المقدمة: “فتنة” على بُعد نقرة زر

في عصر أصبحت فيه الحاجة إلى “إنترنت حلال” ضرورة ملحة، تحول الفضاء الرقمي إلى “ساحة معركة أخلاقية”، كما يصفه نظام الدين، أحد مؤسسي مشروع “كهف”. الأرقام وحدها كافية لقرع جرس الإنذار: متوسط عمر أول تعرض للطفل للمحتوى الإباحي انخفض إلى 7 أو 8 سنوات، كما أن 73% من المراهقين (بين 13 و 17 عاماً) اعترفوا بمشاهدة هذا المحتوى.

هذه ليست مجرد إحصائيات، بل هي واقع شهده المؤسسون من الداخل.

قضى عمر الزبير، المؤسس المشارك والمدير التقني للمشروع، 4 سنوات في شركة “ميتا” (فيسبوك سابقاً) ضمن “فريق الأضرار بالغة الخطورة”. يصف عمر ما رآه بأنه “أسوأ ما يمكن أن يفعله البشر عبر الإنترنت”، ويذكر أمثلة صادمة مثل “محادثات جنسية بين بالغين وأطفال”، و “تنمر ومضايقات متفشية”، و “عمليات احتيال عاطفي تدمر حياة الناس”.

الخطر الذي يراه المؤسسون مزدوج:

  • خطر الشهوات (الفتنة): المتمثل في الإباحية، القمار، والمحتوى الهابط.
  • خطر الشبهات (الفساد الفكري): المتمثل في المحتوى الموجه “لإبعاد الأجيال الجديدة عن الإسلام”.

لهذا رأى المؤسسون حاجة ملحة لحل جذري: بناء إنترنت حلال وآمن.

تظهر الصورة مجموعة من الهواتف الذكية تعرض تطبيق "كاهف" الذي يهدف إلى توحيد الأمة الإسلامية. يتضمن التطبيق ميزات متعددة مثل التعليم والتواصل والدعم الرقمي، مع خلفية جذابة تمثل التصميم الإسلامي.
مشروع كهف إنترنت حلال للمسلمين

من “ميتا” إلى “الصدقة الجارية”

لهذه الأسباب، قرر فريق من المهندسين المسلمين، بخبرات سابقة في شركات مثل “ميتا”، “تيسكو”، و “بريتيش تيليكوم”، أن ينتقلوا من “رصد الضرر” إلى “صناعة الحل”.

بالنسبة للمؤسس المشارك “نظام الدين”، المشروع هو “عبادة” بحد ذاته. لقد رأى دائماً ريادة الأعمال كوسيلة “لحل مشاكل المجتمع”، وأراد أن يكون عمله “صدقة جارية”. جاءته “الصحوة” الحقيقية، كما يصفها، خلال رحلة إلى اليابان عام 2015، حيث أدرك “الفرق الهائل بين الحلال والحرام” والفتنة التي نتعرض لها يومياً، فقرر “مساعدة الأمة”.

أما عمر الزبير، فكانت تجربته في “ميتا” بالإضافة إلى “تربية ثلاثة أطفال في المملكة المتحدة”، كافية ليرى “حجم الحرام الذي نتعرض له” بشكل مباشر. لم يكن الهدف مجرد “حجب الضرر”، بل بناء “عالم موازٍ حلال ومتكامل”.

صورة تعرض مؤسسي شركة كاهف، نizam Uddin، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي، وعمر الزبير، المؤسس المشارك والمدير التقني السابق في ميتا. تظهر الصور وجوههم مع نصوص توضح ألقابهم.
مشروع كهف “إنترنت حلال”

“كهف” لبناء إنترنت حلال

اسم المشروع يحمل رسالته. فكما أوضح الدكتور عبد المحسن المطيري (في تعليقه على المشروع)، فإن تسميته “كهف” مستوحاة من “سورة الكهف”، لأن الهدف هو توفير “حماية للمسلم من الفتن”، تماماً كما كان الكهف ملجأً للفتية.

