يعتبر الشيخ الفقيه المقرئ السعيد اليجري الجزائري أحد أعلام الجزائر البارزين، خاصة في مهنة التدريس، حيث كان معلما للقرآن الكريم واللغة العربية لسنوات طويلة، فاشتهر في عصره بإلمامه الواسع بقواعد اللغة العربية، حتى لُقب بـ”قادوم النحو”. ومعروف عنه أنه إمام ولغوي ونحوي ومقرئ وفقيه ومصلح.

قضى الشيخ المقرئ السعيد اليجري عليلي 53 سنة في مهنة التدريس، جال خلالها في حوالي 12 اثنتي عشرة منطقة. وقد آمن اليجري دائما أن رسالته في هذه الحياة هي تربية النشء و تعليمه، واضعا نصب عينيه إعداد رجال أقوياء العقيدة و الإيمان، متشبعين بأخلاق القرآن، مسلحين بالرجولة و الوطنية الصادقة، مركزا على تنمية جوانب القوة في التلميذ و تقويم أخلاقه و تصويب سلوكه حتى يستقيم على الصراط السوي، مستهدفا التربية العقلية والخلقية والعملية لإعداد مواطنين صالحين يعتمد عليهم في أداء رسالتهم في هذه الحياة والنهوض بمسؤولياتهم بإخلاص ونزاهة ووفاء، فبالعلم والعمل والأخلاق يكون التقدم و الرقي.

من هو الشيخ المقرئ السعيد اليجري؟

هو سعيد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد (1597 م) بن علي بن موسى. لقبه العائلي هو عليلي نسبة لجده الأعلى علي بن موسى، الذي عاش بين سنتي 1523 م و1605 م، وينسب له تأسيس قرية “آث ميزار” .
ولد سنة 1290 / 1873 م. توفي في 5 محرم 1371 / 5 1951 م.
أما اسم شهرته فهو السعيد اليجري، وذلك نسبة إلى عرش “بني يجر” أين ولد في قرية آث سيدي احمد واعلي . ويقع هذا العرش حاليا بـبلدية بوزقن (ولاية تيزي وزو). كما قد يلحق باسمه أحيانا الزواوي نسبة إلى قبيلة زواوة المعروفة.

أخلاقه وصفاته

كان الشيخ اليجري لطيف المجالسة، حسن المعاشرة، طيب اللسان، نقي السريرة، حاد الذكاء، حاضر البديهة ومرهف الحس، كان وطنيا، مجاهدا بالكلمة الصريحة الحاسمة لا يخاف فيها لومة لائم، عرف بعلو همته وعزة نفسه وشهامته ومروءته، لكنه في المقابل كان متواضعا، خافضا للجناح متنكرا لذاته، بسيطا، غير محب للتفخيم والألقاب.

حياته الدعوية

جاهد الشيخ اليجري في مجال الدعوة إلى الإسلام الصحيح و نبذ البدع والخرافات وبث الوعي الديني والوطني، كان دائما يذكر بعظمة الإسلام وسمو مبادئه ونبل أهدافه وغاياته، وأن تخلف المسلمين إنما كان نتيجة ابتعادهم عن الإسلام وتخليهم عن قيمه الروحية السامية، لقد دأب على الدعوة إلى حفظ الماضي وصيانة الحاضر وبناء المستقبل، كان يدعو إلى العمل الصالح وحب الخير ونشره بين الناس دون ملل أو استكثار.

لقد كان الهدف من مشواره الدعوي إنارة الطريق نحو غد مشرق للإسلام الصحيح والعلم النافع والأخلاق الفاضلة وتحرير العقل من الأباطيل والأوهام والتوجيه نحو حياة العزة والكرامة في ظل الشريعة الإسلامية الغراء.

ولم يغفل الاحتلال الفرنسي عن نشاطه ومحاولة مضايقته، لكن ذلك لم يثن الشيخ اليجري عن النهوض بمهمته في الإرشاد وزرع الأمل في نفوس أبناء جلدته وتهذيب العلاقات الاجتماعية بينهم أفرادا وجماعات وتعزيز عرى الأخوة والتضامن والتعاون فيما بينهم في مواجهة تحديات الحياة من جهة و في مواجهة دسائس الاحتلال الرامية إلى إفراغ السكان من مقوماتهم الدينية و اللغوية من جهة أخرى.

علومه ودراسته

درس الشيخ السعيد اليجري على يد والده الشيخ: علي الزواوي، الذي كان معلما للقرآن الكريم واللغة العربية وإماما بمسجد قرية “إحيطوسن” ثم بقرية “كريمة” بعرش بني يخلف بدائرة بوقاعة، والتي انتقل إليها بأمر من الشيخ محمد أمزيان بلحداد وبطلب من سكان القرية نفسها.

