كيف تصادق الأم ابنتها وهي في السادسة من العمر؟ كيف تجعلها صريحة معها؟وكيف تتوطد العلاقة بينهما كصديقين وليس كأم وابنتها؟ كيف توجهها دون أن تشعرها بالكبت أو الإحساس بالظلم؟ كيف يمكن للأم أن لا تكون عقبة في طريق تحقيق “آمال” ابنتها الطفولية؟ متى توافقها ومتى تنهيها من دون أن تجعلها تطيعها رياء أو خوفا؟ والأبعد من هذا، كيف يمكن إدارة بنك الأحاسيس بين الآباء والأبناء من خلال ضخ إيداعات عظيمة تحقق في الأخير العلاقة المرجوة بين الوالدين وأبنائهم؟

من أهم مسائل التربية توطيد العلاقة بين الابن ووالديه، فهذه القضية هي من أهم القضايا التربوية التي يجب الالتفات إليها، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لأنها تفتح الطريق أمام تسوية المشاكل الأخرى التي تأتي فيما بعد، وذلك لأنها حجر الأساس للعملية التربوية. وحتى تنجح وتتطور هذه العملية يجب أن يكون هناك حسن وإجادة في تدبير وتنظيم بنك الأحاسيس بين الآباء والأبناء.

كم هو رائع أن تبحث الأم مثلا عن الوسائل والطرق التي تتقرب بها إلى ابنتها، وتحاول فهمها وفهم مشاعرها وطموحاتها في وقت مبكر من عمر طفلتها، حتى إذا بلغت مبلغ الأنوثة -وهي السن الحرجة التي تكون الابنة في أمسّ الحاجة إلى تفهم الأم وسعة صدرها وأفقها أيضا- كانت العلاقة بينكهما على أفضل حال.

ستيفن كوفي وبنك الأحاسيس

كيف نصل إلى هذا الهدف النبيل السامي المتمثل في إدارة بنك الأحاسيس بين الآباء والأبناء؟ يمكن أن يتحقق ذلك بخطوات عملية – نستأذنكم – بأن نستعيرها من الكاتب الأمريكي”ستيفن كوفي” في كتابه الشهير “العادات السبع للناس الأكثر فاعلية”، ستيفن كوفي من أهم المؤلفين في العالم الذين أولوا اهتماما كبيرا بتطوير الذات، وقد ذكر أنه إذا أردنا إقامة مثل هذه العلاقة الطيبة مع الآخرين فلا بد أن نكوّن رصيدا كبيرا في بنك الأحاسيس.

صورة مقال 6 إيداعات عظيمة في بنك الأحاسيس بين الآباء والأبناء
صورة مقال 6 إيداعات عظيمة في بنك الأحاسيس بين الآباء والأبناء

وبنك الأحاسيس استعمال مجازي يصف مقدار الثقة التي تنشأ خلال علاقة ما، إنه الشعور بالأمان مع الآخر، فإذا قمنا بوضع إيداعات من الود والكياسة والحفاظ على الالتزامات تجاه من نرغب في إقامة علاقة وطيدة معه فإن رصيدنا في بنك أحاسيسه سيرتفع، بل سيزيد، وسيصبح لدينا احتياطي يسمح باتساع الصدر وتحمل كل منا للآخر، ولكن ليحذر كل من الطرفين أن يسحب من هذا الرصيد تباعا، استنادا على قوة العلاقة.

6 إيداعات عظيمة في بنك أحاسيس ابنتك

وفي العلاقة بين أم وابنتها التي يمكن أن لا تتعدى السادسة من العمر، أي أنها لا تزال طفلة، فإن بنك أحاسيس البنت هو ذلك الرصيد الضخم الذي يؤدي إلى تلك العلاقة الوطيدة عن طريق 6 إيداعات عظيمة كما وصفها “كوفي”، وهي:

1- فهم الفرد:

لا بد من سعي الأم بصدق لفهم ابنتها، ولا يكون ذلك عن طريق الإلحاح عليها، أو ملاحقتها باستمرار؛ لتبث إليها ما يختلج في صدرها، ولكن الأمر يحتاج إلى ملاحظتها، وملاحظة ما تحب وما تكره، وما تُقدِم على فعله وما لا تقدم عليه، وقدراتها، وإبداعاتها، ومهاراتها، كل هذه أشياء يمكن اكتشافها من الملاحظة والسؤال عنها في المدرسة، وكيف تتعامل مع صديقاتها وزميلاتها في الفصل من خلال ملاحظة مدرسيها، وتفاعلها مع الآخرين من خلال ملاحظتها مع المعارف والأقارب، ومن الحوار البسيط الهادئ الودود الدافئ بينهما.

