تقترب نسبة المسلمين في جنوب إفريقيا من 3% من مجموع السكان، أغلبهم من أصول آسيوية ولا سيما الهند والمالاي، الذين أحضرهم المستعمر الهولندي إلى المنطقة في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، ولأنهم غير مسيحيين فقد تم تصنيفهم باعتبارهم كفارا، وقد كان من بين هؤلاء علماء وشيوخ طرق صوفية لعل أبرزهم على الإطلاق الشيخ يوسف بن مقصر شقيق ملك جاوة و معه 49 من المسلمين الذي يمثل وصوله عام 1694 نقطة تحول كبرى في تاريخ تطور الجماعة المسلمة في جنوب أفريقيا.
ومن الدعاة في جنوب أفريقيا الإمام عبدالله هارون الذى استطاع أن يؤسس مع بعض رفاقه رابطة كليرمونت للشباب المسلم في كيب تاون وكانت تهدف إلى تدريب الشباب المسلم على تولي مهمة إمامة المساجد و إعطاء دروس دينية للرجال والنساء في مسجد المدينة، و حلقات ثقافية و إصدار النشرات والمجلات حول الإسلام والمسلمين .
أصدر الإمام عبد الله هارون دورية “المرآة الإسلامية” العام 1959، وإن كانت توقفت عن الصدور في عام 1964. ومن خلال التعاون مع بعض أصدقائه استطاع أن يصدر مجلة شهرية بعنوان “أخبار المسلمين”، حيث تولى رئاسة تحريرها. وكان لهذه المجلة تأثير واضح على الجماعة المسلمة حيث اهتمت بالقضايا العامة والثقافية والاجتماعية والسياسية.
ولم يغض الإمام هارون الطرف أبداً عن سياقه المجتمعي، الذي كان مكبلاً بقيود نظام الفصل العنصري البغيض، فاستخدم رابطة الشباب المسلم لدعوة كثير من الأفراد والشخصيات العامة المناهضة للفصل العنصري وهو ما أسهم في أن يصدر في العام 1961 كتيبا بعنوان “الدعوة إلى الإسلام” الذي ينطوي على معارضة العنف في جنوب أفريقيا.
و إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن الزعامات الكارزمية، والشخصيات الإسلامية البارزة في جنوب أفريقيا، فإن مسلمي جنوب أفريقيا اهتموا خلال القرن العشرين بالعمل المؤسسي والجماعي الإسلامي، حتى إن البعض يطلق على هذا القرن اسم قرن (المنظمات الإسلامية). التي تقدر الآن بما يناهز الـ 1500 منظمة وجمعية إسلامية,وفي ما يلي عرض لتاريخ العمل المؤسسي في المجتمع المسلم بجنوب إفريقيا:
ـ 1920 قام الدكتور عبدالله عبدالرحمن بتأسيس “المنظمة السياسية الأفريقية”، والتي عرفت بعد ذلك باسم “منظمة الشعب الأفريقي”.
ــ 1923 تأسست جمعية “المالاي” بمنطقة الكاب، وذلك كمؤسسة دينية واجتماعية بالأساس.
ـ 1923 تأسيس جماعة “علماء الترنسفال” باعتبارها أول تنظيم لجماعة العلماء في جنوب أفريقيا.
ـ 1945 تم تأسيس “مجلس القضاء الإسلامي” في كيب تاون.
ـ 1950 تم تأسيس “جماعة علماء ناتال” في ديربان، لتلبية الاحتياجات الدينية الروحية للمسلمين.
ويعتبر الشيخ الراحل أحمد حسين ديدات من أبرز دعاة جنوب أفريقيا.
ولد عام 1918 م في بلدة ( تادكيشنار ) بولاية ( سوارات ) الهندية . هاجر أبوه و كان يعمل خياطا إلى جنوب أفريقيا بعد مولد ابنه مباشرة .لحق أحمد ديدات بوالده عام 1927 بسبب صعوبة فرص الدراسة في الهند و توفيت والدته بعد فراقه بشهور قليلة . واجه الطفل أحمد ديدات آنذاك صعوبات جمة لكنه اجتهد بفطرته وبما وهبه الله له من ذكاء فتعلم الإنجليزية و تفوق في دراسته و توقف عند الصف السادس بسبب الظروف المادية الصعبة . بدء العمل الدعوي نص كتاب العرب وإسرائيل .. شقاق أم وفاق … و في بداية الخمسينيات أصدر كتيبه الأول : ” ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد ﷺ ؟ ” ، ثم نشـر بعد ذلك أحد أبـرز كتيباته : ” هل الكتاب المقدس كلام الله ؟
في عام 1959 م توقف الشيخ أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد ، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات . وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار عددا من دول العالم ، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش كان الشيخ أحمد ديدات العضو المؤسِّس الأوَّل للمركز الدوليِّ لنشر الإسلام “معهد السلام لتخريج الدعاة” “IPCI”،بمدينة ( ديربن ) بجنوب إفريقيا وأصبح رئيساً له.
نشر الشيخ أحمد ديدات ما يزيد على عشرين كتابا، ووزَّع ملايين النسخ منها مجَّانا، كما ألقى الآلاف من المحاضرات، فضلاً عن نجاحه في المناظرات مع القساوسة حول الإنجيل، والتي كان من أبرز نتائجها إسلام آلاف البشر.
مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 م و أعطي درجة ” أستاذ” .
يعتبر الداعية أحمد ديدات أحد أكثر المتعمقين في نصوص الأناجيل المختلفة فهو عالم مسلم في الأنجيل المسيحي.
أُطلِقت العديد من الألقاب على الشيخ أحمد، أحد علماء جنوب أفريقيا منها: “قاهر المنصِّرين”، و”الرجل ذو المهمَّة”. كما علَّم الشيخ ديدات العديد من التلاميذ الذين ساروا على دربه، من أبرزهم الدكتور ذاكر نايك، والذي قال عنه الشيخ ديدات: “ما قمتُ به في أربعين سنة، قام به ذاكر في أربع سنوات!”.
توفى في أغسطس عام 2005 بعد مرض عضال أقعده شليلاً منذ عام 1995, ففقد المسلمون بموته داعية ومحاور ومناظر يشار إليه بالبنان. فكان أحمد ديدات عالماً ومناظراً وترك تراثاً علمياً من كتب و مقابلات مصورة ومقالات جعلته الأول في المناظرات في العالم رحمه الله.