أبرز  الدكتور عبدالسلام العبادي، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمؤتمر التعاون الإسلامي، جدة، من خلال ورقته البحثية المقدمة في مؤتمر الإرهاب وسبل معالجته، الذي عقدته كلية الشريعة، جامعة قطر، 2016، أهم المبادئ الفقهية لموقف الإسلام من حقيقة التطرف والإرهاب بمسماه اليوم، وسبل مواجهته، حين استهل حديثه بإثبات المفارقة الاصطلاحية للفظة   الإرهاب بين الاستخدام القرآني والمعنى المعاصر الذي يقصد عند إطلاقها،  فلفظة الإرهاب تطلق ويراد بها الممارسات الخاطئة التي تستخدم في تقتيل الناس، وترويع الآمنين والاعتداء على المدنيين، والإجهاز على الجرحى وقتل الأسرى، واستخدام الممارسات والوسائل غير الأخلاقية في الحروب، مثل تهديم العمران وخلع الأشجار، واستباحة المدن ..

ومع تعدد محاولات وضع تعريف مناسب لمفهوم الإرهاب بين المجامع والأكاديميات والباحثين  إلا أن العبادي يرى أن هذه المحاولات في معظمها تدخل صورا من التجاوزات والمخالفات ضمن المفهوم، وتعتمد بعضها عبارات مطلقة توصف هذه التجاوزات بأنها غير مقبولة أو غير مشروعة. واقترح حيال تحديد مفهوم الإرهاب وضع ميثاق عالمي على أساس جهد رصين تلتقي فيه جهود العلماء المختصين بعيدا عن الأهواء العامة، والمصالح المضيقة الخاصة بالدول القوية المسيطرة، يحدد مفهوم الإرهاب بشكل محكم ودقيق.

حاول الدكتور العبادي إلى جانب النظر في حقيقة الإرهاب من حيث المفهوم دراسة أهم المبادئ الإسلامية التي تبرز موقف الإسلام من الإرهاب والتطرف، بالمعنى المعاصر، وجعلها في عشرين نقطة هي:

1 – أن الشريعة مرتبطة بمصالح العباد في العاجل والآجل، في السلم والحرب، وهي عائدة على البشر في دنياهم وأخراهم.

2 – التوازن والاعتدال من الصفات الأساسية للإسلام، فقد تعامل الإسلام بتوازن واعتدال مع الكينونة الإنسانية بكل مكوناتها – جسما وعقلا وروحا – دون أن يختل بجانب دون الآخر. فإن الإسلام حارب الغلو والتطرف والتنطع كما حارب التحلل والتسيب والتفلت من القيود سواء بسواء.

3 – وحدة الجنس البشري، وأن الاختلاف بين الشعوب والقبائل طريق للتعارف والتعاون، مع التساوي في الحقوق والواجبات.

4 – الاعتراف بحق الإنسان في الحياة والكرامة والحرية دون نظر إلى لونه أو جنسه أو دينه.

5 – أصل الديانات السماوية واحد، وعلى المسلم احترام جميع الرسل وعدم التفريق بينهم، وإنكار رسالة أي أحد منهم خروج عن الإسلام وردة.

6 – علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، وأن الحرب ضرورة تقدر بقدرها، واجه به الإسلام الواقع، فهي ليست مشروعة لذاتها، بل لها دوافعها وأسبابها المحددة..

7 – المسلمون في جهادهم دعاة إلى الله تعالى بالمستوى الأول، لا يقصدون الاستعلاء في الأرض والتحكم بمصائر الامم والشعوب، إنما يقصدون تبليغ دعوة الله تعالى.

8 – الحرص على هداية الناس وبذل الجهد في التوضيح والبيان والإقناع ، لذلك كان منهج الدعوة يقوم على الرفق واللين والحرص على هداية الناس.

9 – التأكيد على مبدأ المعاملة بالمثل مع الحث على التسامح والعفو.

10 – تقرير مبدأ العدالة في معاملة الآخرين، والحرص على عدم الاعتداء على حقوقهم، وعدم بخس الناس أشياءهم.

