1- مراعاة النص، فلا يصح تفسير آية أو مفردة قرآنية بما يعارض نصوص الوحي القطعية، حتى لو كانت اللغة تحتمل المعنيين؛ المعنى الموافق لبقية النصوص، والمعنى المخالف لها، مثاله؛ حينما نقول عن سيدنا عيسى -عليه السلام- إنه روح الله، فالمقصود أنه كان بالروح التي خلقها الله، كما نقول (بيت الله) و (أرض الله) ، ولا يمكن أن يكون جزءا من ذات الله، وإن كانت اللغة تحتمله من حيث هي لغة، لأن هذا مخالف لصريح التوحيد؛ (الله خالق كل شيء) و (قل هو الله أحد).
2- مراعاة اللغة، والمقصود باللغة هنا اللغة المستعملة في التخاطب بين العرب، خاصة في الزمن الذي نزل فيه القرآن، ومن ثم يكون فهم السلف من الصحابة والتابعين هو الأصوب، أما فهم القرآن بالتحليل الجذري المجرد كتفسير الإنسان من (أنس) و الرجال من (رجل) من المشي، والنساء من (نسئ) من التخلف والتأخر، فهذه باطنية خبيثة وإن تسترت بالتحليل العلمي، وهي مخالفة لصريح قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). فكل تفسير لا تعرفه لغة العرب المعهودة فهو تفسير باطل.
3- مراعاة العقل، والمقصود به هنا ما يدركه العقلاء بالبداهة أو بالحقائق العلمية الثابتة، أو بالحس والمشاهدة، فلا يجوز مثلا تفسير قوله تعالى بحق ملكة سبأ: (وأوتيت من كل شيء) أن ملكة سبأ كانت تملك الهاتف أو السيارة أو الطيارة، بحجة أن هذه أشياء أيضا، بل الصحيح أن نقول: إنها أوتيت من كل شيء موجود في زمانها، وهذا التخصيص يقتضيه العقل والحس وإن لم يصرح به القرآن، إذ لا حاجة للتصريح به، فهو معلوم بالبداهة والسياق، ومثل ذلك أيضا ما استنبطه بعض فقهائنا من أن مدة الحمل قد تصل إلى أربع سنوات، وقد كانوا معذورين بسبب المعلومات الطبية المحدودة في تلك العصور، أما اليوم فاتفاق الأطباء على استحالة ذلك يمنع هذا الاستنباط، فلا ينبغي الجمود عنده، والله أعلم.
4- مراعاة حاجة الجيل في تطلعاته وتحدياته ومشكلاته وما يحقق استفادته العملية من القرآن الكريم في كل مجالات حياته، إذ القرآن كتاب الله الخالد والصالح لكل الأجيال، فلا ينبغي أن يتوقف فهمه واستنباط الحلول منه على جيل محدد، إذ لكل جيل طموحاته وتحدياته ومشكلاته، وهنا ينبغي ملاحظة الآتي:
أ – ضبط بوصلة (التجديد) بالضوابط الشرعية و العلمية واللغوية، حتى لا ينقلب التجديد إلى (تحريف) كما حصل في الديانات السابقة، وكذلك لكي لا ينقلب التجديد إلى حالة من الفوضى وضياع الأصول والفروع.
ب – مراعاة اللغة التي يفهمها هذا الجيل، من حيث المفردات، والصياغات، والأمثلة والشواهد ..الخ فالشباب غير المختص لم يعد قادرا على فهم لغة التراث، وصارت بعض كتب التفسير أكثر صعوبة عليه من فهم القرآن الكريم نفسه، وهذا لا يعني إهمال كتب التراث، فهي -لا شك- المصدر الثر للتجديد، والبناء المعرفي التراكمي، ولا غنى للمختصين عنها بحال.
ج – تحصين الشباب بوجه الأفكار الوافدة التي تهدد عقيدتهم وهويتهم وأخلاقهم، فالشاب حينما يقرأ كتب التفسير القديمة يجد مثلا (الجهمية، والقدرية، والمشبهة، والمعطلة) ويقرأ مسائل مثل (زيادة الصفات على الذات) و(الفرق بين صفات المعاني والصفات المعنوية والصفات السلبية) ولا يجد فيها -وهذا أمر طبيعي- أي ذكر للمسائل والشبهات والأفكار التي يتعرض لها اليوم مثل (العلمانية، والليبرالية، والنسوية، والداروينية والباطنية الحديثة، والإلحاد الجديد).
د – الإجابة عن أسئلة الشباب في القضايا المعاصرة مثل: المشاركة السياسية، والدولة الحديثة وحقوق المواطنة وقضية المرأة وفقه العلاقة مع الآخر، وأوضاع الجاليات أو الأقليات الإسلامية في الغرب، والمستجدات الاقتصادية ..الخ.
هـ – إبراز المنظومة القيمية القرآنية في بناء الشخصية وبناء الأسرة والمجتمع والمؤسسات المدنية والعسكرية المختلفة، وقيم المجالات الواسعة في السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء وأخلاقيات المهن المختلفة كالتجارة والصناعة والزراعة والطب ونحو ذلك، خاصة بعد شيوع حالة من الانبهار بمنظومة القيم الغربية، وحينما يرجع الشاب إلى كتب التفسير القديمة لا يكاد يجد هذه المنظومة إلا في تفسيرات مجزّأة وإشارات متباعدة.
و – مدّ الخطباء والدعاة بما يحتاجونه من خطاب قرآني معاصر، يتناسب مع الجمهور المتطلع إلى خطاب يلامس همومه ومشاكله وآلامه وآماله، ويحيي فيه ثقافة الشعور بالمسؤولية والثقة بإمكانياته وطاقاته.
إن عدم معالجة هذه القضايا وأمثالها هو الذي جعل كثيرا من شبابنا ينبهرون بالثقافات الغربية، أو بحركات التجديد المشبوهة والتي استغلت هذه الثغرة للنفاذ إلى عقول الشباب وقلوبهم.
إننا -باختصار- إذا كنا نعتقد بأن هذا القرآن -وكذلك السنّة- قد جاءا لكل الأجيال ولكل العالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فلا بد من مواكبة التدبر والفهم والاستنباط لحركة هذه الأجيال مهما اختلف حالها وزمانها ومكانها.