حجر إسماعيل بناء مستدير على شكل نصف دائرة، أحد طرفيه محاذٍ للركن الشمالي، والآخر محاذٍ للركن الغربي، ويقع شمال الكعبة المعظمة، ويبلغ ارتفاعه عن الأرض 1.30 متر. وسُمِّي بحجر إسماعيل؛ لأن إسماعيل عليه السلام قد اتخذ إلى جوار الكعبة حجرًا، وهو عريش من أراك، وهي الشجرة التي يتخذ منها السواك، وقيل سُمِّي بذلك؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم -عليه السلام-، وحجرت على الموضع ليعلم أنه من الكعبة. وقد عرف حجر إسماعيل بعد ذلك باسم الحطيم، وقد سُمِّي بذلك؛ لأن البيت رفع وترك وهو محطوط، وقيل لأن العرب كانت تطرح فيه ما طاقت فيه من الثياب، فيبقى حتى يتحطم من طول الزمان وقيل سُمّي بالحطيم؛ لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان.
أحاديث وآثار حول حجر إسماعيل
وقد ورد في فضل حجر إسماعيل أحاديث وآثار كثيرة، منها:
عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “ما أبالي صليتُ في الحجر أو في الكعبة”. (1) أي أن الحجر جزء من داخل البيت، ومن صلَّى فيه فكأنما صلى في الكعبة.وعن ابن أبي علقمة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كنتُ أحب أن أدخل فأصلي فيه، فأخذ رسول الله -ﷺ- بيدي فأدخلني الحجر، فقال لي: صلِّي في الحجر إذا أردتِ دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت. (2)
وعن المبارك بن حسان الأنماطي قال : رأيتُ عمر بن عبد العزيز في الحجر فسمعتُه يقول شكا إسماعيل -عليه السلام- إلى ربه حرَّ مكة، فأوحى الله إليه “إني أفتح لك بابًا من الجنة يجري عليك منه الرُّوح إلى يوم القيامة”، وفي ذلك الموضع تُوفّي، قال خالد: فيرون أن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي فيه قبره. (3)
كما روي عن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: حفر ابن الزبير الحجر، فوجد فيه سفطًا من حجارة خضر؛ فسأل قريشًا عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علمًا، قال: فأرسل إلى عبد الله بن صفوان فسأله فقال: هذا قبر إسماعيل -عليه السلام- فلا تحركه قال: فتركه. (4)
عن محمد بن سوقة قال: كنا جلوسًا مع سعيد بن جبير في ظل الكعبة فقال: أنتم الآن في أكرم ظل على وجه الأرض.(5).
وعن عمرو بن دينار عن رجل من أصحاب النبي -ﷺ- ألا يحلف بين المقام والبيت في الشيء اليسير أخاف أن يتهاون الناس به.(6)
وعن عكرمة بن خالد قال: رأى عبد الرحمن بن عوف جماعة عند المقام فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يستحلف، قال: أفي دم؟ قالوا: لا، قال أفي مال عظيم؟ (7)
ويبدو من القراءة التاريخية أن الحجر كان محل اهتمام من الملوك والأمراء، على مر العصور ؛ فلقد كانت الحجر حجارته بادية، و أبو جعفر المنصور يحج فرآها، فقال: لا أصبحن حتى يُستَر جدار الحجر بالرخام، فدعا بالعمال فعملوه على السرج قبل أن يصبح، وجدد رخامه المهدي، وكان تبطين البلاط بالرخام عام 161هـ، وكان رخامًا أبيض وأخضر وأحمر وكان مداخلاً بعضه في بعض أحسن من هذا العمل، ثم لما تكسر جدده أبو العباس عبد الله بن داود بن عيسى وهو أمير مكة سنة إحدى وأربعين ومائتين، ثم جدَّد بعد ذلك سنة ثلاث وثمانين ومائتين في خلافة المتوكل.
وقام بتجديده وعمّره الناصر العباسي سنة 576هـ، والمستنصر العباسي سنة 631هـ، والملك المظفر صاحب اليمن سنة 659هـ، والملك محمد بن قلاوون سنة 720هـ، والملك علي بن الأشرف شعبان سنة 781هـ، والملك الظاهر برقوق سنة 801هـ، ثم جرت إصلاحات مختلفة فيه سنة 822هـ، وعمّره الملك قانصوة الغوري (916هـ)، والسلطان قايتباي سنة 888هـ، والسلطان عبد المجيد خان 1260هـ. من المعلوم تاريخيًّا أنه لم تجرِ عادة بوضع كسوة على الحجر، غير أنه في عام (852)هـ وصلت كسوة إلى الحجر مع كسوة الكعبة من مصر؛ فوُضِعت في جوف الكعبة، ثم كُسي بها الحجر من الداخل في السنة التالية.
