اقرأ أيضا:
وبعض هذا الفوارق قد تحدث لأن الأهمية في الإسلام لحقيقة العبادة وليست لأشكالها المجردة ، ولذلك تجاهل الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض الفوارق البسيطة التي تحدث خلال أداء العبادة ، وأكد على الحقيقة الأساسية للعبادة ..فعن أسامة بن شريك – رضي الله عنه –قال: ” خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًا فكان الناس يأتونه فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئًا أو قدمت شيئًا ، فكان يقول: لا حرج إلا على مسلم اقترض عرض مسلم وهو ظالم فلك الذي حرج وهلك”.
إن القرآن الكريم يؤكد على أهمية الصلاة ولكنه لم يحدد شكلاً معينًا لها ، ونحن نعرف الشكل المعين للصلاة من السنة النبوية المشرفة ، التي تدلنا ، من تحديدها لأسس الصلاة ، على أن هناك تنوعًا وتوسعًا في الجزئيات..وهذا التنوع ليس ” نقصًا ” في الصلاة حتى نخترع فنًا لإصلاحه وتلافيه..إن هذا التنوع دليل على أن الصلاة عمل حي ..والعمل الحي لا يخضع للرتابة الآلية..وقد حاول الفقهاء – من وجهة نظري – بدون لزوم ، أن يقضوا على التنوع والتوسع الطبيعي ليحل محله نظامًا رتيبًا للعبادة.
إن هذا التدبير الاصطناعي حرم المصلين من فوائد الصلاة الحقيقية ومتعتها ، فأخذوا يظنون أن الصلاة شيء إضافي كالرياضة ، وليست هي المنبع الإلهي المقرر لتزويد الحياة بالحرارة والديناميكية التي لا بد أن تتحلى بها حياة المسلم.
الحق نقول: وإن كان الترجيح وإيجاد الرتابة في فروع العبادات مطلوبًا حقًا ، فلم يكن السبيل الذي سلكه الفقهاء – من وجهة نظري – هو السبيل الصحيح ..فالذي فعلوه هو أن قام كل فقيه مدرسة خاصة به وعكف على البحث والترجيح بجهود ذاتية شخصية ..وبما أن التنوع كان موجودًا بالفعل في العبادات ، فلم يكن ممكنًا لطبائع و عقول مختلفة أن تصل ببحوثها إلى نتيجة واحدة بشأن ترجيح شيء على آخر..فحين رجح فقيه ما شيئًا معينًا جاء فقيه آخر ليرجح الرأي المضاد ..وهكذا برزت هياكل وصور متعددة للعبادات بينما كان الهدف هو وضع هيكل واحد فقط.
والحل الأمثل في الحد من تضارب الفتاوى هو العمل بنظام “صوافي الأمراء ” ذلك المصطلح جميل الذي أغفلته كتب الغريب والمصطلحات والمضاف والمنسوب ، حيث كانت العادة التى جرى عليها الناس – قبل نشوء الفقهاء التقليديين – في أي قضية لا يجدون لها حكمًا صريحًا في القرآن والسنة ، فكانوا يرفعون الأمر إلى الحكام الذين كانوا ، بدورهم يجمعون العلماء فيحمون بما أجمع عليه العلماء..فهذا الأسلوب لا يمكن لأحد أن يشذ عنه أو يختلف بشأنه ..ثم أن هيبة البلاد تضمن القضاء على اختلاف ..ومن أمثلة هذا الأسلوب ماتم في صدر الإسلام الأول عند تدوين القرآن الكريم.. ولو لم يتم العمل تحت إشراف رسمي ، ولو عكف كتبة متعددون على تدوين القرآن الكريم باجتهاداتهم الشخصية ، لتعرضت الأمة لخلافات عظيمة ، ما كانت لتحل حتى قيام الساعة ..وهكذا ، لو كان ترتيب القضايا الفقهية أمرًا مطلوبًا فكان ينبغي أن يتم تحت إشراف إدارة أو هيئة للعلماء.. ومن أمثلة ذلك أنه عندما ثار الخلاف بين الصحابة حول عدد تكبيرات صلاة الجنازة جمعهم عمر الفاروق على أربع تكبيرات.. وكان عبدالله بن المقفع قد أشار على الخليفة العباسي المنصور أن يدون قانونًا متفقًا عليه ويصدر باسم الدولة العباسية.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين