يقول الفيلسوف الفرنسي  “رينيه ديكارت” : “العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس ” أي أن العقل قوة فطرية موفورة  لدى الناس جميعا ، والإنسان العاقل قادر على تمييز الحق من الباطل، و المقصد من هذا هل من المنطق والتعقل  إقصاء المرأة من مجال الإبداع الفلسفي فالفلسفة ممارسة إنسانية تمجد الذات المفكرة مهما كان جنسها ،وما الفلسفة إلا إعمال العقل في مختلف نواحي الفكر والحياة والواقع ، فكانت نصوص الحداثة يتغلب عليها الطابع العقلي على العاطفة لاعتبار العاطفة ما هي إلا أوهام وأصنام لابد من تحطيمها على سبيل المثال نجد نيتشه رفضه للمرأة كموجود ، بالتالي كان تاريخ الفكر الفلسفي منذ البدء مبرزا تسيد أحد الطرفين على الآخر وتهميشه واستبعاد مساهمته في الرؤية وإنتاج المعرفة مما أدى إلى رؤية أحادية للعالم .

والحق أن تفحص أعمال ومقالات  المفكرة الفرنسية يظهر مدى إبداعها الفلسفي  المنفرد خاصة في كتابها التجذر الذي يفتح آفاق للدعوة إلى قيم إنسانية عالمية ، يمكن طرح التساؤلات التالية: ماهي القيم العالمية التي يمكن بناء حضارة إنسانية عالمية؟ وما الحلول التي قدمتها إزاء هذه الحضارة المعلولة ؟

القيم الكونية عند سيمون فايل

    نجد في كتابها التجذر للإعلان الواجبات تجاه الكائن الإنساني الذي كتبته في لندن قبل رحيلها ، هو كتاب في الفلسفة السياسية وتفكر في الوضع البشري ،يطرح قيم عالمية لمشروع حضارة إنسانية ، تدرس سيمون أسباب أمراض العالم الحديث وتمزق المجتمع المعاصر ، و اعتبرت التجذر حلا لمشكلات الإنسانية وحلا لمشكلة الاقتلاع، لذا القيم التي تدعو الانسان الاحتذاء بها ابتدأت بأول قيمة في كتابها التجذر.

قيمة الواجب في الوعي العالمي

الواجب سابق لمفهوم الحق تقول سيمون فايل “الواجب يسبق مفهوم الحق ، فهو تابع له ومرتبط به ، فالحق ليس فاعلا بذاته ، بل فقط بالواجب الذي يقابله [1] ،  لذا تعتبر الحقوق تكون دائما مرتبطة ببعض الشروط أما الواجب وحده غير مشروط “.

يمكن للواجب وحده أن يكون غير مشروط إذ يتوضع في مجال يتجاوز كل الشروط لأنه مجال يتجاوز هذا العالم” [2] وهنا نجد فكرة الواجب الغير المشروط عند سيمون فايل تطابق فكرة كانط في الواجب الأخلاقي “ذلك أن الواجب ينبغي أن يكون ضرورة عملية غير مشروطة للفعل أي ينبغي أن يكون صالحا لكل الكائنات العاقلة “[3]  ، حيث يوجد واجبات تجاه كل كائن إنساني ، هو واجب ثابت لا يتغير وغير مشروط و مطلق وليس له أساس أي لا يقوم لا على أعراف ولا اجتهادات ولا تحدده البنية الإجتماعية ولا تراث الماضي.

قيمة الجماعة

    أكدت سيمون فايل على قيمة الجماعة تقول : “ينبغي احترام الجماعة أيا كانت وطنا أو عائلة أو غير ذلك ليس لذاتها إنما لكونها غذاء لعدد من النفوس البشرية “[4] ذلك أن الجماعة الأداة الوحيدة التي تحمل معاني روحية وتجد جذورها في الماضي لهذا اعتبرت سيمون فايل أن الجماعة ليست غذاء لنفوس الأحياء فقط بل للنفوس الذين لم يلدوا بعد إذن تنقل الحاجات من جيل إلى جيل هذا ما نلمسه في الرؤية الإسلامية لأن الإسلام جعل التمسك بالجماعة من أسباب تقوية الايمان والحفاظ عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لن تجتمع أمتي على الضلالة أبدا فعليكم بالجماعة فإن يد الله فوق الجماعة “.

