من الأعمال الخاصة بالصلاة والتي دلت عليها الأدلة، أن يقول المأموم الذي يقتدي بإمامه عند رفع من الركوع “ربنا ولك الحمد”، واختلف الفقهاء في حكمه بين الجمهور الذين يرون أنه من السنن القولية في الصلاة، والحنابلة الذين يرون وجوبه، والحاصل من القولين، أن هذا الدعاء مطلوب من الإمام والمنفرد والمأموم على حد سواء، لكن السؤال الذي نريد بيانه هو فقه الزيادة على قوله: “ربنا ولك الحمد”، كما ثبت في حديث رفاعة وسيأتي ذكره لاحقا، فهل يجوز العمل بقبول الزيادة مطلقا في الذكر بعد الرفع؟
أما نص حديث رفاعة، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث رفاعة بن رافع، قال: كنا يوما نصلي وراء النبي – ﷺ -، فلما رفع رأسه من الركوع قال: “سمع الله لمن حمده”. قال رجل وراءه: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فلما انصرف قال: “من المتكلم؟ “. قال: أنا. قال: ” رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاِثينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أيُّهُمْ يَكْتبهَا أَوَّلُ”.
وهذا الحديث من أفراد البخاري، بل لم يخرج مسلم عن رفاعة في “صحيحه”، شيئًا ورفاعة بدري وأبوه نقيب بقي إلى إمرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
أما الحادثة فقد ذكر الطبراني أنها وقعت في صلاة المغرب، وسنده لا بأس به، قاله ابن حجر. ووقع في رواية أبي داود أن قائل هذا القول: هو رفاعة رضي الله عنه نفسه.
ونرى أن رفاعة رضي الله عنه ذكر أنه زاد على قوله “ربنا ولك الحمد” بعد الرفع من الركوع، وهذا يعد زيادة لم يعلّمهم إياها رسول الله ﷺ، وإنما اجتهد بها الصحابي في الصلاة، ولهذا السبب جاء السؤال عن القائل، تنويها إلى إصابته وفضل التحميد به، وتعلمه ممن حضر معه من الصحابة.
قال ابن حجر: والحكمة في سؤاله ﷺ له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه، فيقولوا مثله، واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور [فتح الباري: 2/287].
هل يجوز العمل بهذه الزيادة؟
– ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يسن للمصلي الزيادة على التحميد الوارد، والإتيان بصيغ أخرى من جنس التحميد مثل أن يقول: ” مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ” لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.
وله أن يزيد: ” أَهْل الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَال الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”. لما روى أبو سعيد الخدري قال: “كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع. قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد. أحق ما قال العبد – وكلنا لك عبد – اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
وصرح الشافعية باستحباب زيادة: “حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه”[1].
وهذه المسألة تتفرع من موضوع ” الزيادة في الذكر على ما ورد” جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»[2]:
الزيادة في الذكر المرتب شرعا على سبب، الأصل فيه الجواز عند الجمهور، ويتقيد بقيود تفهم مما تقدم، فمنها أن يكون صحيح المعنى لا يستلزم نقصا بوجه من الوجوه، وألا يكون مما علم أن الشارع أراد المحافظة فيه على اللفظ الوارد، فلا يزاد على ألفاظ الأذان وألفاظ التشهد ونحوهما، وأن يكون بمعنى ما ورد، وأن يكون مما يليق.
نقل ابن علان أن زيادات العلماء في القنوت ونحوه من الأذكار يكون الإتيان بها أولى، وفارق التشهد وغيره بأن العلماء فهموا أن المدار فيه على لفظه فلذا لم يزيدوا فيه، ورأوا أن الزيادة فيه خلاف الأولى بخلاف القنوت فإنهم فهموا أن للدعاء تأثيرا عظيما في الاستجابة فتوسعوا في الدعاء فيه.
وذكرت الزيادة على ألفاظ التلبية وما جاء حولها من اختلاف.
أما الزيادة على الذكر الذي ورد عند الاستواء من الركوع فقد قال عنها ابن حجر معلقا على حديث رفاعة رضي الله عنه: استدل بهذا على إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور.
وحيث ثبتت هذه الزيادة بالتقرير من النبي ﷺ فإنه يعد سنة يستحب الأخذ بها والعمل عليها، وأما الزيادة المطلقة بما لم يثبت بها النص، كأن يجتهد المصلي على نحو ما يعلمه الأئمة في دعاء القنوت في صلاة الوتر من أجل إطالة القيام فقد لا يسلم من الاعتراض.
[1] مغني المحتاج 1 / 166، كشاف القناع 1 / 348
[2] الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 240).