تغيير قواعد اللعب بأفكار ذكية هي التي تجعل أناسا ناجحين للغاية مثل “ستيف جوبز”، المدير التنفيذي في شركة أبل لصناعة الحواسب، إذ يحلق بالشركة منذ فترة من أفق إلى آخر أعلى، ويشهد له القاصي والداني بقدرته الفائقة على الإدارة والابتكار والإبداع.. ترى ما السر في إبداعه ونجاحه هو وأمثاله؟ سؤال طالما حير الكثيرين، والآن باحثون من عدة جامعات يقولون بأن لديهم الإجابة عليه، وبأنهم وضعوا أيديهم على أسرار الإبداع الخمسة التي تجعل منك مبدعا عظيما.
فمن كلية الأعمال بجامعات هارفارد وإنسياد وبريام يونج أكمل أساتذة دراسة استمرت لست سنوات شملت أشخاصا مشهودا لهم بالكفاءة في الشركات والمؤسسات الكبرى، وبعضا من المستقلين الذين يعملون أحرارا، بلغوا 3000 تنفيذي و500 من منظمي الأعمال المبدعين، وخلال البحث تم عمل مقابلات مع هؤلاء، وبينهم أسماء بارزة ولامعة في مجال التقنية والمعلومات مثل “مايكل ديل” مؤسس شركة ديل لصناعة الحواسب التي تربعت لفترات طويلة على عرش الصناعة، و”جيف بيوز” مؤسس مكتبة أمازون الرقمية الرائدة في ذلك المجال.
وفي مقال نشرته مطبوعة تتبع كلية الأعمال في هارفارد واسمها (هارفارد بيزنس ريفيو) بعدد ديسمبر 2009 قال الباحثون إنهم تعرفوا على خمس مهارات، هي التي تفصل المبدعين الذين يحلقون في السماء عن الباقين، وقام الباحثون بعنونة هذه الأسرار كالتالي: الربط – السؤال – الملاحظة – التجربة – الاتصال.
أحد الرجال الذين يقفون خلف هذه الدراسة وهو أستاذ في إنسياد اسمه “هال جريجرسن” قال لشبكة “سي إن إن” الأمريكية: “مما يتمتع به هؤلاء المبدعون ويشتركون فيه جميعا قدرتهم على وضع المعلومات والأفكار معا في مجموعات فريدة غالبا، لم يصل أحد سواهم إلى جمعها على هذا النحو من قبل”.
وقد أسمى الباحثون هذه القدرة على غزل الأفكار بالربط، ويعدونها قدرة أساسية ومفتاحية للتفكير خارج الأطر المعروفة، بيد أن الباحثين أضافوا: “السر الكامن في طريقة تفكير المبدعين العظام هو أسلوب تصرفهم”.
“إنهم يتصرفون على نحو يمكن تسميته المراقبة الفعالة، مثل علماء الأجناس وهم يتكلمون بشكل لا يصدق مع الناس برؤى مختلفة ينظرون بها للعالم تتحدى الفرضيات السائدة”.
“وبالنسبة لهم كل شيء يمكن تجربته، فعلى سبيل المثال إذا ما مشى واحد منهم في متجر لبيع الكتب واعتاد أن يقرأ في التاريخ، فقد يجرب أن يقرأ في علم النفس، فكل هذه السلوكيات تعزز بقوة أن نسأل أسئلة مستفزة جريئة فيها تحد لمسلمات العالم حولهم”.
ولأن لهم قدرة على التفكير بصورة مختلفة، فهم يتصرفون أيضا بشكل مختلف، ولذا بإمكان كل شخص أن يكون مبدعا كبيرا، وما عليه إلا أن يتصرف على النحو السابق.
خمسة مفاتيح للإبداع
المهارات الخمس التي يقول الباحثون إنها وقود الابتكار هي:
الربط: أي القدرة على الربط بين أشياء تبدو غير ذات علاقة أو صلة كأسئلة أو مشاكل أو أفكار من مجالات مختلفة.
السؤال: المبدعون دائما يسألون أسئلة تتحدى الحكمة المأثورة أو الأفكار السائدة، فهم دائما يسألون لماذا؟ ولم لا؟ وماذا لو؟
الملاحظة: التنفيذيون الذين يحركهم دافع الاكتشاف يميلون دائما إلى تمحيص واستجلاء الظواهر العامة، لاسيما سلوك عملائهم وزبائنهم المحتملين.
