لقد لاحظ أحد علماء الطب قبل الميلاد، بعض الخصائص التي عرفت الآن بأنها من خصائص صعوبات التعلم، ولكن الدراسة الجادة لهذه المشكلة لم تظهر إلا مع التطور العلمي لدراسة المخ ووظائفه، وذلك في مطلع القرن التاسع عشر. وفي البداية كان التركيز على القراءة، و ظل العلماء يدرسونها ضمن إعاقات أخرى حتى عام 1963م، حين سميت “صعوبات التعلم” في الولايات المتحدة الأمريكية.
حسب احصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) يولد العديد من الأطفال بإعاقة أو يصابون بإعاقة في مرحلة الطفولة. فما يقرب 150 مليون طفل تحت سن 18 عاما يعانون من إعاقة حسب المنظمة.
وهؤلاء الأطفال بحاجة إلى خدمات تعليمية خاصة في المدرسة. مع العلم أن هذه الفئة هي في الحقيقة عدد يضاف لعدد الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية خفية، أو الذين يصنفون ضمن فئة الأطفال المتعسرين دراسيا.
إن الأطفال الذين يعانون من صعوبة في التعلم هم أطفال لا يمكن تحديد صعوباتهم انطلاقا من المظهر، فهنا نتحدث عن اضطرابات عصبية نمائية تؤثر على قدرات التلميذ (الطفل) على القراءة والكتابة والحساب، والتفكير وتنظيم المعلومات والتي يتلقاها التلميذ في المدرسة في الأقسام العادية مع الأقران.
تعريف صعوبات التعلم
تعرف صعوبات التعلم بأنها اضطراب يعيق عملية التعلم الطبيعية، وهذا الاضطراب يكون في العمليات التي تدخل في عملية التعلم مثل الذاكرة والإدراك والانتباه والتفكير واستراتيجيات التعلم، وكيفية معالجة المواد اللغوية الشفوية والمكتوبة، وغالباً تتأثر القراءة والكتابة (الإملاء، والتعبير التحريري، والخط ) وكذلك الرياضيات بهذه الاضطرابات، كما تتأثر بعض أنواع التعلم الأخرى.
كما أن صعوبات التعلم هي مجموعة من التحديات التي يواجهها الأفراد في عملية اكتساب واستخدام المهارات.فهم تعسر التعلم يساعد في تقديم الدعم المناسب للطلاب، ويعزز من قدرتهم على تحقيق النجاح الأكاديمي والتفوق في مختلف جوانب الحياة.
ويُعتقد أن مفهوم تعسر التعلم قد نشأ في الولايات المتحدة في الستينيات. ويتم تعريف صعوبات التعلم على أنها “اضطراب في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية التي تنطوي على فهم أو استخدام اللغة، المنطوقة أو المكتوبة، والتي قد تتجلى في عدم القدرة الكاملة على الاستماع أو التفكير أو التحدث أو القراءة أو الكتابة أو التهجئة أو إجراء العمليات الحسابية”.
لكن ما يجب التأكيد عليه بخصوص تعسر التعلم هو كونها اضطراب نمائي عصبي خاص، بمعنى أنه غير مجتاح، وقد تختلف التعريف في تحديد عناصر الاضطراب في حد ذاته. ولا يظهر هذا الخلل النمائي بشكل واضح إلا في المواقف المدرسية التعليمية، لذلك تسمى هذه الاضطرابات بصعوبات التعلم.
صعوبات التعلم ومعدل الذكاء
حسب العديد من الدراسات، ليس هناك ارتباط بين صعوبات التعلم والذكاء من حيث السبب، فصعوبات التعلم تكون لدى البعض رغم كون الذكاء عادياً، بل هناك من قد يكون موهوباً – عالي الذكاء – ولديه صعوبات تعلم.
أما إذا كان سبب مشكلة التعلم هو انخفاض الذكاء بدرجة كبيرة تصل دون العادي فلا يدخل هذا ضمن ما يعرف بصعوبات التعلم، وإنما قد يعزى إلى إعاقات أخرى كالتخلف العقلي مثلاً، ولكن المشكلة تكمن أحياناً في أن مقاييس الذكاء لا تعطي الدرجة الفعلية التي تعكس قدرات التلميذ الذي لديه صعوبات تعلم نظراً لعدة أسباب من أهمها ضعفه في القراءة، واضطراب والذاكرة، ضعف التعلم العرضي، فتبدو قدراته وكأنها منخفضة ولو أنها في الواقع غير ذلك.
