أبو عبد الله، محمد بن عمر الحسن بن الحسين القرشي، التيمي، البكري نسباً، الطبرستاني، الإمام المفسر، أصله من طبرستان، ومولده في الرّي وإليها نسبته على غير قياس، فيقال: الرازي المشهور بفخر الدين الرازي، وابن خطيب الري، لأن والده كان خطيب مسجد الري، نشأ في بيت علم وفضل، كان والده «ضياء الدين عمر» أحد أئمة الإسلام، له كتاب في عقائد أهل السنة «غاية المرام في علم الكلام» في مجلدين، وصفه السبكي بأنه «من أنفس ما كتب أهل السنة وأشدها تحقيقاً». والفخر: شافعي المذهب في الفروع، أشعري العقيدة، وواعظ بارع في اللغتين: العربية والفارسية.

درس على والده، وكان ملازماً له، وكان مثله فصيح اللسان، أديباً، له شعر في العربية والفارسية، رحل إلى خوارزم وما وراء النهر، وخراسان، وتوفي في «هرات». أقبل الناس على كتبه في حياته وبعد مماته يتدارسونها، ولكنه عاش فقيراً في بداية حياته، ثم رجع إلى الري، وتزوج ابناه بابنتي طبيب حاذق في الري، له ثروة، آلت إلى فخر الدين بعد موت الطبيب، فصار ذا نعمة.

عدّ بعض العلماء فخر الدين الرازي، مجدد القرن السادس الهجري، لأن ثقافته كانت واسعة، ومعارفه متنوعة، شملت عدة علوم نقلية وعقلية وطبيعية، فكان طبيباً مشهوراً في عصره، وله كتاب كبير في الطب والتشريح وحل مشكلات «القانون» لابن سينا، ثم تبحر في علم الكلام أو العقائد، وتفسير القرآن الكريم، وأصول الفقه، والفرق الإسلامية، والحكمة والمنطق، والفلسفة الإسلامية، واطلع على علم الهيئة (الفلك) والعلوم الطبيعية، وكان رياضياً ألف في الهندسة كتاباً مستقلاً يسمى «الهندسة» ومتقناً علوم اللغة والنحو، وعالماً بكتب الأديان القديمة وأسفارها، وأحوال الملل والنحل وحياة الشعوب، حتى صار ذا شخصية معظمة من قبل السلاطين والملوك والأمراء، لغزراة علمه وعزة نفسه، ولاسيما عند السلاطين الخوارزميين.

كان يجعل الطب والفراسة (أو علم النفس) من العلم الطبيعي، ويؤمن بالصلة الوثيقة بينهما، وأثبت في تفسيره كروية الأرض، وثبات الشمس ودوران الأرض وأكثر آرائه في العلوم الطبيعية نقلها عن كتب ابن سينا، وهي موجودة في كتبه الفلسفية كالمباحث المشرقية والملخص، كما تظهر آثارها ومظاهر الطبيعة والطب في تفسيره الكبير في تحليل ما يتعلق بالأرض والسماء والإنسان، والمعادن والنبات والحيوان والآثار وبيان منافعها.

للرازي مؤلفات كثيرة متنوعة، في شتى العلوم والمعارف في زمنه، تدل على ثقافته الواسعة، واطلاعه وتبحره في العلوم الكونية ومنها علم الهيئة والنجوم، والعقلية (الفلسفة والمنطق والجدل وعلم الكلام) والعربية (الآداب والبلاغة والنحو) والشرعية (العقيدة والفقه والأصول والتفسير) والرياضية والطبيعية، والطب والفراسة والسحر والتنجيم والرمل، ووضع دائرتي معارف: الأولى حوت أربعين علماً وسماها «جامع العلوم» والثانية اشتملت على ستين علماً وسماها «حدائق الأنوار» وهي كل العلوم التي كانت معروفة في عصره، ومؤلفاته الثابتة تزيد على 86 مصنفاً.

من تصانيفه: «التفسير الكبير مفاتيح الغيب» 8 مجلدات، وفي علم الكلام أو العقيدة كتاب «الأربعين في أصول الدين»،«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين»، و«أساس التقديس» (تأسيس التقديس) و«المسائل والقضاء والقدر»، و«الخلق والبعث»، و«عصمة الأنبياء»، ورسالة في النبوات، وشرح قسم الإلهيات من الإشارات لابن سينا، وشرح أسماء الله الحسنى، والرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية بالفارسية، وفي المنطق والفلسفة والأخلاق: «الآيات البينات» (صغير وكبير) و«تعجيز الفلاسفة» بالفارسية، و«نهاية العقول»، و«الملخص في الحكمة»، و«البيان والبرهان»، و«تهذيب الدلائل»، و«محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين»، وشرح عيون الحكمة لابن سينا، والمباحث المشرقية، ورسالة في النفس، وفي الفقه والأصول: «المحصول في علم الأصول» 6 مجلدات، و«إبطال القياس»، و«شرح الوجيز في الفقه» للغزالي، «السر المكتوم في مخاطبة النجوم» ورسالة في علم الهيئة وفي الطب: «الطب الكبير أو الجامع الكبير»، ورسالة في علم الفراسة، وفي التاريخ: «فضائل الأصحاب»، و«مناقب الإمام الشافعي»، وكتاب في الهندسة. وفي اللغة «شرح سقط الزند» لأبي العلاء المعري، و«شرح نهج البلاغة»، و«المحرر في حقائق النحو»، و«نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز».

أما كتابه في التفسير (32 جزءاً): فهو موسوعة شاملة في البيان ولاسيما في إعجاز القرآن، والعلوم الكونية والعقائد والفقه وأصوله والفرق والأديان، وكتابه «المحصول في علم الأصول» هو في أصول المتكلمين (الشافعية) مع المقارنة والإفاضة في الأدلة والبراهين الشرعية والعقلية، شرحه وعلق عليه كثيرون، أهمها شرح القرافي وشرح الأصفهاني، واختصره الرازي في كتاب «منتخب الأصول».

وهبة الزحيلي 


مراجع:

ـ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، سير أعلام النبلاء (مؤسسة الرسالة، دمشق وبيروت 1409هـ/1988م).

ـ محسن عبد الحميد، الرازي مفسراً (دار الحرية للطباعة، بغداد 1394هـ/1974م).

ـ محمد صالح الزركان، فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية (دار الفكر، دمشق 1383هـ/1963م).