كان إغلاق المدارس أحد أكبر أشكال التخفيف التي اتخذتها الدول والمجتمعات لتقليل عدد الضحايا والمصابين وتسطيح منحنى فيروس (كوفيد- 19) المعروف بـ “كورونا”.
ونتيجة لتطبيق سياسة التباعد الاجتماعي تم غلق المدارس والجامعات بشكل كامل في معظم دول العالم وتحول الطلاب والعاملين في القطاع التعليمي إلى وسائل التعلم التكنولوجي وإجراء كل المعاملات عبر الإنترنت ، والتي شكلت تحديا جديدا في بعض الأماكن.
كانت عملية انتقال نظام التعليم عبر التكنولوجيا نقطة تحول أساسية وردة فعل إيجابية من قبل القطاعات التعليمية لمواجهة جائحة “كورونا” في مختلف دول العالم.
في ذات الوقت، يجب أن نشيد بعدد من دول شرق آسيا مثل هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان حيث لم يكن انتقالهم إلى منصات التعليم على الإنترنت في الأسابيع الأولى من شهر فبراير مفاجئا بل كان جزءًا من خطط مسبقة لمثل هذه الحالات الطارئة، شرعت مؤسساتها في إعدادها بعد وقوع وباء المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) في عام 2003.
مع قدوم الوباء الجديد ، تكيفت الاستجابات من قبل هذه الدول مع الخبرة السابقة المتراكمة لديها في مكافحة ما يهدد أمنها الصحي.
كان إغلاق المدارس والجامعات في هونغ كونغ بمثابة خطوات احترازية أولى تم فرضها مع قيود أخرى ومنذ وقت مبكر من شهر يناير ، وبالتزامن مع توارد خبر انتشار “فيروس كورونا” بمنطقة ووهان الصينة.
وحتى مع هذا الإجراءات الأولية ، لا تزال هونغ كونغ تميل إلى تأخير استئناف عودة الدراسة إلى ما بعد 20 أبريل القادم.
كما أعلنت وزارة التعليم بتايوان أوائل فبراير الماضي ، ضمن خطتها الإحترازية إلغاء المدارس بعد تأكد إصابة حالتين أو أكثر بـ “فيروس كورونا”.
تعتبر أزمة الفيروس فرصة للكثيرين منا و ” لحظة تأمل بالغة الأهمية” لدعاة المساواة. هذه فرصة لتنظيم بعض الأفكار حول التحول الضمني والمتكامل إلى عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبرامج التدريب الذاتية الخاصة بالمدارس ومؤسسات التعليم العالي باعتبارها جزءا من خطة معدة مسبقا تخفف من وطأة تعطل النظام التعليمي.
بطبيعة الحال ستشهد حياتنا الطبيعية تخلخلا بسبب التغيرات المناخية الكبيرة وعدم استقرار أحوال الطقس، وانتشار الأمراض المعدية وسط هذا العالم المضطرب.
من الأمثلة المناسبة ذكرها هنا ، ضرب إعصار (لاندو كوبو) أحد المقاطعات في الفلبين عام 2015 وأدى إلى إلغاء المدارس لمدة 14 يومًا، وتجبر هذه الظروف عادة المسؤولين المحليين على إيقاف النظام التعليمي كردة فعل أولية للظواهر الطبيعية كالأعاصير والفياضانات.
يجب العمل على تطوير خطة تستجيب للتوقف الدراسي الطارئ، خاصة إذا طال أمدها ، وتكون من الأولويات المدرجة في جدول أعمال قطاع التعليم.
ونظرًا لأننا سنعيش مع هذه الأوبئة مستقبلا فقد أصبح من الضروري بالنسبة لهذا القطاع وللجهات الخاصة و العامة التفكير في استثمارات جادة للبنية التقنية الفنية للتعلم عبر الإنترنت. هذه بمثابة دعوة موجهة للقطاع الخاص والمساهمة في صناعة الاتصالات العامة في الفلبين للمسؤولية الاجتماعية .
بصفتي عضوًا في المجتمع الأكاديمي أعتقد أن تجربتنا المشتركة بعد تعليق الدراسة لفترة طويلة بسبب وباء “كورونا” قد غيرت قواعد اللعبة من ناحية توفير التعليم وشكل الإدارة. يجب أن نمضي قدما بطرق التدريس الجديدة التي اكتشفناها أو عززناها نتيجة استجاباتنا – مستفيدين من خبراتنا المختلفة – خلال هذه الأوقات العصيبة.
هناك تجارب ذات صلة بالموضوع في بعض دول شرق آسيا مثل الصين وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة تستحق النظر. أحد العوامل المهمة التي ساهمت في نجاحهم هو التخطيط المبكر للحالات الطارئة وهذا نجده على أرض الواقع في مؤسسات التعليم العالي بهونغ كونغ بإضفاء الطابع المؤسسي عليه بحيث تحول صمام أمان لاستمرار العملية التعليمية مهما طالت مدة إغلاق المدارس سواء بسبب الكوارث الطبيعية أو لأي سبب آخر.
استعدت مؤسسات التعليم العالي في هونغ كونغ لإيقاف التعليم منذ وقت مبكر – من نوفمبر إلى ديسمبر العام الماضي – على ضوء احتجاجات الجامعات الكبيرة ضد مشروع قانون التسليم المثير للجدل الذي اتخذته حكومتهم.
مثال آخر هو تكليف التدريب عبر الإنترنت مع إعادة الاختبار كمتطلب من أعضاء هيئة التدريس مهد الطريق لحوالي 1000 دورة مقدمة في جامعة سنغافورة للإدارة للانتقال إلى التنسيق والعرض عبر شبكة الإنترنت بوتيرة سريعة وفي وقت قصير جدًا.
علاوة على ذلك قامت جامعة هونغ كونغ بإنشاء مركز لتخزين البيانات ومكتب تعليم مركزي ، يتيح التدريس عبر الإنترنت لأعضاء هيئة التدريس ، ويمكنهم الوصول إلى مقاطع الفيديو المنسقة ، والتقاط صور المحاضرات و استخدام أشكال مختلفة من الوسائل المبتكرة.
في جامعة تايوان الوطنية (NTU) ، يمتد التدريب عبر الإنترنت ليس فقط لأعضاء هيئة التدريس ولكن أيضًا لتدريس مساعدي الدورات مع تسجيل ما لا يقل عن 100 طالب. و أطلقت جامعة ( NTU ) أيضًا “خطة رقمنة” تضمن تحويل الدروس الذاتية إلى دورات عبر الإنترنت، وتم الاستعانة بالجداول الزمنية المتداخلة لتنفيذ التحول إلى النظام الأساسي عبر الإنترنت مع تحديد الأولويات للدورات ذات أكبر عدد من الطلاب المسجلين.
نظرًا لأن الأدوات والمنصات التعليمية عبر الإنترنت مصممة لإعمال حق أساسي من حقوق الإنسان في التعليم ، يجب على المؤسسات التعليمية الخاصة أن تسعى جاهدة لتكون في مقدمة الخط الأمامي وتزيل الحواجز الحائلة دون الوصول إلى التكنولوجيا.
على الصعيد العالمي ، تدور الاهتمامات المشتركة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس ، بما في ذلك تلك التي تمثل اهتمامات الجامعات ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع حول القضايا التالية: الوصول المحدود إلى خطوط الاتصال بالشبكة وعدم وجود خدمة إنترنت فائقة السرعة ، والاعتماد على الهاتف المحمول ، ومحدودية توفر أجهزة حاسوبية في المنزل ونقص أجهزة الكمبيوتر.
كيف تستجيب مؤسسات التعليم العالي؟ بالإضافة إلى تكييف الممارسات والسياسات الناجحة ، قد نأخذ في عين الاعتبار تقييم تلك البدائل التي عملنا بها خلال الفترة الاستثنائية، ربما قد نحتاج إلى الاحتفاظ بها وتحسينها عندما تستقر الأمور.
من الممارسات الشائعة والمفيدة هي وسائل التعلم المرنة عبر الإنترنت. يضع تطبيق نظم دروس المعرفة الذاتية – خلال هذه الأوقات غير العادية – في الاعتبار الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يحتاجون إلى الانتقال تدريجيًا إلى محيط جديد يقوم على تكوين بيئة دراسية افتراضية.
في هونغ كونغ ، تراجعت قضية الخصوصية من عدمها ضمن سياق ميزات الطالب جامعي في مقابل الحصول على تعليم سريع بالمعنى الحرفي، وتم اتخاذ هذا القرار حتى يتسنى الاستفادة من عاملي الزمان والمكان ومن انخراط أكبر عدد ممكن في العملية التعليمية في وقت قصير متجاوزا بمراحل بيئة التعليم المثالية .
وتتضمن وسائل التعلم المرنة عبر الإنترنت استخدامًا حكيما للأدوات والمنصات المعتمدة على الاتصال المتزامن و أخرى فضلت الاتصال غير المتزامن مثل محرّر مستندات Google و Google Classroom وما إلى ذلك من أجل تلبية احتياجات كل الفئات خاصة المهمشة والتي تعاني من الوصول لشبكة الانترنت.
ينبغي لمؤسسات التعليم العالي في القطاعين العام والخاص أن تتعاون لبناء برنامج مستدام يشجع على النظام التعليمي المرن المتمركز حول الطالب وعلى التدريب الذاتي المدعوم بأنظمة تكنولوجية جيدة.
عندما يتم اعتماد هذه النظم في الظروف الطبيعية ، فإنها ستشجع طرق التعليم التكنولوجي وستعزز أنظمة التعلم القائمة ومن جودة مناهج التعليم المستمر.
وفي حالة وقوع كارثة فإن البنية التكنولوجية الصلبة والخبرة والدراية المتراكمة ستمكن الأساتذة والطلاب والإداريين على حد سواء من تحقيق هدف مشترك قائم على تعليم شامل للجميع ومعرفة بلا عوائق.
ألما ماريا سلفادور – أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بجامعة أتينيو دي مانيلا بالفلبين5>