أنواع صعوبات التعلم
صعوبات التعلم مشكلة تؤثر على كيفية تلقي الشخص للمعلومات وكيفية معالجته لها. وصعوبات التعلم ليست نوعا واحدا بل عدة أنواع:
الخلل الأدائي (Dyspraxia)
تساعدنا المهارات الحركية في الحركة والتنسيق، والخلل الأدائي يؤثر على المهارات الحركية للشخص. الطفل الذي يعاني من الخلل الأدائي قد يصطدم بالأشياء أو يواجه مشكلة في مسك الملعقة أو ربط حذائه. مع التقدم في العمر، قد يواجهون صعوبة في أشياء مثل الكتابة والطباعة. وتشمل المشاكل الأخرى المرتبطة بالخلل الأدائي:
- صعوبات الكلام
- الحساسية للضوء أو اللمس أو الذوق أو الرائحة
- صعوبة في حركات العين
عسر القراءة (Dyslexia)
يؤثر عسر القراءة على معالجة الشخص للغة، ويمكن أن يجعل القراءة والكتابة صعبة. كما يمكن أن يسبب مشاكل في القواعد والفهم المقروء. قد يواجه الأطفال أيضًا صعوبة في التعبير عن أنفسهم شفهيًا وفي تجميع الأفكار معًا أثناء المحادثة.
عسر الكتابة (Dysgraphia)
يؤثر عسر الكتابة على قدرة الكتابة لدى الشخص. قد يعاني الأشخاص المصابون بعسر الكتابة من مجموعة متنوعة من المشاكل، بما في ذلك:
- الخط اليدوي السيء
- مشكلة في التهجي
- صعوبة في تدوين الأفكار على الورق
عسر الحساب (Dyscalculia)
يؤثر عسر الحساب على قدرة الشخص على حل مسائل الرياضيات. يمكن أن تتخذ اضطرابات الرياضيات أشكالًا عديدة وتختلف أعراضها من شخص لآخر. عند الأطفال الصغار، قد يؤثر عسر الحساب على تعلم العد والتعرف على الأرقام. عندما يكبر الطفل، قد يواجه صعوبة في حل مسائل الرياضيات الأساسية أو في حفظ أشياء مثل جداول الضرب.
اضطراب المعالجة السمعية
هذه مشكلة في الطريقة التي يعالج بها الدماغ الأصوات التي يستقبلها الشخص. ولا ينتج عن ضعف السمع. قد يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من مشكلة في:
- تعلم القراءة
- تمييز الأصوات عن ضوضاء الخلفية
- اتباع الأوامر المنطوقة
- التمييز بين الكلمات المتشابهة
- تذكر الأشياء التي سمعوها
اضطراب المعالجة البصرية (Auditory Processing Disorder)
يعاني الشخص المصاب باضطراب المعالجة البصرية من صعوبة في تفسير المعلومات المرئية. قد يواجهون صعوبة في القراءة أو معرفة الفرق بين شيئين متشابهين. غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب المعالجة البصرية من مشاكل في التنسيق بين اليد والعين.
كيف يتم تشخيص صعوبات التعلم؟
تعد عملية تشخيص صعوبات التعلم من المشكلات التي يعاني منها المشتغلون في ميدان الصحة المدرسية، وتعتبر هذه الصعوبات أو الاضطرابات من الظواهر الخفية التي يصعب غالبا تحديدها في الوسط المدرسي. يقدم هذا المقال مقدمة لصعوبات التعلم ويصف العمليات والممارسات الضرورية للتعامل مع هذه الصعوبات. ويمكن اعتباره دليلا عمليا يمكن للمختصين استخدامه لفهم والتعامل مع هذه الظاهرة.
وتعتبر عملية التعرف على الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم عملية صعبة، وتتطلب استخدام عدة وسائل وتقنيات، ولا يكون الغرض من هذا الجهد المبذول في التعرف على هؤلاء الأطفال فقط وصفهم وتصنيفهم. إن الغرض هو تحديد احتياجاتهم الخاصة وبدقة للتمكن من مساعدتهم.
كيف يتم التعرف على صعوبات التعلم؟
يتم التعرف على صعوبات التعلم لدى التلميذ من خلال الإجراءات التالية:
1– الإحالة: يتم في هذه المرحلة إحالة التلميذ الذي يشتبه في وجود صعوبة تعلم لديه إلى لبرنامج خاص.
2– التقييم: يقوم البرنامج بأخذ أذن من ولي الأمر لغرض تقييم الحالة وجمع المعلومات بقصد الوقوف على سبب تدني أداء التلميذ
3– تحليل المعلومات: يتم في هذه المرحلة دراسة المعلومات التي تم جمعها وتحليلها للتعرف على طبيعة مشكلة التلميذ، فإما أن تكون صعوبات تعلم أو مشكلة أخرى
4– التأهيل: إذا تبين أن المشكلة صعوبات تعلم فيتم تأهيل التلميذ للبرنامج بناء على قرار لجنة مكونة من مدير المدرسة ومعلم التلميذ في الفصل العادي ومعلم صعوبات التعلم وولي الأمر .
5– إعداد البرنامج التربوي الفردي: تعد هذه المرحلة هدف جميع الإجراءات السابقة، فيتم وضع خطة تربوية فردية للتلميذ.
10 مؤشرات على وجود صعوبات تعلم
هناك مؤشرات يمكن للوالدين ملاحظتها في البيت تساعدهم في تنبيه المدرسة إلى احتمال وجود صعوبات تعلم منها ما يلي:
- تجنب القراءة أو الرياضيات
- تجنب أداء الواجبات
- صعوبة في ربط أصوات الكلام بالحروف المقابلة لها
- صعوبة في تكوين كلمات من أصوات متفرقة
- صعوبة في التمييز بين الكلمات المتشابهة
- تكلف في القراءة
- كثرة الأخطاء أثناء القراءة أو الكتابة (فوق المتوقع أو المعتاد)
- صعوبة في فهم الموضوع الذي يقرأه
- صعوبة في معرفة المفاهيم الأساسية في الرياضيات
- صعوبة في معرفة الوقت وقراءة الساعة
صعوبات التعلم التي تستدعي تدخل المتخصصين
بالإضافة إلى وجود مؤشرات يمكن للوالدين ملاحظتها في البيت تساعدهم في تنبيه المدرسة إلى احتمال وجود صعوبات تعلم، هناك مؤشرات تساعد معلم التعليم العام حتى يحيل التلميذ إلى المتخصصين:
- صعوبة في متابعة الدرس أو الشرح
- صعوبة في فهم تعليمات المعلم أو الكتاب
- صعوبة في البدء في أداء التمارين في الفصل
- تأخر عن زملائه في التعلم بشكل ملحوظ، وربما في الشهر الأول من بداية الدراسة
- تدني التحصيل في مادة أو أكثر أو عدم النجاح فيها
- صعوبة في الحفظ وسرعة نسيان ما قد حفظه
- كثرة نسيان الواجبات المنزلية سواء من حيث أدائها أو إحضارها للمدرسة
- صعوبة في التواصل مع الزملاء والمعلمين لا من حيث النطق ولكن من حيث مهارات التواصل
طرق علاج صعوبات التعلم
معاناة الأطفال من صعوبات التعلم قد تُعيق تقدمه في أصعدة الحياة المختلفة، فما هي طرق علاج صعوبات التعلم؟ وما هو دور مقدمي الرعاية الصحية في هذه المشكلة؟ وما هي أبرز المعلومات التي عليك معرفتها حول صعوبات التعلم؟
إليك في الآتي طرق علاج صعوبات التعلم ودور مقدمي الرعاية الصحية في علاج صعوبات التعلم وأبرز المعلومات حول المشكلة:
إذا كان الطفل يُعاني من صعوبات التعلم قد يُوصي المدرس أو الطبيب الخاص به بإجراء أحد طرق علاج صعوبات التعلم الآتية:
1. استخدام تقنيات جديدة في التعليم
يُمكن للمدرّس المسؤول عن القراءة أو مدرّس مادة الرياضيات أو أي من المدرسيين المختصين في تعليم الطفل استخدام تقنيات جديدة لتحسين مهاراته السلوكية والتعليمية.
2. تسجيل الطفل في برنامج التعليم الفردي
تقدم بعض المدارس نظام التعليم الفردي للأطفال المصابون بصعوبات التعلم، حيث يُساعد هذا النظام على تحسين قدرات الطفل التعليمية.
3. وضع الطفل في فصول دراسية خاصة
تحتوي هذه الفصول على بعض السلوكيات التي تدعم الطفل الذي يُعاني من صعوبات التعلم، مثل: منح الطفل مدة زمنية أطول لأداء واجباته وإنهاء امتحاناته، أو الجلوس بجانب المعلم لزيادة التركيز والانتباه، أو استخدام برامج الحاسوب التي تدعم الكتابة، أو تحتوي على معادلات رياضية أقل تعقيدًا، أو تحتوي على نصوص صوتية للمساعدة على القراءة.
4. العلاج الوظيفي
قد يُساعد العلاج الوظيفي الطفل على تحسين المهارات الحركية للطفل مما يُساعد على تحسين قدراته الكتابية، كما يُمكن أن يُساعد معالج اللغة والنطق في تحسين المشاكل اللغوية عند الطفل.
