قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان الكريم، لعل أكبر سؤال يتبادر إلى أذهان المسلمين، هو كيف سنقضي شهر رمضان هذا العام في ظل هذه الأوضاع الخاصة التي يمر بها العالم ككل، جراء تفشي فيروس كورونا؟

فماذا سيبقى من الطقوس الدينية والعائلية في الشهر الفضيل؟ وكيف سيمر في ظل الظروف الاستثنائية الحالية؟ كيف سيؤثر هذا الوباء في أفضل شهور السنة؟ ولكن أيضا، كيف سيؤثر رمضان، الذي طالما ربط بالصحة والقرب من الله، على هذه الجائحة التي ألمت بكوكب الأرض؟

بعد أن أغلقت أبواب المساجد في وجوه المصلين ونادى المؤذن “ألا صلوا في بيوتكم، ألا صلوافي رحالكم”، وتم إلغاء صلاة الجمعة، ضمن حزم دولية من الاحترازات لمنع الزحام والتقليل من التجمعات. وبعد أن فرضت بعض الدول حظر التجوال على مواطنيها..وقبل أسبوع من حلول أكثر الشهور قدسية، بدأ المسلمون يتساءلون كيف سنصلي وكيف سنقضي التراويح؟

فقبل شهر فقط من الآن لم يكن أحد ليتصور أن شهر الصيام لهذا العام سيكون خاليا من أهم مميزاته وخصوصياته، صلوات التراويح وموائد الرحمن وفريضة الحج  وكذلك العمرة و العزائم والولائم والتجمعات العائلية لوجبة الإفطار. فكيف للمسلم الذي تعود في هذا لشهر أن يكون رمزا  للتجمعات سواء في البيت أو في المسجد أو في أماكن عامة أخرى، أن يتقبل بأن يكون رمضان هذه السنة رمزا  للوحدة والعزلة؟.

بعض الدول بدأت فعليا في الاستعداد للوضع الجديد لرمضان 2020، حيث قررت وزارات الأوقاف في هذه الدول إغلاق المساجد  خلال شهر رمضان ومنع صلاة التراويح والاعتكاف. كما تم حظر جميع أشكال وأنشطة الإفطار الجماعي و إلغاء المؤتمرات المحاضرات والندوات الدينية.

جدلية الصوم

لم يقتصر الأمر على الجوانب الدينية والإجتماعية  الثقافية، بل إن التغييرات الكبيرة التي ستلحق برمضان هذا العام طالت حتى الفريضة الجوهرية لهذا الشهر، وهي فعل الصوم نفسه. فقد انطلق جدل كبير حول ضرورة الصوم هذا العام من عدمه بسبب كورونا. وقال فريق إن ما يسببه الصوم من جفاف في الحلق يمكن أن يجعل الإصابة بالفيروس أكثر خطورة وعليه فيجوز رفع فريضة الصوم هذا العام استثناءا وتعويضها بإطعام المساكين.  ويتحدث هذا الفريق عن الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفيروس ويحفز انتشاره، وإما تثبيت الصيام ومن ثم تحدى خطر تفشٍّ أوسع له في صفوف المسلمين.

ويؤكد هذا الفريق إن بلدان الشرق الأوسط تعرف مناخا حارا في شهر مايو/أيار (والمتزامن هذا العام مع الجزء الأكبر من شهر رمضان)، ما يثير مخاوف لدى السكان من تأثير الحرارة المرتفعة على جفاف حلق الصائم في ظل وباء كورونا.

وأثارت إمكانية الترخيص بالإفطار جدلا واسعا، خاصة لدى كبار السن والمرضى. وبدأ  أصحاب الأمراض المزمنة، ومنهم من كان يصوم في السابق بدون مشاكل، عن إمكانية إفطار رمضان، بسبب تخوفاتهم من أن يسهل ذلك دخول فيروس كورونا إلى الرئتين.

وقال فريق آخر، إن الصوم قائم طالما لم يثبت علميا تأثيره على مسألة الإصابة بفيروس كورونا. وهو الرأي الذي اتجهت إليه بعض المؤسسات العلمية والشرعية من خلال التأكيد على غياب دليل علمي حتى الآن على وجود ارتباط بين الصوم والإصابة بكورونا.

