مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي، لم يعد المستخدم بحاجة للنقر على روابط المواقع الإخبارية، بل يحصل على ملخص مباشر وفوري من أنظمة ذكية. هذا التغيير في سلوك المستخدمين تسبب في انخفاض حاد في الزيارات، وهذا التهديد لم يعد نظريًا إنه يؤثر على نموذج العمل والإيرادات والاستدامة الصحفية. فهل تستطيع المؤسسات الإعلامية الصمود في عصر باتت محركات البحث فيه تتحول إلى “محركات إجابة”؟
لقد شهدت صناعة الإعلام الرقمي تحولًا جذريًا مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي مثل(ChatGPT) وميزة (Google AI Overviews). فقد أصبحت هذه الأدوات تقدم للمستخدمين إجابات فورية عن أسئلتهم بدلاً من توجيههم إلى مواقع وصفحات الانترنت عبر الروابط التقليدية. ويثير هذا التحول مخاوف عميقة لدى المؤسسات الإعلامية حول العالم.
فيما يلي تحليل لأبرز جوانب هذه الظاهرة وانعكاساتها على قطاع الإعلام الرقمي.
تغير سلوك المستخدم مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي
أحدثت أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة تغييرًا جذريًا في سلوك المستخدمين وطريقة استهلاكهم للأخبار والمعلومات. فبدلاً من البحث التقليدي عبر محركات البحث والنقر على الروابط للوصول إلى المحتوى، بات المستخدم يحصل على إجابات فورية ومباشرة من روبوتات المحادثة وأنظمة الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يقدم محرك بحث غوغل ملخصات ذكية (AI Overviews) أعلى صفحة النتائج تجيب عن استفسارات المستخدم مباشرة، مما يغنيه عن تصفح المواقع كما كان يفعل سابقًا.
وبالمثل، يستخدم كثيرون تطبيقات المحادثة الذكية مثل (ChatGPT) للحصول على المعلومات بطريقة الحوار والسؤال المباشر دون الحاجة إلى إجراء بحث تقليدي. هذا الانتقال من نموذج “محرك البحث” إلى نموذج “محرك الإجابة” أدى إلى تراجع حاد في حركة المرور التي كانت تصل إلى مواقع الأخبار عبر النتائج العضوية لمحركات البحث. إذ تقلّص دافع المستخدم إلى النقر على الروابط الزرقاء عندما باتت الإجابة المختصرة تظهر له فورًا على نفس الصفحة أو عبر روبوت الدردشة، مما يعني خسارة المواقع الإخبارية لجزء كبير من الزيارات التي اعتادت الحصول عليها بشكل مجاني على مدار سنوات.
لا يقتصر هذا التغير على محرك غوغل فحسب، بل إن منصات أخرى تعتمد الذكاء الاصطناعي أسهمت أيضًا في تغيير عادات الجمهور. تطبيقات مثل ChatGPT وبينغ تشات (التابعة لمايكروسوفت) أصبحت وجهة يلجأ إليها المستخدمون للحصول على ملخصات سريعة للأخبار أو تفسيرات للمستجدات، بدلًا من زيارة المواقع الإخبارية بشكل مباشر. وبذلك تقلص الدور التقليدي للمواقع كمصدر أولي للأخبار، وأصبح الذكاء الاصطناعي هو الوسيط الذي يقدم المعلومة بشكل مبسط وسريع. هذا التحول في السلوك يمثل تحديًا جوهريًا للمؤسسات الإعلامية التي اعتمد نموذج عملها لسنوات على جذب المستخدمين إلى مواقعها عبر محركات البحث والاستفادة من عائدات الإعلانات الناتجة عن تلك الزيارات.
أما الآن، فيبدو أن جزءًا كبيرًا من الجمهور بات يكتفي بالجواب السريع الذي يحصل عليه من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ما يقلل من ولوجه إلى المصادر الأصلية للمعلومات.
