إني صائم.. إني صائم ..لأنني مسلم أومن يقينا بفريضة الصيام، وأومن بالله الذي فرضها وأشهد أنني راضٍ بما كتبه الله علي من الشرائع والأحكام التي جاء بها الإسلام. وعندما نتحدث عن فلسفة الصوم ومعنى الحرية نستحضر قوله تعالى “وَعسَى أن تَكرَهُوا شَيْئًا وَهُو خيرٌ لَكُمْ وعَسى أن تُحبُّوا شَيْئًا وهُو شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعلمُ وأَنتُم لا تَعلَمون” (البقرة: 216)؛ فالخير كل الخير فيما أنزله الله تعالى على عباده، لأنه هو الذي خلقهم، وهو الذي يعلم ما ينفعهم وما يُصلح أمورهم وما يحقق لهم السعادة والفرح في الدنيا والآخرة.

وأقول هذا الكلام لأنني سمعت ما من مرة عن مبادرات شبابية طائشة تحاول الإفطار في نهار رمضان عمدا وفي أماكن عمومية، إعلانا منهم عن إفطارهم ورفضهم للصوم، في إطار الحديث عن ماهية الصوم والحرية، واختيارا منهم لهذا السلوك زعما أنهم أحرار يفعلون ما يشاءون في علاقتهم مع الله تعالى وأحرار في أنفسهم يقومون بما تُملي عليهم إراداتهم، وهذا كلام باطل أريد به باطل.

أولا: نحن أحرارا فعلا، لأن الحرية هي أساس التكليف، فلا تكليف بدون حرية، قال تعالى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”؛ إذن فهناك مشيئة وإرادة فردية للإيمان بالله تعالى وقبول الدخول في ظل شريعة الإسلام، بل إن الحرية هي لب الحياة فلا تكون الحياة حقيقية إذا كان الإنسان عبدا أسيرا لا يستطيع القيام بالأمور التي يفكر فيها أو يريدها، فالإنسان الحر إنسان مفكر قادر على العمل والإبداع والإنتاج.

ثانيا: الإسلام شرع الأحكام وأمر بالتزامها حسب الاستطاعة “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه” وأعطى للفرد المسلم حريته في القيام بها، لأن تلك العبادات الفردية منها على وجه الخصوص كالصلاة والصيام والحج وغيرها .. هي عبادات لا يمكن للآخر أن يحاسبني على فعلها أو تركها، وإنما هو شأن فردي، لأن الله هو الحسيب الرقيب، إن قمت بها فلي أجر وثواب، وإن لم أقم بها فعلي وزر وعقاب.

ولكن إذا عزم أحد من المسلمين إلى المجاهرة بترك الصلاة والصيام وغيرها من العبادات والشعائر،ضمن مفهومه وتفسيره الخاص للصوم والحرية، وسعى إلى دعوة الناس إلى تركها والتمرد على من يمنعه من هذا الفعل المنكر، فهذا سلوك غير سليم وغير لائق، فهذا جحود بهذه الشعائر وليس فقط تماطل أو كسل عن القيام بها، وهو أمر لا يقبله الدين ولا القانون.

فإن المسلم حر في حدود فضائه الخاص، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر، لأن الصيام أصلا هو عبادة سرية لا يطلع عليها أحد من الخلق، فما الفائدة من إعلان الإفطار في نهار رمضان، صم أو تلا تصم ذاك شأنك الخاص، مثال ذلك الصلاة فهناك الآلاف من أبناء المسلمين لا يصلون، ولكن لا أحد يفرض عليهم أداء الصلاة بالقوة، ولا أحد قادر على معاقبتهم على فعلهم فهي حرية فردية والأمثلة كثيرة ..

ثالثا: هذه المبادرات هي أفعال شنيعة دخيلة على ثقافة هذا المجتمع المحافظ العريق، تسعى إلى زعزعة استقراره، والمساس بالأمن الروحي للمغاربة، واستفزاز نفوسهم وصدورهم النقية، وخدش هويتهم الإسلامية، وتضليل أبنائه، وزرع الفتنة في صفوف شبابه الملتزم.

وهذه المبادرات كمثيلاتها من المبادرات التي تدعوا إلى تحرير الممارسة الجنسية ومقاطعة عيد الأضحى وغيرها من الشعائر التعبدية، وهذا الفعل مجاهرة بالمعصية في حق الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول : يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه” وقد روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله”، خرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالرسول لم ينكر على فاعل المعصية معصيته ولكن دعاه إلى التزام الستر في حالة الوقوع فيها وعدم الجهر بها أمام الناس، فهو القائل في سنته “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم.