يتساءل كثير من الناس حين يرون حصول زلزال في بلاد المسلمين، هل الزلزال عقاب إلهي أم سنن كونية؟ وكيف تكون الزلازل عقابا حين تنزل ببلاد المسلمين، خاصة إن كانت بعض المناطق التي تضررت من هذه الزلازل هي في محن وبلاء أصلا؟ ولماذا لا تكون تلك الزلازل على بلاد الكفار، ويحفظ منها المسلمون، مادامت عقابا من الله تعالى؟
وقبل بيان هل الزلزال عقاب إلهي أم سنن كونية؟ لابد من معرفة ما هي الزلازل؟ ولماذا تحصل؟
الزلازل هي نوع من الكوارث. و” الكوارث هي اضطرابات خطيرة في عمل المجتمع تتجاوز قدرته على التكيّف باستخدام موارده الخاصة. يمكن أن تحدث الكوارث بسبب الأخطار الطبيعية، والتكنولوجية، وتلك التي من صنع الإنسان، فضلاً عن العوامل المختلفة التي تؤثر على ضعف المجتمع وتعرّضه للخطر”.
أنواع الكوارث
الكوارث أنواع كثيرة، من أهمها: الزلازل، والثورات البركانية، والانجرافات الأرضية، وتسونامي، والانهيارات الثلجية، وموجات الحر، وموجات البرد، وحرائق الغابات، والجفاف، والأعاصير، والأوبئة والجوائح، والأخطار التكنولوجية والبيولوجية، وعواصف البرد.
تعريف الزلزال
الزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاط بركاني أو صهاري. وتقع الزلازل فجأة دون سابق إنذار، ويمكن أن تحدث في أي وقت، كما يمكن أن تؤدي إلى وقوع وفيات وإصابات وتلفيات في الممتلكات وفقدان المأوى وسبل العيش وتعطيل البنية الأساسية الحيوية. وترجع معظم وفيات الزلازل إلى انهيار المباني أو نتيجة لأخطار ثانوية كالحرائق وأمواج تسونامي والفيضانات والانزلاقات الأرضية وإطلاق المواد الكيميائية أو السامة”. وقد تتسبب الزلازل في حدوث موجات بحرية ضخمة تعرف بـ (تسونامي).
وتحصل الزلازل على حافة القشرة الأرضية، والتي تعرف بـ ( الصفائح التكتونية) التي تتحرك ببطء على مدى فترة زمنية طويلة، وهذه الصفائح التكتونية هي التي تسببت في تكوين سلسلة من الجبال، مثل جبال الهيمالايا وجبال الأنديز.
هل الزلزال غضب من الله؟
وقد انتشر بين الناس بل وبين العلماء تصدير الخطاب بأن الزلازل غضب من الله تعالى على الأقوام التي تحل بهم، وهو خطاب من جهة العموم يعوزه كثير من الصحة، رغم الآثار الواردة في هذا المعنى، فليس بلازم أن يكون الزلزال غضبا من الله، فقد يكون غضبا على أقوام، وقد يكون بلاء بقدر الله دون أن يكون غضبا، وهو في حقيقته آية من آيات الله تعالى في خلقه وكونه، مثله مثل غيره من الآيات الأخرى، فالماء قد يكون نعمة من الله؛ يحيي به الأرض بعد موتها، وقد يكون عذابا على قوم، فلابد من فهم الزلازل على أنها آية كونية من آيات الله تعالى، ولها أسباب علمية، وإن كانت تلك الأسباب وتلك الآيات هي من أقدار الله تعالى، ليس للبشر تدخل فيها، على آن آثار الزلزال تزيد بسبب بعض الأفعال البشرية.
الزلازل على مر التاريخ
الزلزال آية من آيات الله تعالى، والزلازل تحصل على مر التاريخ، وهي أنواع، منها ما هو شديد، وذلك الذي نحس به، ومنا ما هو هو منخفض، ففي المحيط الهادي تحصل مئات الزلازل ولكننا لا نشعر بها، بل إن الأمواج العاتية التي تحصل على شاطئ البحور والمحيطات هي نتيجة لزلازل تحصل، بل يثبت العلماء أنه منذ عام 1900م يحصل (17) زلزال كل عام، تترواح من أقل من 7 درجات إلى أكثر من 8 درجات.
الزلزال آية من آيات الله تحصل في كون الله وعلى أرضه، سواء أكان يسكنها المسلمون أم الكافرون، ويرصد العلماء أنه منذ ميلاد المسيح عليه السلام حصلت 179 هزة عنيفة، منها (15) هزة بالغة العنف، وما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر حدثت (2804) هزات، منها (100) هزة بالغة العنف، وفي القرن التاسع عشر حدثت (3204) هزات، بل ذكر العلماء أن مدينة إيطالية ابتلعتها الأرض وحولتها إلى بحيرة سنة 1480 قبل الميلاد.
وفي القرن السادس الميلادي وذلك عام 551م، عمت الزلازل العنيفة شواطئ سورية ولبنان وكانت أشد في لبنان، وفي عام 1139م، خربت الزلازل مدينة حلب السورية، وامتدت حتى حدود إيران، وقتلت مائة ألف إنسان.
كما تم تسجيل أخطر الزلازل في العصر الحديث، وذلك سنة 1960م، حيث حصل زلزال في تشيلي، وكان قياسه (9.6) ريختر، وكذلك كان الزلزال الذي وقع في ولاية ألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1964م بعد زلزال تشيلي بأربع سنوات، وكان قياسه (9.2) ريختر.
تفسير الزلزال بين العلم والدين
ومن الإشارات العلمية في القرآن عن الزلازل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد: 41] ، ومن المعاني العلمية في ذلك هو نقصان حجم الأرض، ومما ذكر الدكتور زغلول النجار – حفظه الله- في ذلك: أن إنقاص الأرض يمكن أن يكون فيه إشارة إلى اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها، وذلك بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض، فإن الغلاف الصخري للأرض يمزق بواسطة شبكة هائلة من الصدوع العميقة التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات في الطول، وتتراوح أعماقها من 65 كم إلى 120 كم، وعدد ألواح الغلاف الصخري الكبيرة 12 لوحاً، وهناك عدد من الألواح الصغيرة نسبيّاً، ومع دوران الأرض يحدث التصادم بين هذه الألواح فتتداخل أو تتباعد مما يسبب الهزات الأرضية والبراكين.
العلماء يرصدون فوائد الزلازل
وإن كان الناس يرون الزلازل كلها شرا، فإن العلماء قد رصدوا عددا من الفوائد الناجمة عن الزلازل، ومن أهمها: أن الزلازل تشكل سطح الأرض، فترفع الجبال، وتخرج المعادن النفيسة من باطن الأرض، بل يذهب بعض العلماء إلى أن الزلازل تسبب في تكوين الجبال، مثل الجبال الموجودة في القوفاز وأوربا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، كما تساعد الجبال في سرعة نمو النباتات وازدياد مساحة الرقعة الخضراء على وجه الأرض، مما يساعد في عملية الإنتاج الحيواني.
كما تعد الزلازل صمام أمان للأرض، وذلك أن القشرة الأرضية تعد رقيقة جدا مقارنة لقطر الأرض، وهذه القشرة هي عبارة عن مجموعة من الألواح العائمة على طبقة ثانية حارة، وفي باطن الأرض تكون الصخور أكثر كثافة وحرارة ويكون ضغطها أعلى في بطن الأرض، ففي باطن الأرض ضغوط هائلة.
الزلزال آية وسنة كونية
ومن المعلوم أن الزلازل من علامات الساعة، لما رواه البخاري وغيره أن رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض.
وكل ما يحصل إنما هي زلازل صغيرة بجانب الزلازل الأكبر يوم القيامة، الذي قال الله فيه: (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) (الانشقاق/ 3-4).
فآيات الله الكونية، هي جارية على المسلمين والكافرين وعلى كل من يسكن الأرض؛ لا علاقة لها بعقيدة أو دين أو جنس، على أن آيات الله تعالى فيها تخويف العباد من الله تعالى، ودعوتهم إلى التوبة إليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59] .
ولما كانت الزلازل من الابتلاءات، فإنه يجري عليها حكمة الله تعالى في الابتلاء، إما بتكفير السيئات أو بدفع الدرجات؛ فليس بلازم أن يكون الزلزال عقابا من الله للعصاة، فالله تعالى يمهل العباد جميعا، ولو كان يعاقبهم بأعمالهم في الدنيا؛ لهلك كل من على الأرض جميعا، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61].
كما أن في هذا الابتلاء دعوة إلى العودة إلى الله تعالى، وهو أنفع لدين العبد، كما أن في الابتلاء يشتد الناس في التمسك بالدين ويكثرون الدعاء لله، وفيه دعوة إلى التضامن الاجتماعي ومد يد العون للمنكوبين، وفيه تحقيق وحدة المسلمين، وفيه إيقاظ لفكرة التسليم لأمر الله تعالى وضعف الجنس البشري، وأنه مهما أوتى من علم؛ فهو عاجز أمام قدرة الله تعالى.