النية والصيام الصحي

ودعا فريق ثالث، إلى عدم الدخول في هذا الجدل العقيم، وضرورة عقد “النية” للصوم تطبيقا لفريضة دينية، وتضرعا لرفع الوباء عن شعوب العالم كله. فمن المعلوم في ديننا الحنيف أن حفظ الأنفس وصيانتها مقدم على أداء العبادات، ولذلك أبيح للمريض ومن يخشى المرض الإفطار خلال رمضان، وليس من البر ولا من العبادة السليمة الصوم مع المرض. ويقول هؤلاء أن تقرير ذلك يعود لخبراء الطب والمختصون فيه، وهم من لهم الأهلية للحكم إن كان الصوم يعرض صاحبه للمرض أو لا، فلو أثبتوا ذلك طبيا فلا حرج من دعوة الناس لعدم الصوم بل قد يكون أمرا لازما، لأن المعركة الأولى اليوم هي محاربة الوباء ومحاصرته، وذلك مقدم على كل شيء.

ويعتبر الدكتور محمد الفايد، الخبير المغربي في الميكروبيولوجيا  الصناعية والتغذية، أكثر المتفائلين بعلاقة الصيام بفيروس كورونا، حيث يقول إنه متفائل جدا، بل هو من الأشخاص الذين يعولون على شهر رمضان الكريم للقضاء على فيروس كورونا، ونصح الفايد الصائم بأن يكتفي بأكل طبيعي في الليل لكي يزيل السموم من الجسم، فلا يقرب جميع المواد المعلبة و لا يتناول طعاما به زيوت صناعية، ويتجنب قدر المستطاع كل أنواع السكريات ولا يكثر من المواد المشبعة بالطاقة كاللحوم مثلا، ويكتفي بالمواد الطبيعية العشبية والمواد التي تنمي نظام المناعة.

دراما غائبة ودعوة لتعديل السلوك

وعلى العموم، يجمع الكثيرون أن رمضان هذه السنة سيفقد أبرز ما يميزه من طقوس جماعية، وسيقتصر الأمر على التعبد الفردي مع الأسرة الصغيرة داخل البيت بدلا من مظاهر التعبد الجماعي. وسيكون صيام هذا العام تجربة خاصة وفريدة من نوعها، لم يحدث مثلها في التاريخ الإسلامي. كما أن هذه التجربة يمكن أن تكون مفيدة أيضا في بعض جوانبها، حيث يشكل رمضان هذا دعوة لتغييرات بعض السلوكات التي اعتاد عليها الصائم، خاصة فيما يتعلق باللقاءات والتجمعات وعادات التسوق والسهر إلى ساعات متأخرة، ومن ثم محاولة تعديل هذه السلوكات لتتناسب مع الأوضاع الراهنة من جهة، ولتكون مقدمة للتخلي عنها في المستقبل.

لكن البعض بدأ يتحدث من الآن، بأن تأثير كورونا في رمضان سيشمل حتى الجوانب الفنية، فمع توقف عمليات التصوير في العديد من البلدان العربية للحد من انتشار الفيروس، يخشى البعض افتقادهم للأعمال الفنية والدرامية سواء الدينية منها  أو ذات البعد الاجتماعي والهزلي. ومع غلق المساجد ومنع صلاوات التراويح يعتقد هؤلاء أنهم سيكونون محاصرين من كل الجوانب.

البعض لا يتخيل شهرا رمضانيا مكتمل الطقوس دون أن تمتلئ شاشات مختلف المحطات التلفزيونية العربية بعشرات المسلسلات الدينية والتاريخية، والفكاهية أيضا، فما أحوج الناس هذه الأيام لشيء من الكوميديا والمرح، خاصة وأنهم صنعوا من جائحة كورونا مادة حية على مواقع التواصل الإجتماعي من نكت وتعليقات وفيديوهات وتغريدات وومضات إشهارية..لكن يبدو أن العمل الدرامي الوحيد الذي سيشغل الناس في كل بقاع الأرض خلال رمضان،  والذي سينال حتما أعلى نسبة مشاهدة ومتابعة، هو مسلسل كورونا المتجدد، الذي نتمنى أن تبث حلقته الأخيرة خلال هذا الشهر الكريم.