إنَّ التَّربية النَّبويَّة الرَّشيدة للأفراد على التَّوحيد هي الأساس الَّذي قام عليه البناء الإسلاميُّ، وهي المنهجيَّة الصَّحيحة الَّتي سار عليها الأنبياء والمرسلون من قبل، فكلُّ رسولٍ دعا قومه إلى إفراد الله بالعبادة. قال تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ *أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [هود: 25 – 26].

وقال عن هودٍ عليه السلام: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَال ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴾ [هود: 50].

وقال عن صالح عليه السلام: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَال ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].

وقال عن شعيبٍ عليه السلام: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَال ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾ [هود: 84].

وقال عن عيسى عليه السلام: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51].

وبالجملة: فالرُّسل – عليهم الصَّلاة والسَّلام – كلُّهم دعوا لتوحيد الألوهيَّة، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، واجتناب الطَّاغوت، والأصنام. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: 36].

وقد ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم  صحابته على تجريد التَّوحيد بأنواعه كلِّها، وكان هو صلى الله عليه وسلم  مثالاً حيَّاً للمؤمن الموحِّد غاية التَّوحيد: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الأنعام: 161 – 164].

وقد آتت تربية الرَّسول صلى الله عليه وسلم  لأصحابه ثمارها المباركة؛ فتطهَّر الصَّحابة في الجملة ممَّا يضادُّ توحيد الألوهيَّة، وتوحيد الرُّبوبيَّة، وتوحيد الأسماء والصِّفات، فلم يحتكموا إلا إلى الله وحده، ولم يطيعوا غير الله، ولم يتَّبعوا أحداً على غير مرضاة الله، ولم يحبُّوا غير الله كحب الله، ولم يخشوا إلا الله، ولم يتوكَّلوا إلا على الله، ولم يلتجئوا إلا إلى الله، ولم يدعوا دعاء المسألة والمغفرة إلا لله وحده، ولم يذبحوا إلا لله، ولم ينذروا إلا لله، ولم يستغيثوا إلا بالله، ولم يستعينوا – فيما لا يقدر عليه إلا الله – إلا بالله وحده، ولم يركعوا، أو يسجدوا، أو يَحُجُّوا، أو يطوفوا، أو يتعبَّدوا إلا لله وحـده، ولم يُشَبِّهُوا الله لا بالمخلوقات، ولا بالمعدومات.

بل نزَّهوه غاية التَّنزيه، وأثبتوا له ما أثبته لنفسـه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريفٍ، أو تعطيلٍ، أو تأويلٍ، ولم يخافوا خوف السِّرِّ إلا من الله وحده، ولم يصرفوا الطَّاعة المطلقة إلا لله وحده، ولم يشركوا أحداً من خلقه في خاصِّيَّةٍ من خصائص ربوبيَّته؛ كالإحياء، والإماتة، والرِّزق، والعلم المحيط، والقدرة الباهرة، والقيُّوميَّـة، والبقاء المطلق، والتَّحليل، والتَّحريم، ونحو ذلـك؛ جعلنا الله ممَّن يحقِّق التَّوحيد قولاً، وعملاً، واعتقاداً، إنَّه وليُّ ذلك، والقادر عليه. (أهمِّيَّة الجهاد في نشر الدَّعوة ، ص 54)

وقد جاء القرآن المكِّيُّ موضِّحاً عقيدة التَّوحيد، ومثبِّتاً لرسالة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  إلى الإنس، والجنِّ كافةً. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ 28]

وقال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقرآن فَلـمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلـمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ *قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ *يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 29 – 31] وغير هذه الآيات في القرآن الكريم كثيرٌ، والَّتي تثبت رسالة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  للإنس والجنِّ كافَّةً. (أهمِّيَّة الجهاد في نشر الدَّعوة ، ص 56)

وكما رسَّخ القرآن المكِّيُّ في قلوب الصَّحابة رضي الله عنهم العقيدة الصَّحيحة حول التَّوحيد بأنواعـه، وحول الرَّسول صلى الله عليه وسلم  والرِّسالـة؛ صحَّح عقيدتهم حـول الملائكة، وأنَّهم خلقٌ من خلقه، يسجدون له، ولا يستكبرون عن عبادته، وليس لهم شركٌ في السَّماء ولا في الأرض، وأنَّهم لا يضرُّون ولا ينفعون أحداً إلا بأمره سبحانه: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 13]

﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَآبَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ النحل: 49]

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فاطر: 1]

﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22] ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206] .

وكذلك سائر أركان الإيمان الأخرى، غرسها القرآن المكِّيُّ في قلوب المؤمنين بأسلوب القرآن المعجز، ووضَّحها للنَّاس كافَّةً؛ فبيَّن كيفيَّة إنزال القرآن على الرَّسول صلى الله عليه وسلم  : ﴿وَقرآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾ [الإسراء: 106]

﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91] .

وبيَّن سبحانه: أنَّ له كتباً غير القرآن الكريم: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعَضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾[الإسراء: 55]

﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ﴾[آل عمران: 3]

وبيَّن سبحانه: أنَّه بعث كثيراً من الأنبياء: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ ﴾[الزخرف: 6]

فبعضهم ذكرهم القرآن، وبعضهم لم يذكرهم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾[غافر: 78].

إن بناء الجيل الأول، والرعيل الأزهر، على العقيدة الصافية، والتوحيد الخالص؛ هو الذي ارتقى بهم في الدنيا، وسبّب لهم الفلاح في الآخرة، فبه جاهدوا في الله حقّ جهاده، وفتحوا البلاد، ونشروا الدين، وبذلوا في سبيل نشر كلمة التوحيد الغالي والنفيس؛ وبهذا المنهج، وهذه الطريقة تُصلُح الأجيال المتلاحقة، وينالون العزة والرفعة بين الشعوب والأمم.


المراجع:

أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية، علي بن نفيع العلياني.

السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي محمد الصلابي.