سألني أحد الفضلاء المقرّبين في مسألة غير محرَّرة عن أصل البشرية، وهل نحن من ذرية زواج محرم بين الإخوة والأخوات من أولاد آدم! وهل يصحّ هذا في أصلنا المكرّم : (ولقد كرمنا بني آدم)!
فأخبرتُه أن هذا الزعم من بقايا الشروح التلمودية واللاهوتية لمرويات العهد القديم، التي اخترعت المعلومة ثم أوّلتها؛ فقد اخترعت أن حواء كانت تلد توأمين من جنسين مختلفين في كل بطن، وكان الذكر يتزوج من توأم البطن الآخر الأنثى ، ثم قالوا إنما جاز زواج الأقارب -بضابط اختلاف البطن- للحاجة، خشيةَ انعدام النوع البشري! وقد تأثرت المراجع التفسيرية الإسلامية بهذا الرأي جدا حتى انتشر عندنا .
قلت له: إن القرآن -وهو النص المعتبر لدينا – لم يذكر لنا سوى ابنين لآدم (واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنى ءادَمَ بالحق)! ولم يتحدث عن ذرية من البنات، رغم أن الإسرائيليات التلموديات حكت عن وجود العشرات من الذرية المباشرة لآدم وحواء!، ولكننا نعتمد على المعلومة الموثوقة المتاحة لنا فحسب! ومع ذلك فلا يستبعد من حيث النظر تعدد الأبناء والبنات من آدم وحواء ، وهو أمر محتمل بسبب الصراع المفضي إلى الموت بين ابني آدم المذكورين، ولا نعلم إن كان لهما ذرية قبل الحادثة أم لا !
وأخبرتُه أن الزواج كان من جنس بشري موجود في الأرض، ولكنه جنس بدائي، ذكيّ، صيّاد، يعيش على الجمع والالتقاط، محدود العدد، لم يحظ بالتكريم الإلهي الذي جعله الله لآدم بأنْ نفخ فيه من روحه، وهم المشار إليهم بقول الملائكة فيما يُظَنّ : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، فقد كانت إشارة إلى هذا الجنس البشري القديم في الأرض الذي يمتاز بالتفوق والذكاء والقدرة على السيطرة والتحكم على الكائنات الأخرى، ولكنه متوحش عنيف لا قيم عنده ولا أخلاق ولا روح كريمة حتى أشبه الحيوان المتوحش في سلوكه ! فكانت الأرض بحاجة إلى خليفة يعمرها، والاستخلاف لا يكون إلا على طريق البدل من فائت؛ وهي مسألة طويلة الاستدلال أشير إليها هنا على عجالة.
وقد تحدث علماء الأجناس عن هؤلاء البشر القدماء جدا في الكثير من بحوثهم، وتحدثوا عما يمكن تسميته بـ”حواء” الميتوكوندريا القديمة التي هي مصدر الجينات الأنثوية الأخرى، والطفرات الطبيعية في الجنس البشري كما شرح ذلك لي مفصلا البروفيسور منتصر الطيب، وذكره البروفيسور لويجي لوكا كافللي سفورزا عالم الوراثة الإيطالي في كتابه “الإنسان الشتات: تاريخ التنوع الوراثي والهجرات البشرية الكبرى” .
وهناك افتراض عقلي ممكن يقول إن أبناء آدم تزوجوا من هذا الجنس البشري ذي الخصائص الجينية والشكلية المشتركة مع آدم وذريته والذي أمكن ترويض بعضهم بحكمة آدم وروحانيته وسعة علمه ( وعلم آدم الأسماء كلها)، حيث حظي آدم بإرشاد رباني وتعليم إلهي لكل ما يمكن تسميته ووصفه؛ وهذا الافتراض العقلي أجد له استئناسا قرآنيا في قوله تعالى: (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين)، فهل أشارت هذه الآية إلى استخلافنا وأصل نشأتنا من تزاوج مع هؤلاء القوم “من جنسنا البشري” المتمايزين عنا في الروح والسلوك “آخرين”!
وهل هذا التأويل ربما يبيّن لنا معنى قوله تعالى للملائكة : (إني جاعلٌ في الأرض خليفة)؟ وهل يمكن الزعم بانقراض الجنس البشري القديم المحدود العدد بتزاوجه مع الإنسان الجديد آدم الذي فتح المجال لزيادة النسل بتعلم أصول الرعي ومهنة الزراعة التي مكّنت الإنسان من الاستقرار والتوسع بزيادة الدخل والإنتاج بعد أن كان صيادا يطارد الوحوش ليأكلها، أو يجمع ما تلقيه الأرض من بركاتها !