استهل ابن عاشور رحمه الله تفسيره لهاتين الآيتين – [سورة طه : 103- 104] – ببيان معنى التخافت: “الكلام الخفي من خوف ونحوه”، وبين أن “تخافتهم [أي المجرمين] لأجل ما يملأ صدورهم من هول ذلك اليوم”، وهو الموصوف في الآية السابقة: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}.

ثم بين أن جملة (إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا)‫ “‬مبينة لجملة (يَتَخَٰفَتُونَ)، وهم قد علموا أنهم كانوا أمواتاً ورفاتاً فأحياهم الله، فاستيقنوا ضلالهم؛ إذ كانوا ينكرون الحشر. ولعلهم أرادوا الاعتذار لخطئهم في إنكار الإحياء بعد انقراض أجزاء البدن مبالغة في المكابرة، فزعموا أنهم ما لبثوا في القبور إلا عشر ليال، فلم يصيروا رفاتاً، وذلك لما بقي في نفوسهم من استحالة الإحياء بعد تفرق الأوصال، فزعموا أن إحياءهم ما كان إلا برد الأرواح إلى الأجساد، فالمراد باللبث: المكث في القبور، كقوله تعالى {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (*) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} في سورة المؤمنين، وقوله:‫ ‬{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} في سورة الروم“.

وبين أن (إذ) في {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} “ظرف، أي يتخافتون في وقت يقول فيه أمثلهم طريقة”. وأما معنى (الأمثل) فالأرجح عنده “الأفضل… أي صاحب الطريقة المثلى؛ لأن النسبة في الحقيقة للتمييز” .
و”الطريقة: الحالة والسنة والرأي. والمراد هنا الرأي…”.

ثم علق على توجيه المفسرين لوصف قائل هذا القول بأنه أمثلهم طريقة، فقال: “ولم يأت المفسرون في معنى وصف القائل: (‫إن لبثتم إلا يوما) ‬بأنه أمثل طريقة بوجه تطمئن له النفس”.

والذي يراه ابن عاشور في هذا الوصف: “أنه يحتمل الحقيقة والمجاز؛ فإن سلكنا به مسلك الحمل على الحقيقة كان المعنى أنه أقربهم إلى اختلاق الاعتذار عن خطئهم في إنكارهم البعث بأنهم ظنوا البعث واقعاً بعد طول المكث في الأرض طولاً تتلاشى فيه أجزاء الأجسام، فلما وجدوا أجسادهم كاملة مثل ما كانوا في الدنيا قال بعضهم: (‫إن لبثتم إلا عشراً)‬. فكان ذلك القول عذراً؛ لأن عشر الليالي تتغير في مثلها الأجسام. فكان الذي قال (‫إن لبثتم إلا‬
‫يوما) ‬أقرب إلى رواج الاعتذار. فالمراد: أنه الأمثل من بينهم في المعاذير، وليس المراد أنه مصيب.

وإن سلكنا به مسلك المجاز فهو تهكم بالقائل في سوء تقديره من لبثهم في القبور، فلما كان كلا التقديرين متوغلاً في الغلط، مؤذناً بجهل المقدرين واستبهام الأمر عليهم، دالاً على الجهل بعظيم قدرة الله تعالى الذي قضى الأزمان الطويلة والأمم العظيمة وأعادهم بعد القرون الغابرة – فكان الذي قدر زمن المكث في القبور بأقل قدر أوغل في الغلط، فعبر عنه بـ “أمثلهم طريقة” تهكماً به وبهم معاً، إذ استوى الجميع في الخطأ”.

وعن جملة ‫(‬نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ)‫ قال: “‬معترضة بين فعل (يتخافتون) وظرفية (‫إذ يقول أمثلهم)‬، أي إنهم يقولون ذلك سراً، ونحن أعلم به، وإننا نخبر عن قولهم يومئذ خبر العليم الصادق”.