قال تعالى { ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قواريرا من فضة قدروها تقديرا * ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا * عينا فيها تسمى سلسبيلا *ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا * وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا } [اﻹنسان: 15 – 20]

إنه البيان الآسر للألباب في دقائق تعبيره، وفي لطائف تصويره..

فقدم ذكر ما يُطافُ به من صنوف النعم، ثم ثنى بذكر الطائفين بها ومن يقومون بتقديمها، فلا خدم ولا حشم إلا إذا وجدت النعم التي يقومون بتقديمها.

وعند ذكر الطائفين، وصفهم بوصفين بديعين، منثور ومكنون، فقال في محكم التنزيل :

{ وَیَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰ⁠نࣱ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا } [الإنسان: 19].

{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ ‌لُؤْلُؤٌ ‌مَكْنُونٌ }[الطور 24]

أما الولدان فمنتشرون لعموم الخدمة، يراهم الجميع فشابه حالهم اللؤلؤ المنثور في جمال الهيئة والانتشار ..

وأما الغلمان فهم لخصوص الخدمة (لهم) مع ميزة الإدراك، والاستتار؛ فناسبهم الوصف باللؤلؤ المكنون المستتر عن الأنظار،  زد على ذلك ( كأن) الدالة على تمام الشبه من كل وجه وحال..

وهنا يسبح الخيال في تصور المخدومين ومكانتهم إذ كان هذا وصف نعيمهم وخدمهم. وهنا يتسع البيان ليفتح الأفق الواسع للخيال، بوصف بديع تحشد له ألفاظ اللغة كل قدراتها البيانية، بكل ما تستطيعه من إمكانات التعبير 

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ ‌نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا } [الإنسان: 20].