اقرأ أيضا:
ويتمثل العمل الصالح في العبادة والطاعات والفرائض التي أمر الله العباد بها، وكان سبب خلقهم ووجودهم على وجه المعمور، فقد جاء في الإبانة لابن بطة البيان الشافي لنوع العلاقة والربط الذي يجمع بين العبادة والعمل الصالح.
جاء في كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة ما يفيد أن معنى العمل الصالح هو العبادة التي يقصد بها مرضاة الله وجناته، ونشير إلى أبرز ما جاء في هذا الكتاب:
1 – إن أصل الإيمان هو النطق بالشهادتين، وحقيقته العمل، وجمع الله ذلك في كتابه العزيز بآية جمعت كل قول طيب وكل عمل صالح وهو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
فإنه جمع في هذه الآية القول والعمل، والإخلاص والطاعة لعبادته وطاعته والإيمان به وبكتبه وبرسله، وما كانوا عليه من عبادة الله وطاعته.
2 – العبادة عمل، والعمل من الإيمان، [فلو كانت العبادة التي خلقهم الله لها قولاً بغير عمل لما أسماها عبادة وسماها قولاً، ولقال: وما خلقت الجن والأنس إلا ليقولون]، فكونه قال ((إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) دل على أن العمل من الإيمان، وأنه عبادة.
3 – أن العبادة خدمة، وأن الخدمة عمل، وأن العامل مع الله عز وجل إنما عمله أداء الفرائض واجتناب المحارم، وطاعة الله فيما أمر به من شرائع الدين وأداء الفرائض، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:77 – 78].
4 – أن الصلاة والزكاة والصيام والحج والقربات والأعمال الطيبة الحسنة جميعها منتظمة في الدين، فكان الدين هو العمل الصالح الذي يوافق أصول الإيمان الذي جاء به المرسلون يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162]. وقال: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون} [الأنعام: 71].[3]
5 – وعلى هذا الأصل أسس ابن تيمية اختياره بأن الدين هو العبادة فقال: «وتسأل عن الدين فالدين هو العبادة، فإنك لن تجد رجلا من أهل الدين ترك عبادة أهل دين ثم لا يدخل في دين آخر إلا صار لا دين له. وتسأل عن العبادة والعبادة هي الطاعة ذلك أنه من أطاع الله فيما أمره به وفيما نهاه عنه فقد آثر عبادة الله ومن أطاع الشيطان في دينه وعمله فقد عبد الشيطان ألا ترى أن الله قال للذين فرطوا: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} وإنما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم.»[4]
يظهر من الشرح السابق أن العمل الصالح أينما ورد سواء في الكتاب أو السنة النبوية فالمقصود منه أعمال الطاعات والقربات والعبادات والتي تشمل الأعمال القلبية من صلاح السريرة، وإخلاص النية، والاعتقاد الصحيح المنافي للكفر والشرك، كما تشمل الأعمال البدنية.
لذلك تتنوع الأعمال الصالحة، وهي جميع ما أمر الله تعالى به على وجه الوجوب والاستحباب من العبادات والمعاملات، فإذا قام بها المسلم ملاحظًا الطاعة لربه، والانقياد لشرعه، مبتغيًا بها وجه الله، فهو من أصحاب الأعمال الصالحة، وفي مقدمة هذه الأعمال الصالحة العبادات، وفي مقدمتها العبادات التي جاءت في حديث جبريل، وهي: الصلاة والزكاة والصيام والحج، فهي من أركان الإسلام التي لا يجوز التهاون بها مطلقًا، أو التقليل من أهميتها[5].
وينبغي أن يستحضر المسلم في مسألة الأعمال الصالحة حيث جاء الأمر بها هذه المعاني الآتية:
1 – المسارعة إلى القيام بها
كما في قول الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
وقوله تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21].
وكما في قوله تعالى عن نبيِّ الله موسى عليه السلام: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
وقوله سبحانه عن زكريا عليه السلام وأهله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].
2- الاستمرار عليها مع الاجتهاد فيها (الاستقامة)
كما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].
وكما في اجتهاد أولياء الله تعالى في عبادتهم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 15، 16].
وفي قوله سبحانه: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 17 – 19]. وفي قوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64].
3- رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول: كما في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27].
[1] نسبه ابن تيمية إلى الحسن البصري من رواية عباس الدوري بسنده، ثم قال في «مجموع الفتاوى» (7/ 294): «ورواه ابن بطة من الوجهين». وذكره الطبري في تفسيره (19/240).
[2] د. عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة (ص39).
[3] الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 794).
[4] مجموع الفتاوى (7/ 295).
[5] د. عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة (ص41).
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين