جاءت الإشارة إلى القلب في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، ومع عدد من الضمائر المختلفة حوالي (132) مرة، وجاءت لفظة (صدر) في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، وبالإسناد إلى عدد من الضمائر بمعنى القلب حوالي (44) مرة، وهي إشارات تؤكد أن للقلب وظائف عديدة غير كونة مضخة للدم فقط، إذ تدل عدد من الآيات أن القلب هو مناط كل من العقل والبصيرة، قال تعالى: “لهم قلوب لا يفقهون بها” وقال تعالى:” أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ” .
كان الأديب “باولو كويلو” في روايته “الخيميائي” ينصح بالإصغاء للقلب، ويقول:” حيث يكون قلبك يكون كنزك، وأنك لن تتوصل أبداً إلى إسكاته، حتى لو تظاهرت بعدم سماع ما يقوله لك، سيبقى هنا في صدرك، ولن ينقطع عن ترديد ما يفكّر به حول الحياة والكون”.
القلب ليس مضخة The Heart is Not a Pump ، هذا ما توصلت إليه الأبحاث العلمية في العقود الثلاثة الأخيرة، فهو مركز للتعقل والتفكير والإدارك، ومصدر الحكمة والذكاء، والتواصل مع القلب يحقق التوازن في حياة الإنسان، إذ يعد القلب مركزًا شديد التعقيد لمعالجة المعلومات، وله دماغ وظيفي خاص به، يُطلق عليه “دماغ القلب” وله تأثيره على وظائف المخ ومعظم أعضاء الجسم الرئيسية، والرسائل التي يرسلها القلب إلى الدماغ يمكن أن تؤثر على أداءه، وأثبتت الأبحاث الحديثة أن القلب يتواصل مع الدماغ بطرق تؤثر بشكل كبير على كيفية إدراك الإنسان للعالم وردود أفعاله تجاهه.
القلب عقل كبير
تشير الأبحاث الطبية الحديثة أن في القلب عقلا يتألف من أربعين ألف خليه عصبية، وهي توجه الدماغ الموجود في الرأس لأداء مهامه، وأنه فى كل نبضة ينبضها القلب يولّد طاقة مغناطيسية تفوق الطاقة المغناطيسية للمخ بخمسة آلاف ضعف، وبها يتواصل مع المخ ومع باقي أجزاء الجسم، فالقلب يتحدث مع المخ، وينسق معه جميع أنشطته، كذلك يعمل القلب كجهاز تخزين للمعلومات والمشاعر والعواطف، هذا ما يؤكده البروفيسور بول بيرسال Paul Pearsall في كتابه “شيفرة القلب” The Heart’s Code فالقلب ليس مجرد مضخة، ويحكي الكتاب قصصا لأشخاص تم زراعة قلوب لهم، وكيف أن جزءا من الذاكرة العاطفية للإنسان فقدت مع تلك الزراعات، يقول المؤلف: “القلب جوهر وجودنا، ومقر روحنا”.
وقد تحدث النمساوي “رودولف شتاينر” المتوفى 1925 عن القلب كمصدر للإلهام، وضرورة الانتباه للقلب كمصدر للتفكير العميق والتأمل، وذلك قبل أن تؤكد الأبحاث الطبية عن وجود خلايا عصبية للتفكير في القلب تفوق الموجودة في الدماغ، وذلك في كتابه ” التفكير بالقلب” وقدم في ذلك الوقت المبكر نصائح للتمرين على التفكير بالقلب، من خلال التأمل والتفاعل مع الظواهر الطبيعية، وكان أرسطو يقول:” لا يوجد تعليم للعقل بدون القلب”.
وفي كتاب “مصفوفة العقل والقلب” حديث عن قدرة القلب على إلهام العقل لطرق جديدة وجيدة للتفكير، وقدرة القلب على توفير نظام إدارك متماسك عاطفي وعقلاني في ذات الوقت، وهنا ينصح الكتاب بضرورة الاتصال بذكاء القلب، فهو يضمن اتصالا واعيا بالكون، ويلخص فكرته ليقول:”يمكننا أن نحيا بعقولنا وقلوبنا”، وهو ما يساهم في التطور الروحي للإنسان.
والحقيقة أن القلب له دور في الإدارك يفوق دور العقل، وربما هذا ما جعل الفراعنة في تحنيطهم يتركون القلب في الصدر، بينما ينزعون الدماغ من الرأس؛ اعتقادا منهم في قوة القلب الإدراكية، ولذلك تشير بعض الأبحاث الطبية أن جزءا من عواطف الإنسان يتلاشى مع تغيير القلب في العمليات الجراحية الحديثة، فهناك وعي في ذلك القلب، فالأشخاص الذين أجريت لهم عمليات زراعة قلب تغيرت مشاعرهم؛ بل إن بعضهم اكتسب صفات أصحاب القلوب الأصلية، في تفضيل بعض الأشياء، فالعجوز الذي وضع في صدره قلب شاب أصبح أكثر ميلا لما يفضله الشاب في أنواع معينة من الموسيقى، فالقلب مستودع معلومات، ولاحظ الباحثون هذه الظاهرة الغريبة في تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب، والتي تعد عميقة لدرجة أن المريض بعد العملية تحدث له تغيرات جذرية في معتقداته.
ويحكي كتاب “قصص من القلب” Stories of the Heart خمسون قصة لأشخاص أجريت لهم عمليات نقل قلب، يتحدث فيها بعضهم عن مشاعر جديدة لم يكن يعرفها قبل إجراء زرع القلب، ولعل من حكمة الخالق-سبحانه وتعالى- أن القلب يُخلق قبل الدماغ في الجنين، ويبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت الإنسان، ولوحظ أثناء عمليات زرع القلب، عندما يضعون القلب الجديد في صدر المريض يبدأ بالنبض على الفور دون أن ينتظر الدماغ حتى يعطيه الأمر بالنبض.