هل حلم نيكولا تيسلا العمل بالطاقة اللاسلكية لأنه كان ينظر بتأمل أمام ألياف عملاقة مما أدى إلى حدوث تشوش وارتباك في عقله؟ ما الذي ألهم أينشتاين بتخيل مسابقة شعاع ضوء أثناء تحركه عبر الفضاء؟

 شرارة الحدس هي فكرة مثيرة للاهتمام، لكن فهم علاقتها بإنجازات الباحثين والمخترعين مازال مؤرقا وغير مكتمل. فما هي الظروف التي تدفع نجاحهم؟ وما الذهنية التي تبونها ؟ كيف تعمل العمليات الإبداعية العظيمة بصورة تتجاوز كونها مجرد لحظة عبقرية محيرة؟

يوفر كتاب “روح الآلة الجديدة” مستوى نادرا من العمق يجيب على هذه الأسئلة. يشبه إلى حد كبير بنية الثورات العلمية. سيتعرف القارئ الذي عاش في مثل هذه البيئات على الفور على بعض الحقائق من خلال الملاحظات الواردة في الكتاب.

فاز الكتاب الذي ألفه تراسي كيدر على جائزة بوليتزر ويصنفه كثير من الخبراء بأنه أحد أفضل الكتب على الإطلاق في مجال التكنولوجيا. يعرض الكتاب جهود شركة داتا جنرال لبناء أول جيل من الحواسب (ميني كمبيوتر) في السبعينيات وما واجهتها من تحديات خاصة في شؤون الهندسة والتصميم.

تتبع تريسي كيدر مؤلف كتاب “روح آلة جديدة ” قصة مجموعة من مهندسي الكمبيوتر ، كما وصف في كتابه أعمال ومشاريع عدد من علماء الأبحاث والمبتكرين التقنيين وغيرهم من الرواد.

وبينما يشير الكتاب إلى اللحظة الذهبية لفكرة جديدة ، فإن صلب الكتاب يعيش داخل الصراع الطويل للاختراع وولادة فكرة جديدة ويكتشف طبيعته التجريبية.

لا يحدد هذا المفهوم الحياة الشخصية لهؤلاء الرجال (في الغالب) فحسب ، بل يحدد أيضا الروح الكامنة وراء عملهم. حتى بعد التسجيل والاشتراك في مشروع ما لن تضطر إلى إهمال حياتك الخارجية.

هؤلاء المشتركون في مشاريع الابتكار انخرطوا بطيب خاطر لأنهم قبلوا بأن يكونوا جزءا من إنجاز شيء جديد وبأي ثمن. هذا الشعور جعلهم يضحون ويعملون في ظروف صعبة مثل العمل بعيدا داخل قبو بلا نوافذ ، وقضاء ليالي عطلات نهاية الأسبوع فيها.

هذا المفهوم غريب على من يعمل في حدود 9 -5 ساعات ويخرج مبكرا يوم الجمعة، لكنه الثمن المطلوب للنجاح ، و الجهد التنافسي والمرحلة الأصعب لولادة شيء جديد .

أولئك الذين يعملون في مشروع ابتكاري جديد لا يتقاضون أجرا إضافيا. إنهم لا يفعلون ذلك من أجل المال. عند دراسة ومراقبة أوضاعهم عن كثب ، يبدو أن دافعهم أكبر من ذلك .. يكفي وجودهم واشتراكهم في إنتاج أمر عظيم . فإذا نجحوا في هذا المشروع الصعب للغاية ، فإنهم سيحصلون على فرصة ليكونوا جزءا من الفريق التالي لبناء شيء جديد . إنهم يفضلون البقاء والحياة بهذه الطريقة. إن هذه العملية تشبه نظام لعب “طاولة الكرة” : فطالما تفوز يمكنك الاستمرار في اللعبة!

من الواضح أن هذه اللعبة مخصصة للشباب. مديرو الفريق معظمهم في أوائل الثلاثينات من العمر. الرجال الذين اشتركوا في العمل هم في العشرينات من العمر. إنهم يريدون الحصول عليها واغتنام فرصة القيام بشيء جديد ، بدلا من روتين العمل الممل. كلهم يريدون البقاء ضمن نظام لعب “طاولة الكرة “. وبعد انتهاء المشروع بالكامل ، ينتقل معظم الرجال الأكبر سنا إلى عمل آخر. 

المدير الذكي هو بطل القصة غير العادي. إنه يحمي رجاله ويتلاعب بهم ويتجنبهم. نتيجة لذلك ، يعتقد الفريق أن صلب الابتكار يتم إنشاؤه من أفكارهم ومن روح المبادرة لديهم فقط لا يتشكل الاختراع إلا من خلال عملهم الشاق.

بطل القصة – المدير – لا يقف أبدا إلى جانب الفريق: يظهر كأحد العقبات ضد فريق العمل. مما يتوجب على الفريق سباق المنافسين في جميع أنحاء العالم وداخل شركتهم الخاصة. العمل في المشروع يجمع بين نقيضين فهو بطريقة ما مهم جدا وفي نفس الوقت غير مدعوم. يتبنى المديرون باستهتار نظام إدارة زراعة الفطر: “أبقهم في الظلام ، وفر لهم بعض الطعام ، وراقب النمو والبناء “.

وكشف الكتاب عن ميزات المدير الذكي مما أضفى على القصة خاتمة مدروسة وجميلة . هذا المدير الذكي يقوم بدور رائد من خلال دعم الفريق بصمت وبوسائل غير ظاهرة للعيان .

ومع ذلك يظل التساؤل مطروحا حول الجانب الذي يدلل على حسن إدارة المدير وبعد نظره وما هو الجزء الذي حقق قفزات عالية ؟ وماهو الجزء الذي تزدهر فيه المواهب في ظل قيادة ممتازة ؟ وما هو الجزء المثمر الذي يتجاوز عوامل الضغط والإرهاق وتشويه الحقيقة على أرض الواقع؟

في بعض بيئات العمل ، هناك قدر كبير يعمل باستشعار حسن الإدارة والتوجيه ويمتلك مهارات الذكاء الخاصة تساعد على تجاوز الصعوبات ، وهناك حالات أخرى لا نجد فيها سوى الفوضى وسوء الإدارة !

دمج كيدر في كتاب “روح الآلة الجديدة” القصة مع الأفكار بصورة مقنعة وممتعة وأكتمل جمال الكتاب ببعض القصص الجانبية والتي تحوي بعض المصطلحات الفكاهية والخلفيات التقنية مما أضفت نكهة مختلفة.

الموضوع الأكبر والأهم في الكتاب هو جانب التشويق والإثارة في التحديات التي واجهت المشاريع وتفاعل المهندسين معها ، الذين اجتهدوا في إنتاج وابتكار منتج جديد من لا شيء تقريبا وفي جدول زمني ضيق.

 قراءة الكتاب ستجعل الانسان يفهم الظروف الحقيقية التي تمر بها الاختراعات في الهندسة والعلوم.