تراجع حركة المرور من محركات البحث بالأرقام
أدى التغير في سلوك المستخدم والتحول نحو الإجابات الفورية إلى تراجع ملموس في حركة المرور الآتية من محركات البحث إلى المواقع الإخبارية. وتشير البيانات والإحصاءات الحديثة إلى انخفاضات حادة في الزيارات العضوية التي كانت تتدفق من محرك غوغل إلى ناشري الأخبار. فعلى سبيل المثال، شهد موقع بيزنس إنسايدر (Business Insider) انخفاضًا بنسبة 55% في عدد الزيارات المستمدة من البحث خلال الفترة من أبريل 2022 إلى أبريل 2025.
وبالمثل، تكبدت صحيفة واشنطن بوست تراجعًا يقارب هذه النسبة في حجم الزيارات، في حين فقد موقع هافينغتون بوست (HuffPost) أكثر من نصف زياراته التي كانت تأتي عبر محركات البحث خلال نفس الفترة.
وتلك النسب غير المسبوقة تدق ناقوس الخطر، إذ إنها تعني خسارة ملايين الزيارات التي كانت تشكّل عصب الإيرادات الإعلانية لتلك المنصات الإعلامية.
حتى المؤسسات الإعلامية العريقة مثل نيويورك تايمز لم تكن بمنأى عن هذا التراجع. فقد انخفضت نسبة الزيارات القادمة من محركات البحث إلى موقع نيويورك تايمز من حوالي 44% في عام 2022 إلى 36.5% فقط في أبريل 2025. ويشير هذا الانخفاض إلى تراجع أهمية البحث كقناة لجذب القراء، حيث انخفضت حصته أمام قنوات أخرى أو أمام اكتفاء القراء بالحصول على المعلومة عبر الواجهة التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي.
وبشكل عام، يقدّر بعض الخبراء أن اعتماد غوغل للنتائج المعززة بالذكاء الاصطناعي قد تسبب في انخفاض حركة المرور الإجمالية إلى المواقع بنسب تتراوح بين 40% و60% لدى العديد من الناشرين، خاصة لأولئك الذين يعتمدون بشدة على زيارات البحث.
تأثير الأزمة على المؤسسات الإعلامية الكبرى
لم تكن هذه الأزمة مجرد أرقام وإحصاءات جافة، بل كانت ذات وقع كبير على كبرى المؤسسات الإعلامية العالمية التي وجدت نفسها أمام تحدٍ وجودي. فعندما تنخفض زيارات مواقع مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وبيزنس إنسايدر إلى النصف أو أكثر، فإن ذلك يعني انخفاضًا كبيرًا في عائدات الإعلانات وتقليصًا لقاعدة القراء، مما دفع هذه المؤسسات إلى دق ناقوس الخطر بشكل علني. على سبيل المثال، وصف ويليام لويس (المدير التنفيذي لواشنطن بوست) التطورات الأخيرة في بحث غوغل المعزز بالذكاء الاصطناعي بأنها “تهديد خطير للصحافة لا ينبغي الاستهانة به”.
تعكس هذه التصريحات مستوى القلق لدى قيادات المؤسسات الإعلامية من التحول السريع نحو إجابات بدون نقرات (أي بدون زيارات للمواقع)، حيث يرى لويس وغيره أن استمرار هذا الاتجاه يهدد استدامة الصحافة الرقمية التي تعتمد على تفاعل القراء مع مواقع الأخبار.
وفي سياق متصل، دعا نيكولاس تومسون الرئيس التنفيذي لمجلة ذي أتلانتيك (The Atlantic) فريقه إلى الاستعداد لسيناريو وصول زيارات غوغل إلى الصفر في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أن “غوغل تتحول من محرك بحث إلى محرك إجابات بشكل متسارع”.
أما نيويورك تايمز، فبالرغم من قاعدة قرائها الواسعة، بدأت تشعر بوطأة التغيير هي الأخرى؛ فإلى جانب تراجع زيارات البحث بنسبة ملحوظة، انخرطت الصحيفة في شراكة مع شركة أمازون لترخيص موادها كبيانات تدريب لنماذج الذكاء الاصطناعي.
بالنسبة لمنصات رقمية بحتة مثل بيزنس إنسايدر، فإن الاعتماد الكبير على زيارات البحث جعل الضربة أكثر إيلامًا. فقد بُني جزء كبير من استراتيجية هذه المنصات على تحسين محركات البحث (SEO) لجذب القراء، وبالتالي فإن فقدان أكثر من نصف هذا الجمهور خلال سنوات قليلة أثّر على نموها وأرباحها بشكل مباشر.
توجهات جديدة يعتمدها الناشرون للتكيف
أمام هذه التحديات الوجودية، بدأت المؤسسات الإعلامية بتبني استراتيجيات وتوجهات جديدة للتكيف مع الواقع الرقمي المتغير وتقليل الاعتماد على تدفق الزيارات من محركات البحث. من أبرز هذه التوجهات التحول نحو نموذج الاشتراكات المدفوعة والعضويات، حيث تسعى الصحف والمواقع الكبرى إلى اجتذاب القراء الأوفياء للاشتراك مباشرة في خدماتها مقابل محتوى مميز وخالٍ من الإعلانات. فالإيرادات الناتجة عن الاشتراكات توفر دخلاً مستقرًا نسبيًا يعوّض التراجع في عائدات الإعلانات التقليدية.
وقد شهدنا بالفعل ازدهار نماذج الاشتراك لدى صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست خلال السنوات الأخيرة، مما ساعدها على تنويع مصادر دخلها بعيدًا عن الإعلانات القائمة على عدد النقرات.
إلى جانب الاشتراكات، تراهن المؤسسات الإعلامية على بناء جمهور مخلص يتفاعل مباشرة معها عبر قنوات بديلة عن البحث. فقد ازداد التركيز على إطلاق النشرات الإخبارية البريدية (Newsletters) الدورية التي تصل مباشرة إلى بريد القارئ، حاملة أهم القصص والتحليلات، مما يعزز العلاقة المباشرة بين الناشر والقارئ دون وسيط مثل محركات البحث.
كذلك هناك اتجاه لتطوير تطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بكل منصة إخبارية، لضمان وجود أيقونة الموقع على شاشة المستخدم ودفع الإشعارات بالأخبار العاجلة إليه، بهدف إبقائه على اتصال مستمر بالمحتوى الجديد. هذه التطبيقات تساعد أيضًا في جمع بيانات أفضل عن تفضيلات القراء وتعزيز ولائهم للعلامة الإعلامية.
ومن التوجهات اللافتة أيضًا تنظيم المؤتمرات والفعاليات المباشرة كوسيلة للتفاعل مع الجمهور وتأمين مصدر دخل إضافي. العديد من المؤسسات الإعلامية باتت تقيم فعاليات سنوية مثل القمم والندوات المتخصصة بحضور قادة الفكر والمجتمع، مما يعزز حضورها كمحرك للنقاش العام ويولّد دخلًا من بيع التذاكر أو الرعاية التجارية. فعلى سبيل المثال، تنظم بعض الصحف الكبرى مؤتمرات في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة يجتمع فيها القراء مع الصحفيين وصناع القرار، مما يقوي العلاقة المجتمعية للمؤسسة الإعلامية ويخفف اعتمادها على زيارات الموقع الإلكترونية فحسب.
بالإضافة إلى ذلك، هناك استثمار متزايد في المحتوى المتخصص وعالي الجودة الذي يصعب على الخوارزميات توليده بنفس مستوى الإتقان. المحتوى التحليلي العميق، التقارير الاستقصائية الحصرية، والمواد التفاعلية المبتكرة أصبحت محور تركيز غرف الأخبار لإعطاء القارئ سببًا للعودة للموقع مباشرة بحثًا عن قيمة مضافة.
ويسعى الناشرون من خلال ذلك إلى تقديم ما لا تستطيع خلاصات الذكاء الاصطناعي تقديمه، سواء من حيث التفرد في زاوية المعالجة أو الخبرة البشرية في التحليل. كما يتم توظيف المحتوى المرئي والصوتي مثل مقاطع الفيديو والبودكاست بشكل أكبر لجذب فئات جديدة من الجمهور وتعزيز التواجد على منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب، وهي قنوات لا تزال تجلب زيارات مباشرة وتفاعلاً نشطًا. باختصار، يعتمد الناشرون اليوم مزيجًا من الابتكار التحريري والنماذج التجارية الجديدة لضمان بقائهم في دائرة الضوء، مع تقليل ارتهانهم لمنصات البحث التي باتت قواعدها تتغير بفعل الذكاء الاصطناعي.
استرجاع المحتوى الآلي وتأثيره على الإنترنت
تزامنًا مع هذه التغيرات، نشهد صعود جيل جديد من روبوتات الإنترنت التي يمكن تسميتها “روبوتات استرجاع المحتوى” أو المجمعات الذكية للمعلومات. هذه النظم، المتمثلة في محركات الإجابة وروبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تقوم بجمع المحتوى من مواقع عديدة وتقديم خلاصة مركّزة للمستخدم دون أن يضطر إلى زيارة المصادر الأصلية. فعندما يطرح المستخدم سؤالًا على ( ChatGPT ) أو على واجهة البحث المدعمة بالذكاء الاصطناعي من غوغل، تعمل هذه الروبوتات على استرجاع المعلومات من عشرات المواقع والمقالات في أجزاء من الثانية، ثم تُولّف إجابة موحدة تبدو كأنها نابعة من مصدر واحد.
بالنسبة للمستخدم، تبدو هذه التجربة سلسة وموفرة للوقت، لكنها في الواقع تحمل تغييرًا جوهريًا في شكل الإنترنت ونموذج تدفق المعلومات.
إن جوهر شبكة الإنترنت التقليدي قام على مبدأ وجود روابط تنقل المستخدم من موقع إلى آخر للحصول على مبتغاه من المعلومات. كل نقرة كانت تعني زيارة لموقع معين واستفادة ذلك الموقع من الزيارة (سواء بزيادة المشاهدات أو بتحقيق عائد إعلاني). أما الآن، مع ازدياد الاعتماد على الإجابات الفورية المولّفة، أصبح بإمكان المستخدم الحصول على ما يريد دون مغادرة المنصة الوسيطة (سواء كانت محرك بحث ذكيًا أو تطبيق دردشة). هذا يعني أن مواقع الويب تتحول تدريجيًا إلى مجرد مزودي بيانات في خلفية المشهد، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بالنهل من محتواها لتقديم المعلومة، بينما يقل تردد الزوار المباشر عليها. وإذا استمر هذا التوجه بالتصاعد، فقد نشهد انحسارًا لدور المواقع الإلكترونية الفردية في تشكيل تجربة المستخدم على الإنترنت، مقابل بروز منصات شاملة تغذيها البيانات المجمعة من مختلف المصادر.
المشكلة الكبرى في صعود روبوتات تجميع المحتوى هذه هي انتهاكها الضمني لمنظومة المكافأة العادلة للمحتوى. فهي تستخدم محتوى ناشرين أنفقوا موارد كبيرة لإنتاجه، ولكنها لا تُرجع الجميل بزيارات أو عائد مادي لهؤلاء الناشرين.
فغالبًا ما تُقدّم هذه الأدوات خلاصات مستندة إلى مقالات صحفية دون إبراز اسم المصدر بشكل واضح أو توجيه المستخدم لقراءتها كاملة، وأحيانًا تُقدّم المعلومات دون أي إحالة تُذكر. وقد وصف نقاد هذه الظاهرة بأنها شكل من أشكال “سرقة المحتوى” أو على الأقل قرصنة ناعمة، حيث يُعاد استخدام مواد صحفية محمية بحقوق النشر في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتوليد الإجابات دون إذن صريح أو تعويض.
وهذا يضر بمنظومة الحوافز على الإنترنت: فإذا لم يعد الناشرون يحصلون على زيارات أو مقابل مادي، فما الذي سيدفعهم للاستثمار في إنتاج محتوى عالي الجودة ومكلف مستقبلًا؟
من زاوية أخرى، قد يؤدي الانتشار الواسع لهذه الروبوتات إلى إعادة تشكيل مشهد الإنترنت جذريًا. فبدلاً من شبكة مليئة بالمواقع المتنوعة التي يزورها المستخدم بشكل مباشر، قد يتحول الإنترنت إلى ما يشبه طبقة خلفية من البيانات التي لا يراها المستخدم إلا عبر وسيط ذكاء اصطناعي. هذا التحول يثير مخاوف بشأن تراجع التنوع على الشبكة، إذ ربما تهيمن بضع منصات ذكاء اصطناعي كبيرة على تدفق المعلومات وتصبح هي البوابة لكل شيء. كما يخشى البعض من تدني جودة المعلومات إذا ما استمرت هذه المنصات في استرجاع المحتوى وتلخيصه دون وجود حوافز للمواقع الأصلية لتحديث معلوماتها واستدامة عملها الصحفي. إنها صورة توضح حصول تحول عميق في شكل الإنترنت الذي نعرفه، ما لم يتم التوصل إلى صيغة توازن جديدة تحمي مصالح جميع الأطراف.
ولم تقف المؤسسات الإعلامية مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات، بل بدأت معارك قانونية وتحركات تنظيمية لحماية محتواها وضمان حقوقها. تصاعدت النداءات لسنّ قوانين وتشريعات جديدة تنظم كيفية استخدام منصات الذكاء الاصطناعي للمحتوى الإخباري المنشور، على غرار قوانين حقوق النشر التقليدية.
تطلعات مستقبلية
لا شك أن دخول الذكاء الاصطناعي بهذا الزخم إلى عالم البحث والأخبار يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ الإعلام الرقمي. فبينما وفرت هذه التقنيات للمستخدم تجربة أكثر سلاسة وسرعة في الوصول إلى المعلومة، إلا أنها هزّت أركان النموذج التقليدي الذي اعتمدت عليه الصحافة الإلكترونية لعقود. وجد الناشرون أنفسهم مضطرين لإعادة ابتكار طرقهم في الوصول إلى الجمهور وضمان ولائه، وتنويع مصادر الإيرادات بعيدًا عن هيمنة عمالقة البحث. وفي الوقت نفسه، ظهر تحدي حماية المحتوى وحقوق الناشرين كجبهة نضال جديدة لضمان استدامة الإنتاج الصحفي المهني في المستقبل.
مع ذلك، فإن مستقبل الصحافة الرقمية ليس قاتمًا بالكامل. فالمؤسسات القادرة على التكيف السريع والابتكار قد تحول هذه التحديات إلى فرص. من المرجح أن نشهد ظهور نماذج تعاون جديدة بين منصات الذكاء الاصطناعي والمؤسسات الإعلامية تضمن استفادة متبادلة للطرفين، مع الحفاظ على جودة المحتوى وتنوعه.
وقد يشمل ذلك حلولًا إبداعية مثل تضمين روابط أعمق في الإجابات الذكية توجه المهتمين إلى المصادر الأصلية، أو تطوير منصات هجينة تمزج بين المحتوى التحريري والقدرات التقنية الذكية بطريقة تكاملية. في النهاية، ورغم الضبابية التي تكتنف المشهد، يبقى المؤكد أن الصحافة الجيدة ستستمر إذا ما تمكنت من إعادة تموضع نفسها في عصر الذكاء الاصطناعي، عبر تعاون حكيم وتنظيم ملائم يضمن التوازن بين ابتكارات التقنية وحماية القيمة الصحفية.
هذا التوازن المنشود هو ما سيحدد شكل المستقبل للإعلام الرقمي وللمعرفة التي يتلقاها الجمهور في السنوات القادمة.