5. العلاج الدوائي
قد يلجأ الطبيب إلى صرف علاج للاكتئاب أو القلق الشديد في بعض الحالات، كما قد يُوصي الطبيب باستخدام أدوية علاج قصور الانتباه وفرط الحركة لتحسين قدرات الطفل المدرسية.
6. العلاج البديل
في الحقيقة هناك حاجة للمزيد من الأبحاث لدعم العلاج البديل لصعوبات التعلم، مثل: تغيير العادات الغذائية، واستخدام الفيتامينات، وإجراء تمارين للعين، والعلاجات العصبية.
يجب العلم بأن خطة علاج الطفل الذي يُعاني من صعوبات التعلم تتغير من حين لآخر وخصوصًا إذا لم يتحسن وضع الطفل عند استخدام طريقة معين من طرق علاج صعوبات التعلم.
المغالطات المتعلقة بصعوبات التعلم
لا ترتبط صعوبات التعلم بثقافة معينة أو عرق معين أو حالة اقتصادية أو اجتماعية بعينها. لكن مع ذلك هناك الكثير من المغالطات الأخرى التي ارتبطت بتعسر التعلم، وسنقف على أهمها.
المغالطة الأولى: الأشخاص الذين يعانون من صعوبات هم أشخاص كسالى لا يريدون النجاح
المشاكل الأكاديمية الناجمة عن تعسر التعلم لا تشير إلى الكسل أو عدم القدرة على التعلم. لأن توفير الفضاء المناسب والدعم المتخصص حسب احتياجات أولئك الأشخاص ذوي مشاكل التعلم يؤدي بهم إلى النجاح في المدرسة. كما يؤدي الدعم المستمر لهؤلاء التلاميذ في المدرسة إلى تحقيق المزيد من النتائج الجيدة.
المغالطة الثانية: التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم ليسوا أذكياء.
وجود صعوبات التعلم لا يؤثر على ذكاء التلاميذ. في الواقع، بعض الطلاب الذين يعانون من تعسر في التعلم موهوبون. على الرغم من أن الطلاب الذين يعانون من تعسر التعلم قد يظهرون جهدا شبيها بجهد أقرانهم من العاديين، حتى يتبادر إلى أدهاننا عجزهم فكريا على التعلم، إلا أن الحقيقة مخالفة لذلك، فهم في الحقيقة بحاجة لطرق وأساليب مختلفة.
المغالطة الثالثة: تشخيص صعوبات التعلم يتم فقط بعد مرحلة تعلم القراءة والكتابة.
إن الاعتقاد بهذه المغالطة قد يؤخر تشخيص تعسر التعلم، وذلك بسبب الربط بين سلوك أو مهارة الكتابة والقراءة وصعوبات التعلم، إلا أن هذا يسبب تعقيدا في حالة التلميذ، فالتشخيص المبكر لهذه الاعاقات ممكن ومهم في الوقت ذاته، لأنه يسمح بالتدخل المبكر وهذا يسمح بمعالجة الإعاقة بشكل أكثر فعالية. وهذا الأمر يمكن أن يبذأ من سن 03 سنوات.
المغالطة الرابعة: تختفي الاعاقات المسببة لصعوبات التعلم عند البلوغ.
يعد تعسر التعلم حالة مستمرة مدى الحياة ولا تختفي عند بلوغ سن الرشد. تشبه في ذلك كل الاعاقات والاضطرابات العصبية المنشئ، وما يحدث في الحقيقة هو أن بعض البالغين يطورون مع الوقت بمفردهم أو نتيجة للتدريب استراتيجيات لمواجهة إعاقتهم، وبذلك يتكيفون مع الصعوبة. كما أن البالغين في العادة يختارون المهن التي تجنبهم الإعاقة التي يعانون منها، لذلك يبدو وكأنها غير موجودة أو اختفت وهذا غير صحيح.
المغالطة الخامسة: تؤثر صعوبات التعلم على جميع الأشخاص بنفس الطريقة.
يمكن أن تختلف صعوبات التعلم بشكل كبير من شخص لآخر، حتى ضمن نفس النوع من تعسر التعلم. على سبيل المثال، قد يواجه شخص يعاني من عسر القراءة صعوبة كبيرة في القراءة بينما قد يواجه شخص آخر مشاكل في القراءة فقط في مواقف معينة، مثل القراءة بصوت عالٍ. الطلاب الذين يعانون من أنواع أخرى من الإعاقات (مثل التوحد أو الطلاب المكفوفين أو الصم أو الطلاب الذين يعانون من اضطرابات عاطفية) قد يعانون أيضًا من صعوبات في التعلم.