بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي:

أولاً: الاهتمام الخاص بالتربية الإسلامية، والذي يعكس بدوره الوعي بأهمية التربية الإسلامية ودورها في تكوين الإنسان الصالح المنسجم مع ذاته ومجتمعه.

ثانياً: اختيار الشيخ الدكتور إبراهيم الأنصاري -وهو نجل علّامة قطر الشيخ عبدالله بن إبراهيم الأنصاري رحمه الله- رئيساً لهذه اللجنة، يؤكد توجّه الوزارة الثابت في تعزيز الهوية الإسلامية الأصيلة للمجتمع القطري.

ثالثاً: اختيار الكفاءات المتنوعة من الوزارة ومن الجامعة إضافة إلى المؤسسات الأخرى، يعكس الرؤية السليمة لضرورة تبنّي التعليم التكاملي البنائي؛ بمعنى أن كل مرحلة من مراحل التعليم ينبغي أن تستند إلى ما قبلها وتؤسس لما بعدها، فلا يكون التعليم الجامعي مثلاً منفصلاً عن التعليم الأولي؛ لأن أستاذ الجامعة بحاجة إلى أن يعرف شيئاً عن هذا الطالب الذي أمامه كيف تكوّن وممّ تكوّن! تجسيداً لهذه الرؤية، باشرت اللجنة عملها بخطوة لها دلالتها العميقة في هذا الشأن، حيث دعت لجلسات متواصلة من العصف الذهني تضم شرائح مختلفة من المجتمع القطري ومؤسساته الفاعلة؛ لرسم صورة الطالب الذي نريد، وتشخيص التحديات العملية التي نواجهها. وكان دور اللجنة في هذه المرحلة الاستماع الواعي للأصوات المتشابكة والمتفاعلة، وتدوين كل فكرة تُطرح مهما كانت هي ومهما كان قائلها.

بعد ذلك، عكفت اللجنة على دراسة الوثائق والمرجعيات النظرية في حركة لولبية تدور ذهاباً وإياباً بين المدونات النظرية وبين التحديات الواقعية، حتى حُصرت التحديات والإشكالات التي ينبغي أن تعالجها مناهج التربية والتعليم.

بهذه الخطوات المنهجية، اتضحت خارطة الأهداف الكلية التي ينبغي أن نسعى لتحقيقها، والمحاور العلمية الشاملة والمتسقة مع هذه الأهداف، والمتضمنة معرفة الإنسان بنفسه ومقومات شخصيته والغاية من وجوده، ثم معرفته بمجتمعه ووطنه وأمته، ومعرفته بالمجتمع الإنساني الأوسع، وعلاقته بهذا الكون، ومسؤولياته المختلفة تجاه كل ذلك، وأن يكون كل ذلك مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بعقيدته وشريعته ومنظومته القيمية والأخلاقية في هرم بنائي متكامل ومتوازن، بحيث تكون الرسالة الإسلامية بمصادرها ومجالاتها هي المحور الأساس الذي تدور حوله باقي المحاور وتستند إليه في كل مفردة من مفرداتها.

لقد تجاوزت اللجنة بهذه المنهجية إشكالات التباعد بين المجالات، والتشتت الحاصل في ذهن الطالب عن التربية الإسلامية؛ فهناك فرق كبير بين منهجية تقدّم درس الصلاة أو الزكاة مثلاً بمعزل عن العقيدة وعن الأخلاق وعن دروس القرآن والسنة، وبين منهجية تجمع كل هذه «المجالات» في عملية بناء تربوي متكامل ومتجانس.

إن طلاب الشريعة والمعاهد الدينية يدرسون العلوم الشرعية بالمنهجية الأولى لضرورة التعمق والتخصص، لكن طالب التعليم الأوّلي لا يحتاج إلى ذلك، وإنما هو بحاجة إلى بناء شخصيته الإيمانية والمعرفية والمهارية بناء موحّداً ومتكاملاً.

بقي أن التحدي الذي يواجهنا هنا هو مدى قدرتنا على ضمان المتابعة بهذه المنهجية نفسها وبنسق متصل في كل مرحلة من مراحل العمل، حتى تكوين المخرج النهائي بالصورة التي تلبي رؤية الدولة وطموح الطالب وأسرته ومجتمعه.