يتم الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية، في يوم 10 أكتوبر من كل عام، وذلك لإذكاء الوعي العام بقضايا الصحة النفسية، وإجراء مناقشات أكثر انفتاحاً بشأن الأمراض النفسية وتوظيف الاستثمارات في الخدمات ووسائل الوقاية على حد سواء.فما الصحة النفسية وما أهميتها و ماهي أعراضها وأهدافها ومعاييرها وما الفرق بين الصحة النفسية والصحة العقلية؟.

وتشير الإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في عام 2002 إلى أنّ 154 مليون نسمة يعانون من الاكتئاب على الصعيد العالمي، علما بأنّ الاكتئاب ليس إلاّ أحد أنواع الأمراض النفسية. وكان أول الاحتفالات في عام 1992 بناء على مبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وهي منظمة دولية للصحة النفسية مع أعضاء وشركاء في أكثر من 150 بلدا.

ماهو علم الصحة النفسية وماهي أهميته؟

في اليوم العالمي للصحة النفسية يجدر بنا أن نعرف علم الصحة النفسية، وهو ذلك ذلك العلم الذي يعني بوصول الإنسان إلى حالة من التوافق النفسي مع ذاته ومع الآخرين وقدرته على مواجهة الأزمات المختلفة بشكل إيجابي وتوفير الحلول لها مع الإستعمال الأمثل لطاقاته الكامنة وتوظيفها للوصول إلى حالة أكثر استقرارا وتكاملا.

و لعلم الصحة النفسية أهمية قصوى، ذلك أن الصحة النفسية مهمة جدا للفرد فهي من جهة تؤدي إلى تحقيق التوافق والإنسجام والتكامل بين خصائص شخصية الفرد في جوانبها العقلية والإنفعالية ،وكذلك تساهم في استثمار طاقاته المختلفة على أتم وجه بما يحقق أهدافه في الحياة ويجعله يشعر بكيانه ووجوده فهي بذلك أساس لممارسة الإنسان لدوره في الحياة، فالطالب والمعلم والعامل والطبيب لا يمكن لكل منهم أداء دوره وفقا لما مطلوب منه و هو لا يتمتع بالصحة النفسية، كما تأتي اهمية الصحة النفسية في التأثير الذي تتركه في الصحة الجسمية للفرد، إذ أن التعرض للأزمات والضغوط النفسية قد يترتب عليه الإصابة بالعديد من الإمراض ذات المنشئ النفسي كالضغط والسكري وغيرها، كما يعد الإهتمام بها هدفا تربويا بحد ذاته لأهميته في تحقيق مختلف الأهداف التربوية.ومن هنا كان لزاما على المعنيين والمهتمين بشؤون التربية والتعليم نشر مفاهيم الصحة النفسية وترسيخها في نفوس الطلبة والمدرسين بما يساعد في تحقيق التوافق والإنسجام التام على المستويين الشخصي والإجتماعي .

ما الفرق بين الصحة النفسية والصحة العقلية؟

الفرق بين الصحة النفسية والعقلية كبير، وذلك على كل الجوانب، وأبرز هذه الاختلافات أن المريض النفسى يشعر بحالة أنه مسجون ولديه أزمة ولكن لا يستطيع حل المشكلة أما المريض العقلى لا يعرف أنه مريض أو يعانى من مشكلة ويتخيل أنه طبيعى.
في حالة المرض النفسي تسيطر على الشخص حالة من الكآبة والحزن وعدم التأقلم مع الآخرين، ولكن لا يتطور للانتحار مثلا (إلا نادرا) أما حالة المرض العقلى فيزيد فيها الشعور بالإقدام على الانتحار خاصة مع زيادة وتطور مراحل المرض، كما أن المريض النفسي لا يشكل خطرا على من حوله على عكس المريض العقلي الذى يضر بالآخرين.
 وفي مرحلة العلاج، ففي حالة المريض النفسي يتم استخدام العلاج المعرفى السلوكى ولا يُستخدم العلاج الدوائى إلا في حالات نادرة، أما في حالة المريض العقلي فيتم مباشرة إيداع المعني إلى المستشفى ويتلقى العلاج النفسي والدوائى.
ومن أبرز الاضطرابات النفسية: القلق والرهاب والهيستريا والوساوس والأفعال القهرية واضطرابات الشخصية والهوس. ومن أبرز الاضطرابات العقلية: الفصام والذهان وجنون العظمة بكل أنواعها.
أما بالنسبة للأعراض فكل اضطراب نفسى أو عقلى له أعراض منفردة ولكن هناك عوامل مشتركة فى الاضطرابات النفسية والعقلية.
ومن أعراض الاضطرابات النفسية: حالة من الكآبة، الصراع الداخلى، العزلة الاجتماعية، عدم التكيف مع المحيطين، عدم تقبل الذات،عدم تقبل الآخرين.
أما أعراض الإضطرابات العقلية فتبدو في : حالة من التشتت واختلاط فى الكلام، مشاعر اضطهادية، ضلالات وهلاوس سمعية وبصرية، رغبة فى الانتحار.

