إن المتأمل في مدارج آيات النور في أنوار آيات القرآن يجد السر البديع في دقائق هذا البيان …!

ذلك أننا نجد القرآن يتحدث عن الهداية بالنور في مواضع ثلاثة، فيعدي فعل الهداية بالباء في موضعين، وفي موضع يعديه باللام، وإليك البيان ..

يقول تعالى في الشورى

(,كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الشورى 52]

فقال : نورا نهدي به.

وقال تعالى في المائدة :

(يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة المائدة 15 – 16[

فقال هنا: نور وكتاب مبين يهدي به.

ونتذوق من رحيق بيان القرآن أن النور هنا وسيلة للاهتداء في ظلمات الجهل والغواية في دروب الدنيا والحياة ..

ولكننا نجد هذا البيان الأخاذ يبين في موضع آخر فيقول المولى عز وجل في آية النور عن النور :

(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة النور 35]

فقال :يهدي الله لنوره.

ولم يقل هنا يهدي بنوره.

فأشعرنا هذا البيان المبين العجيب الدقيق أن النور هنا غاية للهداية التي هدى الله عباده لها …

إنه نور النعيم المقيم والخلود الدائم إنه نور الجنة التي تشرق فيها الأنوار وتتكشف فيها الحقائق، ويصبح فيها المؤمنون مخلوقات نورانية تتهيأ للنظر إلى مصدر الأنوار نور الله …نور على نور ..

حالنا في ذلك حال السائر في طريق مظلم يحتاج فيه إلى نور يكون وسيلة له للاهتداء، وغايته بعد ذلك أن يصل إلى النور والضياء، فينتهي به المطاف إلى طريق منير لا ظلام فيه ولا عناء ..

تلك هي أنوار القرآن وسيلة عظيمة للسير بها في ظلمات الحياة الدنيا؛ لتأخذ بأيدينا إلى الغاية من ذلك بالوصول إلى أنوار الجنة؛ وحينها تلهج ألسنة المؤمنين قائلين :

(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون) [الأعراف: 43].

هدانا لهذا …

فأفصحت اللام هنا عن غاية الهداية بالوصول إلى رياض الجنان…

فمن اهتدى بنور الهداية بلغ نور الغاية…