ذكرت سيمون حاجات النفس البشرية إلى أربع عشرة وفي هذه الورقة البحثية أخذنا  بعض القيم التي نادت بها سيمون فايل في مشروعها الحضاري الكوني.

الوسطية

أولا: النظام وهو أولى الحاجات للنفس خاصة حين تتعارض الواجبات فيتيه الإنسان في هذه الفوضى والتناقضات من الواجبات فلابد أن تنتظم هذه الأزواج من الأضداد وتتآلف في توازن ، مثلا حاجة الإنسان إلى راحة ونشاط ، أو دفئ وبرودة.

ويتيح النظام ميزتين :

1- “ينبثق الإحساس بمختلف الواجبات عن رغبة في الخير ،فريدة ،ثابتة ،تلك الرغبة تفعل في عمق ذاتنا تمنعنا من الاستسلام للمواقف التي تتعارض فيها الواجبات”. [5]

2- نعتمد على منهج الوسط لا إشباع لكل من الضدين وهو فن الإعتدال الذي نادى به أرسطو أن الوسطية كطريق للفضيلة وذلك لضبط النفس وتناسق الرغبات ، تقول سيمون: “الحاجة الأولى للنفس وهي النظام يعني نسيجا من العلاقات الإجتماعية بحيث لا يكون أحد مرغما على انتهاك واجبات صارمة لتنفيذ واجبات أخرى لأن النفس في تلك الحالة لا تعاني إلا من عنف روحي “. [6]

قيمة الحرية

قيمة من القيم الكونية و التي كانت مطلبا من مطالب الثورة الفرنسية نجدها في مفهوم الحرية عند سيمون فايل ” أنها غذاء لا غنى عنه للنفس البشرية “[7] كما ترى أن الحرية في الواقع هي إمكانية الخيار وعلى الرغم أنها مقيدة في الواقع إلا أنها حرية الناس الذين يملكون إرادة طيبة فهم يملكون حرية تامة في داخلهم .

قيمة الطاعة

وهي حاجة حيوية من حاجات النفس البشرية ،لذا نجد سيمون تضع نوعين من الطاعة وهي طاعة القوانين السائدة  والثانية طاعة القادة الذين يتولون قيادة الجماعة وتشترط هذه الطاعة الموافقة وليس مصدرها الخوف أو العقاب لذا الطاعة غذاء للنفس والحرمان منها يروم إلى المرض “إن الذين يخضعون جماهير بشرية بالإكراه والوحشية إنما يحرمونها في الوقت نفسه من غذائين حيويين هما الحرية والطاعة “. [8]

قيمة المسؤولية

   هي غذاء للنفس والحرمان منها هي حالة العاطل عن العمل “شعور المرء بأنه مفيد وحتى بأنه لا يستغنى عنه ،هي حاجات حيوية للنفس البشرية”. [9]

قيمة المساواة

   وتعرفها سيمون “يقوم تكافؤ الفرص على نوع من التوفيق أو الجمع بين المساواة و اللامساواة “[10] وهكذا تكون فرصة كل إنسان مكافئة لفرصة الإنسان الآخر،لتأليف بين المساواة والإختلاف وتقدم لنا سيمون مثالا عن التوازن عن الجندي والجنرال أثناء الحرب “عندما يمتلك الجيش الروح المعنوية التي ينبغي فإن الجندي يكون سعيدا وفخورا بكونه تحت النارلا في المقر العام ، ويكون الجنرال سعيدا وفخورا بأن مصير المعركة يعتمد على عقله ،وفي الوقت  نفسه يعجب الجندي بالجنرال ويعجب الجنرال بالجندي ،مثل هذا التوازن يشكل مساواة”.[11]

