اقرأ أيضا:
ثالثا تحصيل العلم : فقد كان سلفنا الصالح ، ومن قبلهم ممن نقتدي بهم من الأنبياء والصالحين ، يرتحلون في طلب العلم ، ويقطعون المسافات الطويلة أحياناً لأجل سماع حديث واحد عن رسول الله ، يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى : رحل جابر بن عبد الله ، مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنهما ، في حديث واحد . وألّف الإمام الخطيب البغدادي كتابا سماه : ” الرحلة في طلب الحديث ” وهو مطبوع . وقد قصّ الله تعالى علينا في كتابه العزيز، قصة سفر موسى صلى الله عليه وسلم للخضر عليه السلام في آيات من سورة الكهف ، ولما لقيه قال له في تواضعٍ جم : { هل اتّبعك على أنْ تعلمن مما علمت ُرشدا ) الكهف : 61 . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ” .
رابعا تحصيل الآداب : وذلك إذا سافر والتقى بالصالحين والزهاد والعلماء والأدباء الذين لا يلقاهم ببلده ، وما يُراه منهم من الأخلاق والآداب الحسنة ، والشمائل الفاضلة ، فيكتسب من أخلاقهم ويقتدي بهم ، فيحصل له من الأدب الشيء الكثير ، وتسمو طباعه .قال تعالى لنبيه بعد أن ذكر جملة من الأنبياء { أولئك الذينَ هدَى الله فَبهُداهم اقْتده } (الأنعام: 90 ). وقال للمسلمين { لقدْ كان لكم في رُسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمنْ كان يَرجو الله واليومَ الآخر وذكرَ الله كثيرا } (الأحزاب : 21).
ومما قاله بعض السلف في أحد أئمة الحديث وهو حماد بن زيد رحمه الله :
أيهـا الطالب علماً إئت حماد بن زيد فاكتسب حلماً وعلما ثم قيـّده بقـيد
خامسا صحبة الأمجاد : وهو مما أوصى الله تعالى به في كتابه ، فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وُكونوا مع الصّادقين} (التوبة : 119). فالإيمان يقتضي أن يكون المؤمن مع المؤمنين الصادقين ، لا مع المنافقين الكاذبين المخادعين . وقال سبحانه أيضا لنبيه عليه الصلاة والسلام { واصْبر نفسَك مع الذين يَدعون ربّهم بالغَداة والعَشي يُريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تُريد الحياة الدنيا ولا تُطع من أغفلنا قلبه عنْ ذكرنا واتبعَ هواه وكان أمرُه فُرطا } (الكهف : 28 ). ويشهد لهذا الحسّ والواقع ، فكم من إنسان سافر فلاقى كرام الرجال وأطايبهم ، فخالطهم وعاش معهم ، فتغيرت أخلاقه ، وتبدل حاله ، وارتفعت همته ، مما لم يكتسبه لما كان في وطنه وبين أهله من العلم والآداب والسمت الحسن .
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أيضا :
سافرْ تجد عوضاً عمن تفارقه وانصبْ فإنّ لذيذَ العيش في النّصب
إني رأيتُ وقوف الماء يفسده إنْ ساحَ طاب وإنْ لم يجرِ لم يـطِبِ
سادسا استجابة الدعاء : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ” ( حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد). فلذا ينبغي للمسافر الحرص على الإكثار من الدعاء بالمغفرة والرحمة له ولوالديه ولجميع المسلمين ، وأن يسأل الله عز وجل التسهيل والتوفيق لما فيه خير الدنيا والآخرة ، ويتخيّر من الأدعية النبوية الشريفة ما شاء .
سابعا زيارة الأقارب وصلة الأرحام : وهذا من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى ، وأعلاه السفر للقيا الوالدين والإخوة والأخوات ، قال سبحانه { واعبُدُوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى} (النساء:26 ). وكذا السفر للقاء الأحباب في الله ، والتزاور مع المسلمين . ويشهد لذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَه عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى علَيهِ قَال َ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيه مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ: لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عز وجل . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ” (رواه مسلم) .
ثامنا دفع الإنسان الذل عن نفسه : فإنه إذا كان بين قوم لئام ظلمة ، يظلم فيها ويهان ، لأنه قد يكون مثلاً : صاحب دين وعلم ، وهم أهل فسق وفجور ، أو غير ذلك فيكرهون مقامه بين أظهرهم ، وقد يستخفون به ، كما قال قوم لوط لنبيهم وأهله { أَخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون } (النمل : 58)، فإذا فارقهم إلى بلد أخرى ، فيها أهل الدين والعلم ، أو صار بين من يُحبه ويعرف منزلته ، صار في عزٍّ وارتفع شأنه ، وزال عنه ما كان يضره ، ما لم يكن في بقائه ببلده مصلحة للدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيبقى لأجل ذلك . ويشهد لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة ، مكرها بعد أن خطط المشركون لسجنه وحبسه أو قتله ، ومنعه من تبلغ دعوته ، فهاجر منها وهي أحب البقاع إليه ، وتحول إلى طيبة الطيبة ، والمدينة المباركة ، فكان من أمره ما كان ، من العز والقوة والتمكين في الأرض ، ثم عاد إليها عزيزاً فاتحاً منصورا .
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين