تكاد تكون ممارسة الرياضة من الأنشطة الإنسانية التي بدأها الإنسان منذ فجر قديم، بعضها كان يتعلق بتقوية البنية الجسدية، وبعضها تعلق بالتدريب اليومي فيما يصب في فنون الحرب بصورته القديمة، وبعضها كان من باب التسلية، غير أن تحول الرياضات إلى مؤسسات ضخمة، ورصد الدول لها مليارات الأموال، وإنشاء أندية خاصة بها، واتحاد ومسابقات محلية ودولية، وإنشاء قنوات تحتكر إذاعة المباريات، فتحولت الرياضة من ممارسة إلى طريق للتكسب والتربح، ليس الفردي، بل الدولي، وأضحت بعض الدول تخرج من ميزانيتها ما تسعى للمشاركة الدولية، على حساب تقديم الخدمات العامة التي لا يمكن أن يستغني عنها أي إنسان.

بالإضافة إلى هذا برزت إشكاليات أخرى، كالرياضات العنيفة، التي قد تؤدي إلى وفاة بعض الناس كالملاكمة والمصارعة في بعض أشكالهما، بل وأدخل الحيوان فيها ليصارعه الإنسان فيما يعرف بمصارعة الثيران، وكذلك الرياضات مع باقي الحيوانات كالأسود والثعابين واستعراض القوى، مما قد يؤدي إلى قتل الإنسان نفسه من خلال تلك الرياضة.

بالإضافة إلى بعض الإشكاليات الأخرى، كبعض الرياضات التي تحتوي على طقوس غريبة، من الرياضات التي اختلفت صورها عن نشأتها، ويبقى الاجتهاد الفقهي ليتعدى المنشأ ويحكم بالصورة الواقعة، أم لا يمكن له أن يتغافل عن البدايات واللائحة الأساسية التي أنشئت بها اللعبة، وهنا يختلف الاجتهاد الفقهي ليخرج بآراء متباينة بين الحل والحرمة في اللعبة الواحدة.

وفيما يخص المرأة، فإنه لا يختلف عن الرجل كثيرًا، فقد مارست المرأة الرياضة منذ فجر التاريخ، ولم يحرم الإسلام ذلك، وإن وضع لها الضوابط، غير أن هوس المساواة بما لا يتفق مع طبيعة المرأة، وتجيء هنا الاجتهادات الفقهية ساعية إلى البقاء على حق المرأة في الممارسة، ووضع الضوابط التي تجعل من الممارسة حقا مشروعا، مبتعدا في ذات الوقت عن كل الأسباب التي تخرج الرياضة من الحرام إلى أصل الإباحة، وتبقى إشكالية إباحة الظاهر لتوافر الشروط، ولكن حين النظر لفقه المقاصد وفقه المآلات قد تختلف النتيجة الفقهية من مسألة لأخرى، ومن رياضة لغيرها، لتضع الفقهاء في اجتهاد معاصر يحتاج إلى نوع من الدراسة المتأنية، للخروج بفتوى تصح على الحالات المحكوم عليها.

ومن ضمن الإشكاليات المطروحة هو أن تكون وظيفة الإنسان “لاعب رياضي”، ليتكسب منها ويأخذ راتبه، الذي يتعدى رواتب عدد من كبار الموظفين والمسؤولين في أصله المنصوص عليه، بل والمنافسة بين الأندية لشراء لاعب، وفق قوانين الأندية التي لا تبيح للاعب الانتقال إلا بموافقة ناديه، حسب السعر المطلوب، وما في ذلك من تشبه بالعبيد كما قال بعض الفقهاء المعاصرين، أو إن الأمر لا يعدو أن يكون بيع خبرات زيد في ثمنها، والزيادة في ثمن الخبرة إشكالية فقهية، لتكون في المسألة الواحدة عدة إشكاليات طريقها الاجتهاد الفقهي، لنخرج من خلاله بحل.

ولم يقف التكسب عند اللاعبين والأندية والدول، بل تعدى الجمهور الذي أخذ يتراهن فيما بينه على من يفوز، ويتكسب من وراء ذلك الأموال الطائلة، ويدخل ضمنها صنع بعض الأعلام والملابس المطبوع عليها أسماء أو صور بعض اللاعبين، لتباع بثمن باهظ ضمن الدورات الرياضية، فضلا عما وصل إليه الجمهور من التعصب لتشجيع فريقه إلى حد السب واللعن والمعاداة والضرب والاعتداء، والخصام، وما في ذلك من تشتت الأمة وسوء أخلاقها .

وإن كنا نتحدث عن الرياضة وفوائدها، فهل يبقى الناس يشاهدونها في ” الإستاد”، وفي البيوت، وعلى المقاهي فحسب، أم أن الأمر يحتاج أن تكون الرياضة حقا للجميع، وتفتح الأندية للممارسة، وتنشأ أندية للشباب في المناطق التي تشكو فقر الرياضة فيها، حتى تكون أنفع للمجتمع، ليكون المسلم قوي البنية والبينة، صحيح الجسد والعقيدة، وتعقل الأمة موازينها في النفقة على تلك الرياضة بما يعود بالنفع والصالح للمجتمع، من صحة الأبدان والأديان.

مسعود صبري