الجلوس في حجر إسماعيل
روى ابن جريج أنه كان يجلس مع ابن عباس في الحجر، وكان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس معه عليه أحد، ولم ينل شرف الجلوس عليه إلا النبي -ﷺ- وهو غلام؛ فقد دخل الحجر وأراد الجلوس عليه، ولكن القوم منعوه من الجلوس عليه، فقال عبد المطلب، دعوا ابني فإنه يحس بشرف، أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -ﷺ-: “لو كان عندي سعة قدمت في البيت من الحجر أذرعًا، وفتحت له بابًا آخر يخرج الناس منه”(8).
وسألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله ﷺ عن الحجر أمن البيت هو ؟ قال: نعم . قالت: ما لهم لم يدخلوه في البيت . قال: إن قومك قصرت بهم النفقة . فقلت: ما شأن بابه مرتفع ؟ قال: فعل قومك ليدخلوا من شاءوا ، ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية ؛ فأخاف أن تنكر قلوبهم ذلك ، لنظرت أن أدخل الحجر في البيت ، وأن ألزق بابه بالأرض. (أخرجه البخاري ومسلم).
(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه ( بَابُ الْحِجْرِ وَبَعْضُهُ مِنَ الْكَعْبَةِ برقم 8889 ) والأزرقي في أخبار مكة ( ذِكْرُ الْحَجَرِ برقم 360 ) وابن أبي شيبة في مصنفه ( الصَّلَاةُ فِي الْحِجْرِ وَمَا جَاءَ فِيهِ برقم 8397 ) وأبو يعلى الموصلي في مسنده ( مُسْنَدُ عَائِشَةَ برقم 4250 ) والطحاوي في شرح معاني الآثار ( بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ برقم 1482 ) ومالك في الموطأ ( بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ برقم 816 ).
(2) حديث صحيح أخرجه أبو داود دون قوله: "صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت" فإنما هو قطعة من البيت" فحسن لغيره، وهذا إسناد محتمل للتحسين، أم علقمة بن أبي علقمة - وهي مرجانة المدنية - تفرد بالرواية عنها ابنها، ولم يؤثر توثيقها عن غير ابن حبان، وقد ذكرها الذهبي في المجهولات من "الميزان"، وقال الحافظ في "التقريب": مقبولة. وبقية رجاله ثقات.القعنبي: هو عبد الله بن مسلمة.وأخرجه الترمذي (891) , والنسائي في "الكبرى" (3881) من طريق عبد العزيز، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.وأخرجه بنحوه البخاري (1583) و (3368) و (4484)، ومسلم (1333) من طريق عبد الله بن عمر، والبخارى (1584) و (7243)، وابن ماجه (2955) من طريق الأسود بن يزيد، والبخاري (1585) و (1586)، ومسلم (1333) من طريق عروة، والنسائي في "الكبرى" (3880) و (9190) من طريق صفية بنت شيبة، أربعتهم عن عائشة. وأقتصر جميعهم دون صفية على قطحة إخراج الحجر من البيت، وأما صفية فاقتصرت في روايتها على أن الحجر من البيت.وهو في "مسند أحمد" (24616)، و"صحيح ابن حبان" (3815) و (3816).
(3) أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي المعروف بالأزرقي (ت ٢٥٠هـ)، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة الأسدي، الطبعة الأولى 1424 - 2004
(4) المصدر السابق.
(5) أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي المكي (من علماء القرن الثالث الهجري)، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، دار خضر - بيروت، الطبعة الثانية،1414 هـ - 1994 م.
(6) حديث لا بأس به (انظر العتيق مصنف جامع لفتاوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، جمع وتصنيف: محمد بن مبارك حكيمي).
(7) حديث مرسل، (انظر العتيق مصنف جامع لفتاوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، جمع وتصنيف: محمد بن مبارك حكيمي).
(8) أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي المعروف بالأزرقي (ت ٢٥٠هـ)، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة الأسدي، الطبعة الأولى 1424 - 2004