ما هي أهداف الصحة النفسية؟

تهدف الصحة النفسية للوصول للعديد من النتائج والأهداف يمكن إجمالها في فيما يلي:

  1. فهم الإنسان لنفسه ومشاعره وميوله والإزمات التي تعتريه والإمراض النفسية التي قد تصيبه.
  2. تبصيره بطرق العالج وترويض النفس.
  3. تساعد في فهم نفوس المجتمع الذي يحيط به وما يختلجهم من مشاعر او ازمات نفسية.
  4. تحقيق التوافق لدى الشخص النفسي والإجتماعي والشعور بالسعادة مع النفس ومع الإخرين.
  5. تحقيق الذات لدى الإفراد واستغالل قدراتهم بالإسلوب الإفضل.
  6. تدريبهم على مواجهة الحياة ومصاعبها ومشاكلها.
  7. الإخذ بيد الإنسان للوصول الى التكامل النفسي اي الشعور بالإطمئنان.

ماهي الفئات المستهدفة من الصحة النفسية؟

يستهدف علم الصحة النفسية فئات المجتمع كافة التي تعاني من اضطرابات نفسية، وعدم القدرة على التكيف زيادة على الإشخاص غير الإسوياء فلو سالتم انفسكم ماذا سوف تنفعكم دراسة الصحة النفسية ،لكان الجواب انها تنفعكم في ثالث محاور:

الفئة الإولى:أنفسكم، أي أنها تساعدكم في معرفة أنفسكم وما يشوبها من أزمات وآفات وأمراض نفسية وكيفية عالجها فقد ورد في الحديث الشريف :”من عرف نفسه فقد عرف ربه”. فكم منكم يعاني من صراعات نفسية لا يعرف حلا لها .

الفئة الثانية :المجتمع ،أن تساعدكم في معرفة المجتمع الذي حولكم من أهل وأصدقاء وأقرباء، وتفسير سلوكياتهم وانفعالإتهم وما يصدر عنهم وما يعانوه وكيفية مساعدتهم .

الفئة الثالثة: الطلاب ،فالطلاب لهم مشاعر وميول وتطلعات وحاجات وتصيبهم صراعات وأمراض نفسية وعد تكيف ،وهذا يؤثر على نفسيتهم وامزجتهم مما يؤثر على مستواهم الدراسي فمن الواجب عليكم ان تشخصوا ما يعانيه التالميذ من هذه الإزمات ومحاولة عالجها او التخفيف عنهم واستعمال الإساليب التربوية في التعامل معهم.

معايير الصحة النفسية

اختلفت وجهات النظر لدى العلماء المعنيين بدراسة علم النفس والسلوك في تحديد الشخصية السوية واللاسوية اذ تبنت كل مجموعة مجموعة من المعايير وساد في الأوساط العلمية عدد منها مثل:

المعيار الذاتي: ويعني أن كل مَنْ يخالفني في الرأي يعتبر شاذاً، وكل مَنْ يوافقني في الرأي يعتبر سوياً، وهو معيار ذاتي لا يمكن الوثوق في مصداقيته في الحكم على السلوك البشري.

المعيار الاجتماعي: ويتخذ من مسايرة المعايير الاجتماعية أساساً للحكم على السلوك، سواء أكان سوياً أم غير سوي، فالسلوك السوي هو السلوك المتوافق مع قيم المجتمع وعاداته، أما غير السوي فهو الذي لايتوافق مع تلك العادات والتقاليد الاجتماعية.