التجربة: غالبا ما يلجأ المبدعون أو أصحاب المشاريع المبتكرة إلى تجربة الأفكار الجديدة، وعمل نماذج أولية تجرى عليها التجارب، وإطلاق هذه النماذج للتقييم من قبل الغير حتى يتسنى لهم الوقوف على نقاط الضعف والقوة، ومن ثم يمكنهم التحسين والتجويد.
الاتصال: المبدعون دائما لا يترددون في الاتصال وتوسيع شبكة علاقاتهم مع الناس مهما كانت رؤاهم أو اختلفت وجهات نظرهم في الشئون العامة أو الخاصة.
العلم بالتعلم
يقول جريجرسن: “النتائج أظهرت أن 80% من القدرة على الخلق والإبداع يأتي بالتعلم والاكتساب.. لقد وجدنا أن هذا شيء يشبه التمرين والتدريب على تقوية العضلات.. فإذا ما بدأت في ممارسة تلك الأسرار فإنك تبني وتنمي وتطور مهاراتك” بعبارة أخرى: الإبداع ليس سمة متأصلة فحسب، وإنما يمكن أن يكون محصلة لمجموعة من المهارات التي يمكن للناس أن يتعلموها.
ولتحسين مهارات السؤال فإن جريجرسن يوصي بتحديد مشكلة ما، ولا يتم تدوين أي شيء عنها سوى كتابة أسئلة لمدة عشر دقائق يوميا لمدة 30 يوما، إذ خلال هذه الفترة الزمنية سوف تتغير الأسئلة، وبالتالي تتغير المناظير والرؤى وأساليب التعاطي معها وطريقة فهمها.
أما لتقوية مهارات الملاحظة لديك فاختر نوعا من الأعمال وما يتصل به من موردين وعملاء أو زبائن، وأمض يوما أو اثنين في مراقبة وملاحظة الكيفية التي تجري بها الأمور، وبذا سوف تتحسن قدرتك على فهم الطريقة التي تتم بها معالجة الأشياء أو تتمكن من فهم أفضل للمسائل.
إن البيانات التي تم استخلاصها من الدراسة أظهرت أن أولئك الذين تربطهم علاقات متشعبة وعلى وجه أكبر من التنوع، يسمعون معلومات شتى مداها متسع مما يجعل آفاق التفكير أرحب، واتخاذ القرار لديهم أصوب.
وهم لديهم قدرة على وضع كل ما يسمعون في بوتقة واحدة وإذابته للخروج بخلاصات مفيدة، إنهم يضعون شيئا يسمعونه في مؤتمر منذ أسبوع مضى مثلا مع موجز الأنباء للغد ويكونون أفكارا أفضل.
أما اتساع دوائر تواصلهم فالهدف هنا ليس التعارف على كثير من الناس، بل الوقوف على أنماط متعددة منهم والتعرف على خلفيات شديدة التنوع لأناس يعملون لحساب شركات مختلفة في مختلف الصناعات، ولديهم مهارات مختلفة والتعامل مع القضايا المختلفة، بحيث يكون المرء عرضة للأفكار المتنوعة، فيمنحهم ذلك قدرة ومهارة في اتخاذ القرار واستشراف المستقبل واستهداف الأسواق والتنبؤ باتجاهاتها ومعرفة مطالب العملاء واحتياجات الزبائن… إلخ.
فإذا كنت تهدف لاكتساب تلك المهارة فهناك توصية بتخصيص 30 دقيقة في الأسبوع لإجراء محادثات مع أشخاص عدة، تربطك بهم روابط أو لست حتى مرتبطا بهم، إذ يمكنك مثلا الاتصال بشخص تعرفت عليه عرضا في مؤتمر مضى عليه أكثر من 6 أشهر.
هذا يعني في نهاية العام أنك أجريت 52 محادثة على مدار 26 ساعة، هب أن 10 لم تستفد منها بشيء، ولكن اثنين وأربعين فقط جعلاك تصنع شيئا جديدا مبتكرا عبقريا لوذعيا.. المغنم في هذه الحالة كبير.
هشام محمد