الشرف

حاجة حيوية للنفس وكل اضطهاد يؤدي إلى جوع لحاجة الشرف “الشرف له علاقة بكائن إنساني معتبر ليس بالنظر إلى كونه إنسانا ببساطة ولكن بالنظر إلى محيطه الاجتماعي ” [12] كما يمنح الشرف للإنسان ” وتشبع هذه الحاجة إشباعا إذا قدمت كل جماعة للكائن الإنساني الذي ينتمي إليها مشاركة في التراث السامي المتضمن في ماضيها والمعترف به علنا خارجها “. [13]

العقاب

العقاب حاجة حيوية للنفس خاصة العقاب على الجريمة “بالجريمة يضع نفسه خارج شبكة الواجبات الثابتة التي تربط كل إنسان بجميع البشر الآخرين ولا يمكن إعادة اندماجه فيها إلا بالعقاب بصورة كاملة ” [14] مثل الذي يعاني من الجوع لابد إطعامه كذلك الذي خرج عن القانون لابد إعادة دمجه وذلك بالعقاب، فبه ندخل قيمة العدل في نفس المجرم وذلك بالألم الجسدي.

حرية التعبير

حاجة من حاجات العقل والنفس الإنسانية ،”تتطلب حماية حرية الفكر أن يكون ممنوعا بموجب القانون على الجماعة أن تعبر عن رأي لأنه عندما تبدأ الجماعة بامتلاك أراء تميل لا محالة إلى فرضها على أعضائها  “[15] إذن حرية الرأي عند سيمون هي حرية فكر الفرد لا حرية فكر الجماعة لأن حرية فكر الجماعة هي إلغاء لحرية فكر الفرد.”فالعقل يهزم بمجرد أن تتصدر الكلمة الصغيرة “نحن”التعبير عن الأفكار صراحة أو ضمنا وعندما يخبو نور العقل بعد وقت قصير يضل حب الخير طريقه”[16]

قيمة الأمن

   الخوف والرعب مرضان لموت النفس الإنسانية “الأمن أن لا تقع النفس تحت وطأة الخوف والرعب تضع سيمون فايل أسباب انعدام الأمن: البطالة،أو القمع البوليسي،أو وجود محتل أجنبي، أو أي بلاء آخر”.[17]

قيمة الحقيقة

تقول سيمون “الحاجة إلى الحقيقة هي أقدس من أي حاجة “[18] وتدعو إلى تقديس قيمة الحقيقة في المجتمع خاصة ما تنقله وسائل الإعلام للجهور من حقائق أو ما يقرؤوه الأفراد في الكتب من معارف من دون تأكد إن كانت فكرة حقيقة أم كذب وأن تقوم المحاكم  بمراقبة وسائل الإعلام التي تشوه الحقائق بشكل مستمر، كما تنوه سيمون فايل على ضرورة نزاهة القضاة لذا تقول : “أن يتمتعوا بالطبيعة بعقل واسع وصاف ودقيق وأن يكونوا قد تأهلوا في مدرسة تلقو فيها تربية ليست حقوقية ،بل تربية روحية قبل كل شيء وفكرية بالدرجة الثانية ويكونوا قد تعودوا على حب الحقيقة”. [19]


سيمون فايل ،التجذر ،مرجع سابق ،ص10[1]

المرجع نفسه،ص10[2]

امانويل كانط ،تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق ،تر:عبد الغفار مكاوي،دار القومي للطباعة والنشر،القاهرة، 1965،ص68[3]

المرجع نفسه ،ص16 [4]

 المرجع نفسه ،ص19[5]

المرجع السابق،ص19[6]

المرجع السابق ،ص21[7]

المرجع نفسه،ص23[8]

المرجع نفسه ،ص24[9]

المرجع نفسه ،ص25[10]

المرجع السابق،ص26،27[11]

المرجع نفسه ،ص29[12]

المرجع نفسه ،ص29[13]

المرجع نفسه ،ص31[14]

 المرجع السابق ، ص36[15]

 المرجع نفسه ،ص36،37[16]

 المرجع السابق ، ص42[17]

 المرجع نفسه،ص46[18]

 المرجع السابق،ص48[19]