المعيار الإحصائي: وهذا المعيار يتخذ المتوسط أو الشائع مقياساً يمثل الحالة السوية، وبذلك تكون اللاسوية هي الانحراف عن هذا المتوسط زيادة أو نقصاناً، وهذا المعيار لايفرق بين الشخص العبقري والشخص الذي يعاني من التخلف العقلي.

المعيار المثالي: ويرى هذا المعيار أن الحالة السوية هي المثالية أو الكمال أو ما يقرب منه، واللاسوية هي الانحراف عن المثل الأعلى أو الكمال.

المعيار النفسي الموضوعي: يوصف السلوك وفقاً لهذا المعيار بالوظيفة التي يؤديها ضمن وحدة الشخصية، إضافة إلى دلالته. فإذا كان السلوك ذا دلالة وظيفية ويعمل بتناسق وانسجام مع مكونات الشخصية أطلق عليه سلوكاً سوياً، أما إذا كانت وظيفته ودلالته لايحكمهما هذا الاتساق أطلق عليه السلوك الشاذ.

عوامل وأسباب الإضطرابات النفسية

ما هي عوامل الخطر في الصحة النفسية؟ حيث يُعتقد أن الاضطرابات النفسية تسببها مجموعة من العوامل تشمل:

  1. عوامل مرتبطة بمرض جسدي أو إصابة جسدية، حيث يمكن أن يكون ضعف الصحة النفسية سبباً ونتيجة لمرض جسدي مزمن أو إصابة بدنية دائمة.
  2. عوامل نمط الحياة، حيث اعتبرت بعض خيارات نمط الحياة كقلة النشاط البدني وسوء التغذية أو زيادة الوزن سبباً وراء حدوث اضطرابات نفسية.
  3. عوامل بيولوجية وتغيرات هرمونية، حيث يعتبر عدم التوازن الكيميائي في الدماغ ومستويات بعض الهرمونات التي تتحكم بالمشاعر والمزاج عاملاً مساعداً..
  4. عوامل وراثية (جينية)، كما في حالة أمراض أخرى كثيرة تتأثر بالعوامل الوراثية كمرض السكري وأمراض القلب، فإن وجود جينات معينة أو تاريخ عائلي مع المرض النفسي قد يزيد من مخاطر الإصابة باضطراب نفسي.
  5. عوامل نفسية، يبدو بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بحالات نفسية. مثلا، الشخص الذي يقلق كثيراً، أو ثقته بنفسه ضعيفة، آو الذي ينشد الكمال أو الحساس تجاه النقد الشخصي، أو ينتقد ذاته، أو يتبع نهجاً سلبياً في الحياة يكون أكثر عرضة من غيره للتأثر.
  6. عوامل بيئية واجتماعية، يمكن أن يزيد التعرض للضغوطات البيئية والظروف من خطر ظهور اضطرابات نفسية:
  • الفقر أو تدني الوضع الاجتماعي
  • العزلة
  • التمييز و التفرقة
  • التكيف مع بيئة معيشية أو ثقافة جديدة
  • ظروف العمل الغير أمنه
  • العيش في بيئة ملوثة أو عدائية
  • بيئة العمل المجهدة والمثبطة
  • البيئة الأسرية او العملية غير الداعمة

الصحية النفسية وجائحة كورونا

كان لجائحة كورونا أثر فادح على الصحة النفسية للناس. و في الذكرة السنوية لليوم العالمي للصحة النفسية يتبين لنا أن بعض الفئات قد تضررت من ذلك بشكل خاص، بما يشمل العاملين في الرعاية الصحية وفي الخطوط الأمامية، والطلاب والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم وأولئك المصابين بحالات صحية نفسية أصلا. وفي الوقت ذاته تعطلت بشدة خدمات الصحة النفسية والعصبية وخدمات اضطرابات تعاطي مواد الإدمان.

غير أن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل. فأثناء جمعية الصحة العالمية المعقودة في مايو 2021، أقرّت الحكومات من جميع أقطار العالم بالحاجة إلى الارتقاء بنوعية خدمات الصحة النفسية على جميع المستويات. وقد ابتكرت بعض البلدان بالفعل سبلا جديدة لتقديم رعاية الصحة النفسية لسكانها.