11– تقرير مبدأ العدالة والمساواة المطلقة في معاملة الأعداء، حتى أصبحت صور العدالة الممارسة في الدولة الإسلامية أمورا تتمناها البشرية كلها.

12 – الدعوة إلى الرحمة في المعاملة، وتأكيد الاهتمام بمصالح الناس، والحرص على خيرهم وسعادتهم

 13– التأكيد على وجوب احترام العهود والمواثيق، وتحريم الغدر والخيانة ونقض العهود من الأعداء

14– تنظيم كل ما يتعلق بالحرب من حيث الأسباب والاهداف وكيفية الإعلان، في إطار منظور إسلامي راشد، يقوم على أسس السلام والعدل.

15– معاملة المقاتلين والأسرى والجرحى على أساس الحرص على هداية الناس، وعدم إكراههم على الدين، والرغبة على غرس التقوى والأخلاق الحميدة في نفوس الجند..

16 – التفرقة بين جهاد الطلب وجهاد الدفع في التراث الفقهي بيان لأسباب القتال في الإسلام، حيث إن السبب من جهاد الطلب تبليغ رسالة الإسلام دون إكراه الناس عليه، والغاية من جهاد الدفع ما يفرضه واجب الدفاع الشرعي المقرر إذا حدث اعتداء من العدو على الأمة، حفاظا على أمن الأمة.

17– إن قواعد القانون الدولي الإنساني لا تخرج عن عباءة الإسلام بحال، بل إن الكثير من هذه القواعد تجد مصادرها في هذا الدين الحنيف.

18– تعميق العلاقات مع المسالمين من غير المسلمين، وطلب الاستفادة منها في توضيح صورة الإسلام، وهيمتثل ذلك في قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) /التوبة: 6/

19– الحوار السلمي والالتقاء مع غير المسلمين لبيان وجهة نظر الإسلام في مشكلات الواقع الإنساني لا يقف حاجزا أمامه تقسيم التراث للعالم إلى دارين: دار إسلام أو سلام، ودار كفر أو حرب، فإن هذا التقسيم اجتهادي وضعه الفقهاء لتخريج الاحكام العملية المنظمة للواقع الدولي، فحيث تطبق الشريعة الإسلامية فهو دار إسلام، وحيث لا تطبق فهو دار كفر أو حرب.

20– جميع شرائع الإسلام مرتبطة بشمولها بالعقيدة والإيمان والجزاء الأخروي، وليس مجرد توجيهات وعظية غير ملزمة، أو معالجات جزئية محدودة.

وفي نهاية هذا التقديم من الدكتور عبد السلام العبادي، أشار إلى أساس المواجهة الفقهية لظاهرة الإرهاب في العالم الحاضر في صورتي الحرابة والغلو، ورأى أن الإسلام حارب هاتين الظاهرتين، وقدم لمعالجتهما أحكاما عقدية وخلقية وتهذيبية، وأحكاما عملية فقهية، التي تظهر بوضوح في أبواب الجنايات والعقوبات، فقد جاءت عقوبة جريمة الحرابة في محكم التنزيل مشددة وذلك للقضاء عليها، كما أن الشريعة فتحت جانب معالجة الحرابة بالتوبة وعدم المعاقبة لمن يتوب منها. كما بين الإسلام وجوب ردع الإمام البغاة الخارجين بدعوتهم إلى التوبة، والرجوع إلى الجماعة، والدخول في الطاعة رجاء حسم مادة البغي التي قد تصل إلى الحرب الأهلية.

 وتبعا لهذا يدعم العبادي اختياره هذا بقرارالمجمع الفقه الإسلامي الدولي المتميز بشأن موقف الإسلام من الغلو والتطرف والإرهاب، في دورته السابعة (1427 هـ) – 2006 بتاريخها الميلادي، الذي يعتبر جميع أعمال الإرهاب، وأنواعه وممارساته أعمالا إجرامية محرمة، وتدخل ضمن جريمة الحرابة.. وفرق المجمع بين الأعمال الإرهابية المحظورة والمقاومة المشروعة للاحتلال بالوسائل المقبولة شرعا.