من بين الأسئلة التي ناقشها مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم “وايز” الذ عقد في الدوحة هذا الأسبوع: هل يجب أن تُعلم المدارس الطلاب كيف يكونون سعداء؟ هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على دور المعلمين؟ وما هو شكل التعليم الذي يستشرف المستقبل؟وهل يمكن لأحدث الاكتشافات في علم الأعصاب أن يجعل أطفالنا أكثر ذكاء؟ هل يهتم الطلاب بما يتعلمونه؟ هل يجب أن تتخلص المدارس من أنظمة التقييم بالدرجات؟

 

خلال أزيد من 150 جلسة عمل حاول ثلاثة آلاف خبير دولي ومتخصص في التعليم ونخبة من قادة الفكر من 110 بلدا اقتراح الحلول التي ترسم مستقبل التعليم في قطر والعالم، وتحديد السلوكيات والمهارات والسمات التي ينبغي تعلمها وإعادة اكتسابها مجددا، بما يفضي إلى دمج مقاربة التعلم الشمولي، وفهم طبيعة عمل عقولنا وكيف نتعلم، والمواطنة العالمية لأجل التنمية المستدامة، والاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق نتائج تعليمية إيجابية.

كما طغت على هذه النقاشات قضايا ملحة من قبيل الاتجاهات الحالية التي تواجه التعليم ابتداء من مناقشة كيفية إعادة تعلم المهارات الوجدانية والنفسية، وتبادل الآراء بشأن ما إذا كان ينبغي تعليم الرفاهة في المدارس، وهل يجب أن تتخلص المدارس من بعض الأنظمة التعليمية البالية؟ وهل يجب على الطلاب التعهد بتخصيص نسبة مئوية من رواتبهم المستقبلية لتمويل تعليمهم العالي؟

..استراتيجية جديدة لـ “علم طفلاً”

 ويعكس مؤتمر وايز -وهو إحدى مبادرات مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع- التزام قطر بمعالجة قضايا التعليم الملحة، ومن بينها مواكبة التحولات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، ونشر التجارب والممارسات العالمية الناجحة في التعليم التي تستجيب للتحديات اليوم وفي المستقبل.

وفي افتتاح المؤتمر الذي شهدته رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، ورئيس جمهورية أرمينيا أرمين سركسيان برزت تصورات تركز على ضرورة ربط الابتكار بالمسارات التعليمية، وإعادة تعلم المهارات التي تمكن مجتمعات اليوم من النهوض بمجال التعليم، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم، وتطوير البرامج البحثية التي تقفر على التحديات التي يطرحها وتجيب عن الأسئلة المفترضة.

وأعلنت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعليم فوق الجميع اليوم، عن استراتيجية جديدة ومبتكرة لبرنامج “علم طفلاً” تهدف إلى الحد من أعداد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وجاء ذلك خلال جلسة للمؤسسة أقيمت ضمن فعاليات المؤتمر.وتحدثت عن هذه الاستراتيجية في كلمتها قائلة: “لا يزال في العالمِ أكثرَ من 59 مليوناً في سنِّ التعليمِ الابتدائي خارج َالمدارس. وفي الواقع أن الرقمَ الحقيقي يتعدى هذا الرقم بكثير،لأنّ هناك أعداداً كثيرة لم تُرصد بسبب تخلّفِ آلياتِ الإحصاء. وغالبيتُهم في أماكن يصعُبُ الوصولُ إليها.”

وأضافت: “بادرت مؤسسةُ التعليم فوق الجميع باستراتيجيةٍ جديدةٍ، للتطبيق في عدّةِ بلدان بهدفِ جعْـلِ نسبةِ الأطفالِ غير الملتحقين بالمدارسِ صفراً. وبهذا نثبتُ أنّ لا شيءَ مستحيلٌ إذا ما قرّرنا جميعاً اعتبارَ التعليمِ، فعلاً، فوق الجميع.”

وفي إطار ابتكار الحلول، تحدثت صاحبة السمو عن نماذج المدارس المتنقلة التي نفذت بالشراكة مع المهندسة العالمية الراحلة زها حديد، وقالت في هذا السياق: “أتذكّر حماسَها عندما سألتُها عمّا إذا كان بوسْعِ الهندسةِ المعماريّة أن تقّدمَ حلاً تعليمياً بديلاً عن الخيامِ أو المباني الخشبية، وقد توافقَ اقتراحي مع رغبتها في تقديم شيء مفيد لأطفال العالم، فعملتْ منذ ذلك الحين على تطوير الفكرة وإخراجها بشكلها النهائي كما ستشاهدونها في معرض وايز، ولكنها رحلتْ رحمها الله قبل أن تراه معنا اليوم.”

تغير مسلمات التعليم وروبوتات بدل المعلمين

في كلمته، أشار وزير التعليم والتعليم العالي في قطر محمد الحمادي ما يراه رسالة مفادها أن التعليم ليس مسؤولية مؤسسة أو جهة بعينها، وإنما هو مسؤولية مشتركة لها تأثير على الحاضر والمستقبل. وقال أن النقاش بشأن التعليم ظل دوما يركز بشكل تلقائي على ما يجب تعليمه إلا أنه في الآونة الأخيرة استأثرت قضايا التعلم بالساحة التربوية، وبرزت طروحات حول ما إذا بات لزاما أن يعاد النظر في بعض المسلمات حول طرق التعلم، وأساليبه ومخرجاته، وذلك حرصا على عدم تجاهل المواهب.

وألمح فيه رئيس جمهورية أرمينيا أرمين سركسيان في كلمته إلى دور الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية مستقبلا أشار في الوقت نفسه إلى دور المعلمين الرئيسي في اكتشاف المواهب، وهنا تكمن رسالة المعلمين في تعزيزها وتنميتها، مذكرا بأن التعليم ليس متاحا للجميع، وأنه ليس بإمكان الجميع الوصول إلى الامتيازات التعليمية نفسها، حيث إن هناك العديد من المحرومين من أحد حقوقهم الأساسية.

وطرح المشاركون في المؤتمر أسئلة كثيرة بشأن التعليم، حيث من المتوقع أن تنتقل الفصول الدراسية قريبا في بعض الدول من الإطار التقليدي للتعلم إلى استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي المصمم حسب الحاجة، وستستفيد نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة من الروبوتات التي تتسم بالاستمرارية والمرونة، الأمر الذي أرعب المدرسين وأثر على توقعاتهم للمستقبل. فيما عبرت وزيرة التربية الفرنسية سابقا نجاة فالو بلقاسم عن تطلعها لمستقبل تعليمي يشمل الجميع في العالم، داعية إلى ضرورة تحديث المنظومات التربوية بما يساير الثورة التكنولوجية التي نعيشها، وبحث كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي خدمة للعملية التعليمية والتربوية، واستغلاله لتحقيق المزيد من الكفاءة لرفع جودة التعليم.

28 مليون دولار 150 مشروعا و245 مليون مستفيد

واحتفي مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم هذه السنة بالمشروعات البحثية الستة الفائزة بجوائز “وايز 2019” التي تم اختيارها من بين 481 مشروعا تقدمت للمنافسة، وكذلك المشروعات التي حازت على مركز الوصافة، وذلك تقديرا وتشجيعا للمبادرات التعليمية المبتكرة في جميع أنحاء العالم.

وسلمت الشيخة موزا بنت ناصر،خلال المؤتمر، جائزة “وايز للتعليم 2019” لصاحب مبادرة “هاي تك” لاري روزنستوك، وذلك لمساهماته في الارتقاء بجودة التعليم بنموذج التعلم الابتكاري الذي يساعد الطلاب على النجاح رغم خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية المتباينة. وقد تم إطلاق هذه الجائزة عام 2011 بمبادرة من الشيخة موزا بنت ناصر، وتعد أول وسام شرف من هذا النوع يحتفي بالإنجاز الفردي أو الجماعي لمن قدموا إسهامات عالمية متميزة في مجال التعليم، وتهدف إلى رفع مستوى الوعي العالمي بالدور المحوري الذي يضطلع به التعليم في كافة المجتمعات، وإنشاء منصة للحلول المبتكرة والعملية التي تساعد في التغلب على بعض التحديات التي تعترض تطويره.

وخلال الأعوام العشرة الماضية تمكنت الشركات الناشئة والمبادرات المدعومة من وايز من الحصول على دعم يقدر بما يزيد على 28 مليون دولار، بالإضافة إلى ذلك قدم وايز دعما لـ150 مشروعا وشركة ناشئة، واستفاد من مخرجات القمم السابقة أكثر من 245 مليون مستفيد.

مهرجان للتعلم بالممارسة العملية والتجربة

وقبل بداية مؤتمر “وايز” الذي دام يومين، أسدل الستار عن مهرجان أيام الدوحة للتعلم، وهو أول مهرجان في قطر للتعلم بالممارسة العملية والتجربة المباشرة، حيث استقطب من 14 إلى 19 نوفمبر المئات من أفراد المجتمع من مختلف أطياف المجتمع من طلاب ومدرسين ومعلمين وفنانين وموسيقيين ومدربين ومتخصصين في التعليم ورواد أعمال وغيرهم ممن احتفوا بقيمة التعلم وفضيلة الاستزادة من المعرفة.

وكان المهرجان الذي نظمه مؤتمر “وايز”، وهو إحدى مبادرات مؤسسة قطر، قد افتتح أنشطته بحملة “قطر تقرأ” وفرقة “أكتوري” وأكاديمية قطر للموسيقى. وتناولت قصة هذا العمل المبدع، وهي من إعداد مبادرة “قطر تقرأ”، أوجه التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافة المحلية والتكنولوجيا المعاصرة.

وتضمن المهرجان الذي استمر 6 أيام باقة حافلة من الفعاليات والجلسات والأنشطة التي تضافرت جهود أكثر من 50 جهة وشريك محلي ودولي في تنظيمها وإعدادها. وركزت هذه الأنشطة التي احتفت بالتجريب المباشر والممارسة العملية على مجالات العلوم والتكنولوجيا واللياقة والصحة والاستدامة والتمكين وذوي الإعاقة وتيسير الوصول للمعلومات، وقد حفلت بالعديد من الورش والجلسات التي أدارها ممارسون محترفون وخبراء من المشاركين في جلسات مؤتمر “وايز“.

وجاء تركيز المهرجان على التعلم المبتكر بالممارسة والتجريب للقدرات والمهارات المختلفة في إطار سعيه لأن يكون مُحفزًا للتعليم المرتكز على القيم الإنسانية، وتفكيك إطارات التعلم الحالية، وعملية إعادة التعلم الضرورية لازدهار المجتمعات.