اختَلَف الفقهاء في حكم الإشهاد على الطلاق على قولين كالآتي:

القول الأول: أن الإشهاد ليس شرطًا لصحَّة الطَّلاق، وأنَّ الأمرَ في الآية يُحْمل على الاستحباب، وإلى هذا ذهب جُمهور الفقهاء. واستدلوا بالآتي:

قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق: 2].

قال ابن تيميَّة : فأمرَ بالإشْهاد على الرَّجعة، والإشهاد عليْها مأمورٌ به باتِّفاق الأمَّة، قيل: أمر إيجاب، وقيل: أمر استحباب، وقد ظنَّ بعض النَّاس أنَّ الإشهاد هو الطَّلاق، وظنَّ أنَّ الطَّلاق الذي لا يُشْهَد عليه لا يقع، وهذا خِلاف الإجماع، وخِلاف الكتاب والسنَّة، ولم يقل أحدٌ من العلماء المشْهورين به؛ فإنَّ الطَّلاق أذن فيه أوَّلاً، ولم يأمر فيه بالإشهاد، وإنَّما أمر بالإشْهاد حين قال: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق: 2]، والمراد هنا بالمفارقة: تخْلية سبيلِها إذا قضت العدَّة، وهذا ليْس بطلاق ولا برجعةٍ ولا نكاح، والإشهاد في هذا باتِّفاق المسلمين، فعُلم أنَّ الإشْهاد إنَّما هو على الرجعة”[1].

وقال الشَّافعي: ” فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان …ودل ما وصفت من أنِّي لَم ألْقَ مُخالفًا حفظْتُ عنْهُ من أهل العلم أنَّ حرامًا أن يطلِّقَ بغير بيِّنة، على أنَّه والله أعلم دلالة اختيار، واحتملت الشَّهادة على الرجعة من هذا ما احتمل الطَّلاق”[2].

قال الشوكاني: “وقد ورد الإجْماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق، واتَّفقوا على الاستحباب” أي: في الطَّلاق.

القول الثاني  وجوب الاشهاد على الطلاق، وإلى هذا ذهب ابن حَزْم الظاهري، ومن المعاصرين؛ الشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمد أبو زهرة، وبعض الشيعة.

واستدلوا بالآتي:

قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2].

قال ابن حزم: “وكان مَن طلَّق ولم يُشْهِد ذَوَي عدل، أو راجَعَ ولم يُشْهِد ذوي عدل متعدِّيًا لحدود الله تعالى، وقال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: (مَن عمِل عملاً ليْس عليه أمرُنا فهو رد)[3].

واستدلُّوا بظاهِر الآية، وبحديث عمران بن حُصين: سئل عن الرجُل يطلِّقُ المرأة ثمَّ يقع بِها، ولَم يُشْهِد على طلاقِها ولا على رجْعَتِها، فقال: (طلَّقت لغير سنَّة، ورجعتَ لغيْرِ سنَّة، أشهِدْ على طلاقِها، وعلى رجْعَتِها، ولا تعُدْ) رواه أبو داود وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.

قال الصَّنعاني: “دلَّ على ما دلَّت عليه آية سورة الطَّلاق، وهي قوله تعالى:

(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) [الطلاق: 2]، بعد ذِكْره الطَّلاق، وظاهر الأمر وجوبُ الإشْهاد، وبه قال الشَّافعي في القديم، وكأنَّه استقرَّ مذهبه على عدَم وجوبه، فإنَّه قال الموزعي في “تيسير البيان”: وقد اتَّفق الناس على أنَّ الطَّلاق من غير إشهاد جائز”[4].

القول الراجح

أن الإشهاد ليس شرطًا في صحَّة الطلاق بل يقع الطلاقُ صحيحًا ولو مِنْ غيرِ إشهادٍ، وإنما استحبَّ جماهير العلماء ـ ومنهم الأئمَّة الأربعةُ وغيرُهم ـ إشهادَ الرَّجلِ على طلاقه؛ لِمَا في ذلك مِنْ حفظ الأمانات وصيانةِ الحقوق، وإثباتِ حكمِه مِنْ غيرِ نكولٍ منعًا للتجاحد بين الزوجين.

أمَّا مَنْ أفتى بوجوب الإشهاد في الطلاق فهذا مذهبُ بعض السلف كعمران بنِ حُصَيْنٍ وعليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنهما وعطاءٍ وابنِ جُرَيْجٍ وابنِ سيرينَ، وهو مذهب الشافعيِّ في القديم ـ ثمَّ رَجَع عنه إلى القول بالندب ـ وبه قال ابنُ حزمٍ وارتضاه الألبانيُّ رحمهم الله، فغايةُ ما تدلُّ عليه أدلَّتُهم:

وجوبُ الإشهاد على الطلاق وأنَّ تارِكَه آثمٌ، وليس فيها أنَّ الإشهاد شرطٌ في صحَّة الطلاق، مع أنها قابلةٌ للتأويل.