“كهف” ليس تطبيقاً واحداً، بل “نظام بيئي متكامل” (Ecosystem) لبناء إنترنت حلال يوفر بديلاً آمناً لكل جانب من جوانب الحياة الرقمية:

  • حارس كهف (Kahf Guard): هو خط الدفاع الأول. يقوم بحجب أكثر من 5.5 مليون موقع ضار (إباحية، قمار)، بالإضافة إلى البرمجيات الخبيثة، وأخطرها: “المواقع المعادية للإسلام”. هذا الحارس يصد حالياً ملياري طلب زيارة لمواقع ضارة شهرياً.
  • متصفح كهف (Kahf Browser): بديل لـ “كروم” و “سفاري”. أهم ما يميزه هو تقنية الذكاء الاصطناعي “النظرة الآمنة” (Safe Gaze)، التي تتعرف على الصور غير المحتشمة وتقوم “بتغبيشها” (طمسها) تلقائياً.
  • أطفال كهف (Kahf Kids): بديل آمن ليوتيوب، يضم أكثر من 16,000 مقطع فيديو آمن تم اختياره ومراجعته يدوياً، مع ألعاب غير مسببة للإدمان ورقابة أبوية كاملة.
  • محفل (Mahfil): منصة إعلامية للمحتوى الإسلامي، “خالية من الإعلانات الحرام والمحتوى الحرام”.
  • حكمة (Hikmah): “شبكة اجتماعية مبنية على القيم”، مخصصة للمؤلفين والخبراء والدعاة لمشاركة المحتوى وبيع الكتب والدورات.
  • ذهب كهف (Kahf Gold): محفظة مالية رقمية (قادمة)، تتيح “الاستثمار والإنفاق بالذهب”، لحفظ الأصول بطريقة متوافقة مع الشريعة.
تظهر الصورة ثلاث شرائح معلوماتية حول مخاطر الإنترنت. الشريحة الأولى تشير إلى أن 81% من الطلاب تعرضوا للإنترنت قبل سن 16. الشريحة الثانية تعرض متوسط عمر أول تعرض للإنترنت وهو 12.7 سنة. الشريحة الثالثة توضح أن 59% من الأطفال تعرضوا للإساءة الإلكترونية.
إنترنت حلال لحماية الأسرة المسلمة

“طيف الكهف”: استلهام من دروس السورة

الفلسفة الأجمل في المشروع هي “طيف الكهف” (Kahf Spectrum)، حيث يربط المؤسسون كل منتج بدرس من “الدروس الأربعة لسورة الكهف”:

  1. فتنة الدين (الإيمان): يحميها “محفل” و “حكمة”.
  2. فتنة المال (الثروة): يحميها “ذهب كهف” و “إعلانات كهف” (للدخل الحلال).
  3. فتنة العلم (المعرفة): يحميها “أطفال كهف” و “متصفح كهف”.
  4. فتنة السُلطة (القوة): يحميها “حارس كهف” و “إنترنت كهف”.

الأرقام والضمانات الشرعية

لضمان التوافق مع الشريعة، يؤكد المشروع أنه يحتفظ “بفريق إفتاء داخلي متفرغ” ويستشير علماء من الخارج.

المشروع ليس مجرد فكرة، بل هو واقع قائم. اعتباراً من الربع الثاني لعام 2025، حقق “كهف”:

  • أكثر من 8 ملايين عملية تثبيت.
  • 2 مليون مستخدم نشط شهرياً.
  • أكثر من 100 ألف مراجعة (5 نجوم).
  • أكثر من 100 مليون إعلان أخلاقي يُعرض شهرياً.
  • بدأ المشروع في تحقيق الإيرادات بالفعل.

يتم تمويل المشروع حالياً عبر تمويل أولي بقيمة 900 ألف دولار من أكثر من 50 مستثمراً ملائكياً من شركات مثل “أمازون”، “باي بال”، و “فيزا”.

مخطط يوضح بيانات الأداء والشفافية للربع الثاني من عام 2025، مع تفاصيل حول الإعلانات الأخلاقية المقدمة، عدد التثبيتات، المستخدمين النشطين شهريًا، والمراجعات ذات الخمس نجوم. يشمل المخطط معلومات رقمية تتعلق بالنجاح والنمو في الاستخدام.

خاتمة: “نحن حركة.. ولسنا مجرد شركة”

يؤكد عمر الزبير أن هدفهم أكبر من مجرد الربح: “نحن لسنا مجرد عمل تجاري، بل نحن حركة (Movement)”.

هدفهم هو تحقيق الآية التي يضعونها كشعار لمهمتهم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”. وهي دعوة مفتوحة للأمة، كما يقول نظام الدين: “نحن بحاجة لدعمكم، تبنيكم، وآرائكم، ودعواتكم… لنستعيد الإنترنت لخدمة ما هو أهم: تقوية علاقتنا مع الله، ضمن إنترنت حلال وآمن.”.