ذلك. فلأحدِ أسلافِنا قصةٌ متوارثة، حين أساءَ لبعيرِه صعب المراس، أثقلَ عليه وآذاه في مأكلِه ومَشربِه بعدما شاخ. تربَّصَ له البعيرُ في أحد أسفارِه معه وحيداً بعيداً مقطوعاً عن القبيلة، وطارده حتى هربَ جدُّنا الأكبر إلى رأس تلٍّ عالٍ في الصَّحراء. ظلَّ يُراقبُ البعيرَ الهائج في الأسفل يتحرَّى لحظة هدأتِه أو غيابه بعد طول انتظار. أضناهُ العَطَشُ في التَّلِّ الصَّخري، وقرَّرَ النُّزولَ في اليوم الرَّابع. وافاه البعيرُ في الأسفلِ. عضَّه في كتِفِه وبرَكَ فوقه يهرسه”.

ويحمل  الكاتب السنعوسي مفاجأة في نهاية الرواية قد تدفع لإعادة قراءة العمل من جديد أو على الأقل الاشتباك مع محركات البحث على الإنترنت من أجل التحقق والفهم إذ يتضح أن الرواية لها نصيب كبير من الواقع وأن الشاعر دخيل بن أسمر والفارس صالح بن مهروس وزوجته صالحة هم أشخاص حقيقيون ورد ذكرهم في مرويات العجائز وبعض القصائد والأعمال الأدبية بالكويت لكن مع إضافة شيء من الخيال إلى حياتهم.

جدير بالذكر أن الروائي الكويتي سعود السنعوسي فاز في عام 2013 م بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها السادسة عن روايته “ساق البامبو” كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية في دولة الكويت عام 2012 م وله أيضاً روايات عدة منها: سجين المرايا، فئران أمي حصة، وحمام الدار.