وعليه، فإنَّ ما تجري عليه الفتوى مؤسَّسٌ على كلام الجمهور، باعتبارِ أنَّ الطلاق حقٌّ للزوج؛ فلا يُشترَطُ له الإشهادُ ليُباشِرَ حقَّه إلَّا على وجه الاستحباب.

أنَّ الأمر بالإشْهاد مندوبٌ إليْه فقط، وليس من شروط صحَّة الطَّلاق وأنه يقع بغير إشهاد؛ لما ورد في النقول السابقة.

ولأنَّه لم يرد عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا أصحابِه رضِي الله عنْهُم أنَّهم كانوا لا يوقِعون الطَّلاق إلاَّ بعد الإشْهاد؛ ومن هذا حديث الصَّحيحين: أنَّ ابنَ عُمَر طلَّق امرأته حائضًا، والظَّاهر أنَّه لم يُشْهِد، وكذلك لم يُنقل عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه استفصل من طلق هل أشهد أم لا؟ والقاعدة أنَّ: (ترك الاستِفْصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتِمال ينزل منزلة العموم في المقال).

وأيضًا فإنَّ الطَّلاق من حقوق الرَّجُل؛ فلا يحتاج إلى بيِّنة لإثباته، لما نُقِل فيه من إجْماع.

وأثر عمران لا يفيد الوجوب، وعلى هذا يكون خلاف أبي محمد بن حزم بعد مسبوق بالإجماع.

أما الإشهاد عند من يقول به فهو في كل طلاق منعقد وواقع كما يفهم من كلام ابن حزم السابق.

ونَص القانون المصري على الاشهاد على الطلاق

ورد في نص المادة 21 من القانون بأنه ” لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق “

حسب هذا القانون الجديد فإن الطلاق لا يعتد به إلا بالإشهاد عليه وتوثيقه، وذلك أسوة بالزواج الذي لا يعتد به قانوناً إلا بتوثيقه في ورقة رسمية، وذلك تلافيا لمشاكل عديدة منها أن بعض الأزواج ينكرون إيقاع الطلاق على الزوجة لأغراض في أنفسهم- أما بهذا النص الجديد المستحدث في هذا القانون، فإنه إذا أوقع الزوج الطلاق لفظاً على زوجته ورفض توثيقه أو الإشهاد عليه، فإن الزوجة لا تعد مطلقة، وهذا الأمر يترتب عليه منع الأزواج من استخدام لفظ الطلاق بسهولة، ولأسباب غير مناسبة كالتهديد بعدم الخروج أو غيره، وبذلك يصبح استخدام لفظ الطلاق في موضوعه الصحيح، ألا وهو الاتفاق النهائي على إنهاء العلاقة الزوجية مما يعيد الاحترام لهذه العلاقة، ويمنع العبث بها لأسباب تافهة.

وأما بالنسبة لنص المادة المذكورة: “لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق” فمضمونها صحيح، ومحلها حال الإنكار، أي إنكار الزوج للطلاق وادعاء الزوجة أو غيرها وقوعه، ففي هذه الحال يكون القول قول الزوج، وعلى المدعي إقامة البينة.

قال ابن قدامة في (المغني): إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها، فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق، إلا أن يكون لها بما ادعته بينة، ولا يقبل فيه إلا عدلان. اهـ.

وأما في حال إقرار الزوج بالطلاق، فلا يشترط لوقوعه الإشهاد، على الصحيح من قول جماهير أهل العلم، بل قد حكي الإجماع على ذلك.

وقال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير) بعد أن تعرض للخلاف في الوجوب أو الاستحباب، قال: واتفق الجميع على أن هذا الإشهاد ليس شرطا في صحة المراجعة أو المفارقة؛ لأنه إنما شرع احتياطا لحقهما، وتجنبا لنوازل الخصومات؛ خوفا من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق، أو أن تموت هي فيدعي هو ذلك، وكأنهم بنوه على أن الأمر لا يقتضي الفور، على أن جعل الشيء شرطا لغيره يحتاج إلى دليل خاص غير دليل الوجوب؛ لأنه قد يتحقق الإثم بتركه ولا يبطل بتركه ما أمر بإيقاعه معه، مثل الصلاة في الأرض المغصوبة، وبالثوب المغصوب. اهـ.


[1]  الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/269).

[2]  «الأم» للإمام الشافعي (7/ 89 7).

[3]  المحلى بالآثار لابن حزم (10/17).

[4]  سبل السلام (2/267).

المصادر

– كتاب نظام الطلاق في الإِسلام للشيخ أحمد شاكر فتاوى الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي.

– فتاوى الشبكة الإسلامية

– فتاوى الشيخ محمد علي فركوس

– التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور

– الجامع في أحكام الطلاق، الشيخ عمرو سليم