تلقى الشيخ اليجري المبادئ الأولى للقراءة و الكتابة و ما تيسر من القرآن الكريم على يد والده، لينتقل بعدها سنة 1888م إلى زاوية عبد الرحمن اليلولي، حيث حفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما وتجويدا بروايات مختلفة، كما حفظ عدة متون في الرسم والقراءات وفي العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وفي علم الشريعة من فقه وحديث وفرائض.

شيوخه

درس الشيخ اليجري على يد رجال مشهود لهم بالعلم والصلاح، وبمستوى علمي رفيع، نذكر منهم:

  • الشيخ علي بن محمد اليجري: وهو والده تعلم عليه الشيخ السعيد اليجري مبادئ القراءة والكتابة. قبل أن يرسله إلى زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي ليدرس بها ابتداء من سنة 1305/1887 م إلى غاية سنة 1313/1895 م.
  • الشيخ الصادق بن زكري (أو البسكري) الذي تولى فيما بعد منصبا في الإفتاء.
  • الشيخ الشريف الإفليسي (ت 1918 م).
  • الشيخ الطاهر القيطوسي الحضيري الذي اشتهر بالتضلع في القراءات وفي قواعد اللغة العربية خاصة علم النحو، كانت حياته جهادا متواصلا في ميدان التربية والتعليم، وكان شعاره من المحبرة إلى المقبرة.
  • الشيخ محمد السعيد بن زكري (ت 1914 م) المفتي المالكي بالجزائر العاصمة، والأستاذ المدرس بالمدرسة العليا (الثعالبية) بالجزائر. حافظ للحديث، إمام في علمي التوحيد والفقه على مذهب الإمام مالك، عكف طول عمره على التعليم والإرشاد والإفتاء والخطابة، صاحب رسالة: “أوضح الدلائل على وجوب إصلاح الزوايا ببلاد القبائل”.
  • الشيخ عبد القادر المجاوي، إمام مسجد سيدي رمضان بالقصبة، والأستاذ المدرس بالمدرسة العليا (الثعالبية)، المتطوع لإلقاء شتى الدروس، على الطلبة الأحرار، في مساجد الجزائر .
  • الشيخ السعيد بالحريزي القلي الذي التقى به سنة 1914 م، ودرس عليه الأصول والفقه بقسميه العبادات والمعاملات معتمدا على مختصر خليل بن إسحاق الجندي المالكي . وقد أجازه شفويا بداية ثم كتابيا في شهادة (بخط يده) تنوه بكفائته، ودرجة تحصيله، وقدراته على القيام بمهام التعليم والتدريس.

ولقد أحب الشيخ اليجري مشايخه، فكان لا يفتأ يذكرهم بالإعجاب وينوه بفضائلهم ويبالغ في الثناء عليهم والإشادة بأخلاقهم ومآثرهم، يمجدهم ويذكر كفاءتهم وانجازاتهم في مجال التربية والتعليم ويدعو إلى التحلي بأخلاقهم والاقتداء بهم.

تلاميذه

تتلمذ على يد الشيخ السعيد اليجري العديد من طلاب العلم في كامل ربوع الجزائر نذكر منهم بعض الأسماء التي تقلدت مناصب مرموقة وتجاوزت شهرتها حدود الدولة:

  • الشيخ العلامة محمد الطاهر آيت علجت
  • الشيخ الأستاذ باعزيز بن عمر (1906 ـ 1977 م)
  • الشيخ عمرو العنابي اليلولي
  • الشيخ محمد أمزيان الثعالبي (1914 ـ م)
  • الشيخ الهادي زروقي (1892 ـ 1959 م).
  • الشيخ الأستاذ محمد الصالح الصديق
  • الشيخ عبد الرحمان حامي
  • الشيخ محمد أرزقي حملات الأمعوشي
  • الشيخ سي محند الخلفاوي
  • الشيخ محمد العربي الحضيري .

تواصله مع فئات المجتمع

بالإضافة إلى مهام التدريس كان على الشيخ المقرئ السعيد اليجري، وهو ما يطلبه المجتمع من نخبته، أن يستقبل الزوار في داره، الذين كانوا يأتونه طلبا لفتوى أو نصيحة أو لعرض قضية شائكة يبحث أصحابها عن حل أو حتى مساعدة مادية. وأهم دور كان يقوم به العالم هو المصالحة بين المتخاصمين، خاصة في فترة كتلك عم فيها الجهل.

وكان عليه أن يفتح صدره للجميع، ويسهر على تلبية هذه المطالب قدر المستطاع، دون ضجر أو ملل. كما كان له موقع في السوق الأسبوعية التي كانت تعقد أيام الثلاثاء بقرية “آث يجر” للنظر في مشاكل القرويين، وقد يضطر أحيانا إلى الانتقال إلى القرى لحلها في عين المكان بمعية أعيانها.

الاتصال بالشيخ عبد الحميد ابن باديس

زار الشيخ عبد الحميد بن باديس مدينة عزازقة سنة 1925 م، وكان الشيخ السعيد اليجري في استقباله. وقد رد له هذه الزيارة سنة 1929 م، كتب عنها الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلة الشهاب (ج 9، المجلد 5، 1929 م) مقالا بعنوان الشيخ السعيد بن علي الزواوي في قسنطينة، جاء فيه “تشرفنا بزيارة فضيلة الشيخ السعيد بن علي أيجّر، العالم الزواوي المدرس بزواياها، فرأينا منه عالما مصلحا، وحدثنا في مواضيع شتى، من مواضع الإصلاح الديني والتعليمي. ومما يستحسنه الشيخ – حفظه الله – ويرجو منه الخير للدين والوطن. قال ينبغي أن يجتمع وفد من أكابر العلماء المصلحين بالقطر، ويشرع في سياحة عامة نظامية، الغاية منها تذكير الناس وتشويقهم لمناهل العلم الصحيح، وإزالة الظنون الفاسدة وسوء التفاهم بين الناس، وتعويضها بالأخوة والوئام مثل ما بلغنا عما يقوم به الأستاذ الشيخ ابن باديس صاحب هذه المجلة الراقية. والغرض من سفر هذا الشيخ الوقور هو حب الاطلاع والاجتماع برجال العلم والأدب”.

ماهي علاقة الشيخ اليجري بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟

كان من بين أعضاء الجلسة التمهيدية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كان عليها اختيار مجموعة من الشيوخ، كمرشحين لانتخاب الهيئة الإدارية للجمعية طريقة الاقتراع، فألقي عليها اقتراح باختيار جماعة معينة، وقع الإجماع على اختيارها، وهذا أسماؤهم، وهم الأساتذة
عبد الحميد بن باديس ، محمد البشير الإبراهيمي ، الطيب العقبي ، محمد الأمين العمودي ، مبارك الميلي ، إبراهيم بيوض ، المولود الحافظي ، مولاي بن شريف ، الطيب المهاجي ، السعيد اليجري، حسن الطرابلسي ، عبد القادر القاسمي ، محمد الفضيل اليراتني . (مجلة الشهاب، ج 5، المجلد 2، محرم 1350 / ماي 1931 م).
ورغم مساهمته في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إلا أنه انسحب منها، لينظم إلى جمعية علماء السنة، بسبب اختلاف في الرؤى.

المراسلات العلمية

بالرغم من انشغاله التام بالتعليم، وبالرغم من وجوده في منطقة معزولة نسبيا، إلا أنه مما يلاحظ أنه كانت له مراسلات علمية مع عدد كبير من العلماء، منهم من كانت تربطه علاقة التتلمذ أو الأستاذية أو الصداقة.

تراسل الشيخ اليجري مع عدد من الشخصيات حول جملة من القضايا:الفكرية والتاريخية والأدبية والدينية والتربوية والتعليمية في متابعة منهم لأحداث الساعة بوعي وحس مرهف، يتبادلون الآراء ويتشاورون في مختلف المسائل مواكبين الحياة فيما جد فيها وما تعاقب على ساحتها، ومن أبرز الشخصيات التي تراسل معها نذكر: الشيخ السعيد أبو يعلى الزواوي والشيخ أبو القاسم البوجليلي العباسي والشيخ السعيد البهلولي الورثلاني والشيخ عبد القادر المجاوي والشيخ الصادق بن زكري الجنادي والشيخ محمد البشير الإبراهيمي.

وقد امتدت أيادي التخريب إبان الاحتلال إلى تلك الثروة من الرسائل، والتي لو بقيت لسلطت أضواء ساطعة على حقبة من تاريخ الجزائر المعاصر، وعلى كثير من جوانب الحياة الفكرية والسياسية السائدة في تلك الحقبة من الزمن، والنشاط الحثيث الذي ساد البلاد خاصة مرحلة الإعداد لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وفاته

أصيب الشيخ المقرئ السعيد اليجري بمرض أقعده الفراش مدة أربعة وثلاثين يوما، ليلفظ أنفاسه الأخيرة ويلقى ربه يوم الجمعة 05 محرم 1371هـ الموافق لـ: 05 أكتوبر 1951م، وشيعت جنازته في موكب مهيب، وصلى عليه الشيخ أرزقي أبو يعلى الزواوي، ودفن في مقبرة العائلة بقرية “آيت سيدي أحمد وعلي.