على الرغم من الآثار الصحية والاقتصادية وحتى السلوكية التي يتسبب فيها تفشي فيروس كورونا عبر العالم، ثمة آثار أخرى هي عبارة عن ما يمكن تسميته بـلا”أدب الأوبئة” انتشرت بصورة مذهلة من خلال موجة من الأخبار والمقالات والتحليلات التي تتحدث عن أسماء وكتب وشخصيات وأفلام “تنبأت” أو تحدثت عن ظهورهذا الفيروس قبل عدة سنوات. فهل يقع هذا في خانة الصدفة؟ أم يمكن إدراجه في لائحة “نظرية المؤامرة”؟ أم هو مجرد توارد أفكار وتسابق مَرضي محموم للفوز بشهرة اكتشاف وباء يكاد يفتك بالملايين؟

 

منذ اللحظة التي بدأ فيها فيروس كورونا يدخل الخوف في نفوس المصابين به، والذين يخشونه، ارتفعت عدة أصوات من هنا وهناك في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي وشبكات الانترنت، تتحدث وكأن الأمر ليس جديدا، وبأنه كان فعلا منتظرا وقدرا محتوما.

“عيون الظلام” و”نبوءة” كونتز

أكثر الأعمال التي يجري الترويج لها حاليا، هي رواية “عيون الظلام” للكاتب الأميركي دين كونتز الذي أصبح الكثيرون يعتبرون أنه أول من توقع تفشي فيروس كورونا قبل 39 عاما، حيث أن الرواية نشرت أول مرة عام 1981. وازداد عدد المنشورات التي زعم أصحابها أنها منقولة من الرواية إلى أكثر من 40 ألف مشاركة في “فايسبوك”، وأكثر من 2000 تغريدة في “تويتر”، مشاركات أظهرت أن كونتز توقع في روايته انتشار فيروس يُطلق عليه “ووهان- 400″، وتحدث عن مؤامرة بنشر الفيروس في الكرة الأرضية “للحد من عدد سكان الأرض”. والقى الكاتب الضوء في كتابه على أن هذا الفيروس يعتبر “سلاحا مثاليا، فهو يصيب ويؤثر على البشر فقط، ولا يمكن لأي مخلوقات أخرى حمله..”

لكن عدة تقارير كشفت زيف إدعاء دين كونتز ومن يروجون لروايته، وقالت أن الرواية ظهرت في 1981 وتحدثت عن فيروس روسي معدل مختلف طبيا عن فيروس كورونا ثم طبعت عام ١٩٨٩ وغيرت المكان إلى الصين وليس فيها ذكر لعام ٢٠٢٠.

وأكدت وكالة “رويترز” أن كونتز تحدث في روايته عن انتشار فيروس غامض وخطير، إلا أن أعراضه وفترة حضانته تختلف كثيرا عن كورونا، إذ تستمر فترة حضانة فيروس كونتز الخيالي أربع ساعات، بينما أوضح الأطباء أن فترة حضانة كورونا تصل حتى 14 يوما. وقالت الوكالة إن الصفحات والمقتطفات التي ينشرها رواد “فايسبوك” و”تويتر”، ويزعمون أنها مُقتبسة من كتاب كونتز لا تنتمي إليه تماما، وهي جزء من كتاب “نهاية الأيام”… للمنجّمة الأميركية سيلفيا براون.

صورة مقال انتشار كورونا وتفشي "أدب الأوبئة"

وفي هذا الشأن، يروج البعض أيضا إلى مقتطف من هذا الكتاب تتوقع فيه الكاتبة انتشار مرض بشكل كبير حول العالم، مبينة أنه “في عام 2020، سينتشر حول العالم مرض خطير يشبه الالتهاب الرئوي، وسيهاجم الرئة والقصبات الهوائية، وأكثر غرابة من ظهوره، فإن المرض سيختفي بسرعة كما جاء، وسيهاجم مجدداً بعد عشر سنوات، وبعدها يختفي كليا. ونُشر كتاب براون عام 2008، بينما توفيت هي في العام 2013. وذكر موقع “الحرة” أن صحافيين أميركيين شككوا في أهمية “تنبؤ” براون، مؤكدين أنه على الرغم من دقته الظاهرية، إلا أنه كُتب مباشرة بعد انتشار فيروس سارس، المشابه في الأعراض، والقريب جينيا من فيروس كورونا.

فيروس السينما

كما يتحث البعض عن حلقة من مسلسل “عائلة سيمبسون The Simpsons” عرضت قبل 27 عاما، تحديدا عام 1993، تظهر انتشار فيروس جديد يدعى “أوسكا فلو” في إحدى الولايات الأميركية بعدما انتقل إليها من القارة الآسيوية. ما تسبب بإصابة العديد من الأميركيين بأعراض الفيروس التي تشبه أعراض كورونا. لكن صحيفة “ميرور” البريطانية، انتقدت المؤمنين بتنبؤات المسلسل، خصوصا أن مصدر الفيروس في المسلسل كان اليابان، في حين نشأ فيروس كورونا في الصين.

وبسبب كورونا عاد إلى دائرة الاهتمام فيلم “عدوى” للمخرج الأميركي ستيفن سودريرغ، الذي يروي قصة فيروس إنفلونزا جديد غامض ومميت يجتاح العالم في غضون أسابيع، ويسفر عن مقتل الملايين. وقال مايكل شامبرغ أحد منتجي الفيلم: “لقد تم تصميم فيلم (عدوى) بشكل متعمد ليكون فيلما تحذيريا”.

كما فاجأ تجدد فيلم “كونتيجن” كاتب سيناريو الفيلم، سكوت بيرنز. لكن في مقابلة مع مجلة “فورتشن”، قال إن الفكرة الأصلية للفيلم هي إظهار أن المجتمع الحديث عرضة لمثل هذه الأمراض. وقال بيرنز: “إن أوجه التشابه بين عدوى فيروس كورونا غير مقصودة، لكن الأكثر أهمية وحساسية هو استجابة المجتمع وانتشار الخوف والآثار الجانبية لذلك”.

“طاعون” كامو و”كوليرا” ماركيز

وبسبب تفشي فيروس كورونا بصورة مذهلة، رصدت وسائل الإعلام العالمية إقبالا منقطع النظير لرواية “الطاعون” لألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي الأصل الجزائري المولد، وتحكي عن قصة خيالية نشرت عام 1947 وتتحدث عن انتشار الطاعون في مدينة وهران بالغرب الجزائري، فيموت الكثيرون لكن المسؤولين يرفضون الاعتراف بذلك، ويستمر الناس في الموت، ويتم عزل المدينة عن بقية العالم. يتحول الناس في المدينة إلى الجنون، ويخبرهم الكاهن أن الطاعون هو عقابهم على آثامهم. يتحصن الناس ببيوتهم، وتعلن الأحكام العرفية بسبب تدهور الأحوال في المدينة. تمتلئ المقابر بجثث الموتى. وتتحول كل المباني الكبيرة والفنادق بوهران إلى مستشفيات.

صورة مقال انتشار كورونا وتفشي "أدب الأوبئة"

ومثل “الطاعون” لألبير كامو و”الحب في زمن الكوليرا” لغابريييل غارسيا ماركيز، التف الكثيرون حول روايات “بقايا الأرض” لجورج ستيوارت و”إقفال” لجون سكالزي و”الموت الأسود ” للطبيب الألماني يوستوس هيكر و”الرجل الأخير” لماري شيلي.

وهي روايات في معظمها تحكي عن تفشي أوبئة أو فيروسات تظهر أعراضها مشابهة لأعراض فيروس كورونا الحالي. فلا غرابة أن يلجأ الإيطاليون مثلا إلى تصفح الرويات القديمة عن الأوبئة، ففي الوقت الذي كتب فيه الكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو روايته “ديكاميرون”، وهي مجموعة قصصية عن الموت الأسود، كانت إيطاليا تعاني من أزمة هائلة بسبب انتشار الطاعون.

ويقول البعض أن هذه العودة المحمومة لقراءة ما يسمى “أدب الأوبئة” ليست وليدة اليوم، وليست مرتبطة ارتباطا وثيقا بفيروس كورونا، لأنها تتكرر تاريخيا كلما حل وباء جديد في مكان ما من العالم، والإنسان بغريزته ميّال إلى البحث عن وقائع أو حالات مشابهة في التاريخ، ليستلهم منها وسائل عملية للوقاية أو لمواجهة الوباء في حال فشلت حكومته في ذلك.

الموت الأسود والجهل المزمن

ويبدو أن الآثار التي يخلفها كورونا، دفعت الناس إلى التفكير في قصص لتفسير مايحدث، ولم يجدوا غير الروايات والقصص الأدبية والأفلام التي كانت في النهاية نتاجا لهذا الخيال الأدبي.

ومن “الموت الأسود” الذي يرمز إلى الطاعون، كتب المؤلف الأمريكي إدغار آلان بو عام 1845  عن “الموت الأحمر” الذي يتسبب في موت ضحاياه بسرعة وبشاعة وسط عجز البشر عن الهروب من قبضة الموت. ثم يأتي الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو عام 1995، وينشر روايته الشهيرة “العمى” التي تدور حول مرض غامض ينتشر بسرعة بين البشر، فتقوم الحكومة بترتيب الحجر الصحي داخل مستشفى مهجور للأمراض العقلية. ويعتبر العمى في الرواية مرادفا للجهل وعائقا أمام الفهم، خاصة عندما يشعر الأطباء بالحيرة تجاه المرض وسبب انتشاره. وعندما يقرأ المحاصرون حاليا بفيروس كورونا رواية ساراماغو، يدركون قيمة العلم الذي وصلت إليه البشرية في هذا العصر، ومع ذلك لا يزال الجهل متفشيا خاصة في التعامل مع هذا الوباء.