كل هذا يجعل الأم تعرف ابنتها وتعرف اهتماماتها؛ فتهتم الأم بما تهتم به البنت، ويتحدثا سويا عن هذه الاهتمامات بصدق، ولا يكون الغرض من هذا الحديث هو استدراج البنت حتى تبوح لأمها ببعض أسرارها، حتى لا تحول الأم هذا الحوار الدافئ الصريح إلى وعظ وإرشاد وتوجيهات، بل تدعها تتكلم دون أن تحجر على أفكارها.

2- الأشياء الصغيرة:

يقول “كوفي”: “الأشياء الصغيرة في العلاقات هي عينها الأشياء الكبيرة”، ولتوضيح معنى ما يقصده “كوفي” سنضرب مثلا.. إذا فوجئت الأم بأن زوجها عاد من عمله ذات مساء وحمل إليها باقة من الزهور الجميلة أو وردة واحدة دون أن تكون هناك مناسبة لذلك، وقدمها لها مع كلمات رقيقة، فماذا يكون شعور الأم عندئذ مع هذه الوردة وهذه الكلمات؟، بلا شك هذه الأشياء التي تبدو صغيرة قد أضافت في رصيد الزوج عند الزوجة الكثير والكثير، وهذا هو نفس الشيء بين الأم وابنتها، فإذا صحبتِها معها في نزهة، وتناولا معا مشروبا، أو “آيس كريم”، ولم تقصد الأم من ذلك إلا إدخال السعادة على قلبها، فإن هذا سيزيد من رصيد الأم عند البنت زيادة عظيمة.

3- الحفاظ على الوعود:

إن مرة واحدة من عدم الوفاء بالوعد مع الأبناء كفيلة بأن تسحب رصيدا ضخما من بنك الأحاسيس، لذا فلتحرص الأم على ألا تعد ابنتها بشيء إلا إذا كانت على يقين –إن شاء الله– بإنجازه والوفاء به.

4- توضيح وتفسير التوقعات:

تكمن أغلب الصعوبات في العلاقات في التوقعات الغامضة والمتنازعة حول الأدوار؛ فتحديد من يقوم بفعل شيء ما، وكيف نتحاور مع أبنائنا، ومتى نطلب منهم إنجاز بعض الأعمال، أو المساعدة في شيء ما.. كل هذا إن لم يكن واضحا غير غامض عند جميع الأطراف التي تُبنى بينها علاقات وطيدة؛ فإن ذلك سيؤدي إلى الإحباط وسوء فهم الآخر.

ومثال ذلك: إن توقعت الأم من ابنتها مثلا أن تقوم بترتيب حجرتها ومساعدتها في ترتيب المنزل أو في شراء بعض الأغراض ولم تفعل؛ فإن ذلك يؤدي بها إلى التعامل معها على أنها ابنة غير بارة، أو لا تقدر ما تتحمل الأم من أجلها. وكذلك الأبناء عندما يتوقعون شيئا ما من آبائهم -مثل التفهم لمشاعرهم ورغباتهم، والسماح بقدر من الاستقلالية- ثم لا يحدث هذا، فإنهم يصابون بخيبة أمل وإحباط شديدين.

ولذا على الأم أولا أن تنتهج هذا النهج من توضيح توقعاتها منها، والدور المنوط بها، وكيفية الأداء، ومن ثم تتخذها قدوة، وتعتاد أن تصارحها بتوقعاتها منها؛ فيُفهم كل منهما الآخر حدود دوره، وما الذي ينبغي عليه فعله، وكيف.

5- النزاهة الشخصية (القدوة الصالحة):

إذا تعاملنا مع أبنائنا وأهل بيتنا بقيم ومُثُل ومبادئ –مثل: الأمانة والصدق والوفاء بالوعد والمساواة والعدل والالتزام والإيثار…إلخ- ولكننا نتعامل بمبادئ مغايرة مع الآخرين فسوف يشعر الأبناء بازدواجية المعايير، وتسقط مصداقيتنا عندهم، ولن يشعروا بالأمان، بل قد يصل الأمر إلى الازدراء والنفور منا.

6- الاعتذار بصدق عند السحب من رصيد الأحاسيس:

عندما نقوم بسحب من رصيد الأحاسيس فلا بد أن نعتذر بصدق، والإيداعات الكبيرة تأتي مع الكلمات الصادقة مثل: إنني كنت مخطئة، أو لم يكن ذلك لطيفا مني أن أحرجك أمام أصدقائك، أو كان خطأ كبيرا مني أن أعرضك لهذا الموقف.

ولكن على الأم ألا تكثر من الاعتذارات، فإن كثرة الاعتذارات تفسر بأنها غير صادقة، فضلا عن ضياع المكانة والتقدير والتوقير اللازم للعلاقة بين الأبناء وآبائهم.