تعاني أمّتنا كثيرا من أمراض التخلّف والتقهقر الحضاري ، لعلّ أخطرها وأضرّها عليها الفُرقة والتمزّق والتنازع، والمطلوب من العقلاء والمخلصين إذًا التنادي بوضع هذه المشكلة على رأس الأولويات لمعالجتها تربويا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا والعمل بمطاردة عوامل الفُرقة وبناء ثقافة الإجماع ونشر معاني الوحدة والأخوّة والمحبّة بين مكوّنات الأمة جميعا، وإنما تتمثّل المصيبة في جنوح بعض الفصائل إلى التلذّذ بالفُرقة والتأصيل لها دينيا ، وتأجيج الخلاف .. تبتغي بذلك وجه الله !!

المسلمون كلّ المسلمين يشكّلون الأمة وهم المخاطبون بقول الله : ” وكذلك جعلناكم أمّة…” – ” وأن هذه أمتكم أمة واحدة ” ، هم الفِرقة الناجية ، لا يخرج منهم إلا من أخرج نفسه واختار لنفسه ( ولم يخترْ له أحد ) انتماء آخر مثل القاديانية والبهائية والنصيرية ونحوها.

كلّ من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا رسولا هو مسلم نرجو لنا وله الجنة بفضل الله ورحمته، يكفي أنه مسلم مرجعيتُه القرآن والسنة ، فعهد الصحابة والتابعين لم يعرف شيئا اسمه ” أهل السنة والجماعة ” بل امتثل لأمر الله تعالى ” ولا تموتُنّ إلا وانتم مسلمون”، وإذا انتمى المسلم في حياته لجماعة دعوية أو حزب سياسي يخدم الإسلام والمجتمع فلا علاقة لذلك الانتماء العقدي الذي يسع الجميع.

وحدة الأمة تقتضي الأخوة التي تقتضي بدورها المحبّة والتعاون وحسن الظنّ وقبول الاختلاف في الآراء والأفكار والتوجّهات في إطار المرجعية الجامعة ، وقد اختلف الصحابة والتابعون وتابِعوهم في الفروع والجزئيات فتأسّست ثروة فقهية وفكرية ضخمة تنتفع بها الأجيال المتتالية ، أفلا يسعنا ما وسعهم وهم الأجيال المشهود لها بالخيرية؟

الله لم يفرض عليها أن نكون نُسخا طبق الأصل لبعضنا وإنما علّمنا أدب الاختلاف وأخلاق التعايش والتعاون، ومن لم يتخلّق بالأخلاق الرفيعة ولم يتحلّ بالأدب الرفيع مع إخوانه المسلمين وأخذ بالغلظة والشدّة وسوء الظنّ يكاد يُخرج نفسه من زمرة الفائزين وإن زعم بلسان حاله أنه من ” أبناء الله وأحبّائه “، لأنّ تزكية أقلية من المسلمين وحصر صفة النصر والنجاة فيهم دون سواهم من أتباع هذا الدين هو تقليد للفعل اليهودي الذي استنكره لله تعالى في كتابه.

ويقتضي المقام التذكير ببديهيات أصبحت محلّ خلاف – ونحن في زمن توضيح الواضحات – على رأسها أن اللحية والثوب القصير وعود الأراك ورفع شعار السلف الصالح ليست معيارا للصلاح ولا مقياسا لتصنيف المسلمين ولا ميزانا لتحديد درجات البرّ والتقوى لأن الجنة يدخلها صاحب القلب السليم والعمل الصالح ولا علاقة لذلك بشكل من الأشكال أو ادّعاء مزعوم، والله ينظر إلى باطن الإنسان وعمله لا إلى جسمه وشكله إلا ما كان شعيرة أمر بها كلباس المرأة.

الفتنة أشدّ من القتل وقْعا وأكبر منه حجْما ، ومن أبشع أنواعها تفريق صفّ المؤمنين بناء على نظرة فوقية استعلائية هي أقرب إلى الطائفية والعنصرية من طرف من احتكر الحديث باسم الإسلام ونصّب نفسه ناطقا باسمه من غير تفويض شرعي ولا شعبي.

“إنما المؤمنون إخوة ” خطاب موجّهٌ لجميع المسلمين. “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا ” حديث موجّه للأمة كلها وليس لفِرقة من الفِرق.

إذا وُجد بيننا من يأتمر بأوامر شيخ يقدسّه فنحن في حلّ من تقديسه له ، لنا مرجعيتنا التي تجمع ولا تفرّق و تبني ولا تهدم وتبشّر ولا تنفّر.

المحافظة على وحدة الصفّ فريضة دينية واجتماعية في ظلّ تربّص تحديات العولمة، الصفّ لا يحتمل مزيدا من التفريق بل ندعو لبعضنا الخير والهداية والجنة ، نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.