اقرأ أيضا:
وجاء في رواية عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس حين اجتمعوا الليلة الرابعة وعجز المسجد عن أهله، قال: “أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم ولكني خشيت أن يفرض عليكم فتعجزوا عنها[1].
إذن امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أداء صلاة التراويح جماعة مع المؤمنين في المدينة رأفة بهم وشفقة لهم حتى لا تفرض الصلاة على الناس فيعجزوا عن أدائها، وحين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، فهم الصحابة رضوان الله عليهم علة هذا التصرف، وأنها تنتفي بانتفاء سببها، لذلك استفاض من الصحابة رضوان الله عليهم صلاة التراويح في رمضان في جماعة لا سيما مع جمع عمر رضي الله عنه المصلين خلف إمام واحد.
ويدل على موافقة الصحابة لموقف عمر رضي الله عنه ما يأتي:
وهذه الآثار تدل على أن الصحابة وافقوا عمر على هذا الاختيار، قال أبو المطرف: وفي جمع عمر بن الخطاب الناس في قيام رمضان على إمام واحد من الفقه: نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم، وما يصلح في معادهم[3].
وذكر ابن بطال: وفيه أن اجتهاد الإمام ورأيه فى السنن مسموع منه مؤتمر له فيه، كما ائتمر الصحابة لعمر فى جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة[4].
حين امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أداء صلاة التراويح جماعة مع الصحابة، قال: “فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها. وهذا القول يعد تعليلا للترك، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التى منعته من الخروج إليهم، وهى خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيما، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم فى زمانه لانقطاع الوحى؛ أقام هذه السنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة فى صدر خلافته.
قال المهلب: وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة أنه لا بأس بأعادة العمل، كما أمر عمر صلاة الليل فى رمضان بالجماعة.
أما مكانة خوفه صلى الله عليه وسلم على أمته أن يفرض عليهم فإنه ينصرف إلى وجوب القيام على أمته كما كان أمرا واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان رفع الوجوب عن الأمة فيعود بالتزامهم معه.
ومن أوجه بيان هذه الخشية ما ذكره بعض شراح الحديث منهم:
أحدها: أنه خاف جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: ” «خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم» “. فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم.
ثانيها: أنه خاف افتراضه كفاية لا عينا فلا يكون زائدا على الخمس بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها.
ثالثها: أنه خاف فرض قيام رمضان خاصة كما قال.
يثبت من جميع ذللك أن شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين في صلاة التراويح ليالي رمضان تتمثل في بقائها سنة من السنن المؤكدة الملازمة لأعمال شهر رمضان، فمن صلاها في جماعة بعد يكتب له أجر ذلك كما في حديث أبي ذر الغفاري: (من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، ومن صلاها منفردا في بيته وقع له كذلك أجر قيام رمضان.
[1] صحيح البخاري (882) وصحيح مسلم (178).
[2] الصيام للفريابي (172).
[3] «تفسير الموطأ للقنازعي» (1/ 172).
[4] «شرح صحيح البخاري – ابن بطال» (4/ 146).
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين