في عام 1979، كشفت مذكرة سرية عن صناعة التبغ للجمهور عن مقترح حول التدخين والصحة، كُتب من قبل شركة براون ويليامسون للتبغ، والتي كشفت تكتيكات شركات التبغ الكبرى المستخدمة لمواجهة “القوى المعادية للسيجارة”.
أحد أكثر هذه المقاطع دلالة في كيفية تسويق السجائر للجمهور والواردة في المذكرة تقول : “إن منتجنا هو الشك لأنه هو أفضل وسيلة للتنافس مع الحقيقة الكائنة في ذهن الجمهور، بل هو أيضا وسيلة لإقامة الجدل “.
استاء روبرت بروكتر، وهو مؤرخ العلوم من جامعة ستانفورد من هذا الإكتشاف، و بدأ الخوض في ممارسات شركات التبغ، وكيف أنها قد نشرت البلبلة والتشويش حول ما إذا كان التدخين يسبب السرطان. وجد بروكتر أن شركات السجائر لا تريد أن يكتشف المستهلك معرفة أضرار منتجاتها، وأنها أنفقت المليارات للتعتيم على حقائق الآثار الصحية للتدخين.
هذا البحث أدى به إلى إختراع كلمة لدراسة الانتشار المتعمد للجهل وهي ( agnotology ) أي دراسة الجهل الناجم خاصة عن نشر بيانات علمية غير دقيقة أو مضللة.
ويقول بروكتر ” كنت أقوم باستكشاف كيف أن الصناعات الكبرى يمكن أن تعزز الجهل لبيع بضاعتهم. الجهل هو القوة … و” الأقناتولجي “هو تعمد خلق الجهل”. ويعتقد بروكتر أنه يجب على المؤرخين أن يعطوا هذا الموضوع اهتماماً أكثر من ذلك.
خلق التوازن
إن تشويش الحقائق وخلق الجهل المتعمد هي وسيلة مهمة فى السابق كما هو الحال اليوم.
ويوضح بروكتر أن الجهل غالباً ما يتم نشره تحت ستار النقاش المتوازن. على سبيل المثال، فإن الفكرة الشائعة أن هناك دائما وجهتي نظر متعارضتين لا يؤدي دائماً الى نتيجة عقلانية. وكان هذا وراء استخدام شركات التبغ العلم لجعل منتجاتها تبدو غير ضارة، ويستخدم اليوم من قبل منكري تغير المناخ الذين يجادلون ضد الأدلة العلمية.
على سبيل المثال، يقول بروكتر، أجريت العديد من الدراسات التي تربط بين المواد المسرطنة في التبغ في الفئران في البداية، وجاء رد شركات صناعة التبغ بالقول إن الدراسات في الفئران لا تعني أن الناس في خطر، على الرغم من النتائج السلبية على الصحة عند كثير من المدخنين.
وقد سمح “روتينية التوازن” لشركات التبغ، أو منكري المناخ اليوم، للإدعاء بأن هناك “جانبان لكل قصة”، أن “الخبراء يختلفون” – ومن ثم خلق صورة كاذبة عن الحقيقة، وبالتالي الجهل.
عصر جديد من الجهل
ويقول بروكتر ” نحن نعيش في عالم من الجهل المتطرف، والغريب هو أن أي نوع من الحقيقة يمر عبر الضجيج، على الرغم من أن المعرفة متاحة، فهذا لا يعني أنه تم الوصول إليها، على الرغم من أن معظم الأشياء تبدو تافهة.
يضيف : على سبيل المثال، درجة غليان الزئبق – ولكن للأسئلة الكبيرة فى السياسة والفلسفة، فإن معرفة الناس لها غالبا تأتي من الإيمان أو التقليد، أو الدعاية، أكثر من أي مصدر آخر”.
وجد بروكتر أن الجهل ينتشر عندما يكون أولاً، كثير من الناس لا يدركون الحقيقة وثانيا، عندما تكون هناك جماعات المصالح الخاصة – مثل شركة تجارية أو جماعة سياسية – تقوم بالعمل الجاد لخلق البلبلة حول هذه القضية. في حالة الجهل حول التبغ وتغير المناخ، فإن المجتمع الأمي علمياً ربما يكون أكثر عرضة للتكتيكات المستخدمة من قبل أولئك الذين يرغبون في خلق الإرباك والشكوك حول الحقائق.
يقول بروكتر، بالنظر لقضية تغير المناخ كمثال على ذلك: “إن المعركة ليس فقط في وجود تغير المناخ، انها حول ما إذا كان الله قد خلق الأرض بالنسبة لنا لاستغلالها، سواء الحكومة لديها الحق في تنظيم الصناعة، او إذا ما كان يجب تمكين البيئين، وهلم جرا. انها ليست فقط عن الحقائق، ولكن عن ما يتصور ما يتعلق بهذه الحقائق”.
التفكير المستغل
يحذر الأكاديمي ديفيد دانينغ، من جامعة كورنيل من أن الإنترنت يساعد على نشر الجهل – وهو المكان الذي لدي الجميع فرصة ليكونوا خبراء ، كما يقول، مما يجعلهم فريسة لمصالح قوية ترغب في النشر المتعمد للجهل.
ويضيف دانينغ “في حين أن بعض الأذكياء سوف يستفيدون من جميع المعلومات الآن بمجرد الدخول الى الإنترنت، إلا أن كثيرين سوف يكونون ضحايا للتضليل والشعور الزائف بامتلاكهم الخبرة. قلقي هو لا يعني أننا نخسر القدرة على التفكير ، إلا أنه أصبح من السهل القيام بذلك، يجب أن نتشاور مع الآخرين أكثر بكثير مما كنا نتصور.. يحتمل أنهم غير كاملين أيضا، ولكن في كثير من الأحيان نستفيد من آرائهم فى قطع شوط طويل نحو تصحيح عيوبنا الخاصة ، كما أن خبراتنا – لم تكتمل بعد – تساعدهم على تصحيح أخطائهم “.
لذا بالرغم من أن دراسة نشر الجهل المتعمد (agnotology) كانت نابعة من صناعة التبغ، نجد أن الحاجة لها اليوم أكثر بكثير مما كانت عليه سابقا.