للمواطنين الحق في الحصول على الأمن والخصوصية معا ، لكن الصعوبات تظهر حين يصطدم هذان الأمران ببعضهما البعض، كما هو حاصل اليوم في المعركة بين شركة “أبل “ووكالة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة الأميركية.فقد رفضت “أبل” الاستجابة للأمر القضائي بمساعدة ال”اف بي آي” بفتح جهاز الآي فون الخاص بسيد فاروق، أحد المتورطين بالهجوم الإرهابي في سان برناردينو بفرنسا في ديسمبر الماضي. الشركة قالت إن طلب الحكومة يهدد بشكل أساسي خصوصية المستخدمين ، بينما اعتبرت ال”اف بي آي” أن موقف الشركة يعرض أمن الاميركيين للخطر.
مطلوب برمجية جديدة
من ناحية قانونية يرى البعض ان أبل لا بد لها من الانصياع للقانون ، ولا يمكنها انتقاء أي القواعد التي ستلتزم بها، وفي نهاية المطاف يمكنها أيضا أن تستأنف على قرار المحكمة، وإذا خسرت هذه المعركة فيجب عليها تطبيق الأمر القضائي. لكن السؤال المهم هو:هل أبل محقة في الرفض ؟ هذا يعتمد على مسألتين؛ الأولى هي ما إذا كان طلب الإف بي آي يشكل سابقة. وكالة إنفاذ القانون تقول :لا ، هذه ليست محاولة لتأسيس عيب في نظام التشفير لدى الشركة بحيث تتمكن الحكومة من استغلاله متى أرادت ذلك . انه طلب لفتح جهاز محدد، بما يشبه التنصت على خط هاتفي واحد. أبل وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى تتعاون بشكل منتظم مع السلطات في قضايا الجرائم، وهذه الحالة ليست مختلفة.
مع ذلك فهذه المرة طلب من أبل أمر جديد: أن تضع برمجية ، غير موجودة حاليا ، تسمح بتجنب ميزة آي فون التي تمسح بيانات الجهاز بعد عشر محاولات غير ناجحة لإدخال كلمة المرور. علما أن النموذج الأحدث ، من ذلك الذي استخدمه فاروق، من آي فون اختراقه أكثرصعوبة بهذه الطريقة. ولكن اذا تم تأييد أمر المحكمة، فإن ذلك يشير إلى أن الشركات يمكن أن تجبر مستقبلا من قبل الدولة لكتابة تعليمات تشغيل جديدة للأجهزة الخاصة بها.
المسألة الثانية هي ما إذا كان لهذه السابقة ما يبررها ، وما إذا كان انصياع أبل لهذا الطلب سيعزز الأمن أو يضعفه؟ الإجابة أنه على المدى القريب نعم سيتم تعزيز الأمن . فاروق كان إرهابيا، وفتح جهازه المقفل قد يساعد في التعرف على مخربين آخرين. ولكن على المدى البعيد فإن الأمور أكثر ضبابية من هذا.
محاذير كثيرة
الأمن لا يعني فقط حماية الناس من الإرهاب، إنما أيضا حمايتهم من تهديدات وكالات التجسس ومجرمي الانترنت والحكومات المعادية. إذا وضعت أبل برمجية تمكن من التحايل على نظام كلمة المرور الخاصة بجهاز واحد، فان هذه البرمجية من الوارد ان تقع في ايدي قراصنة ويتم تعديلها لفتح أجهزة أخرى. إذا وجدت مثل هذه البرمجية فستكون مغرية بالنسبة للسلطات لاستخدامها مرارا وتكرارا. واذا أجبرت شركات التكنولوجيا على الانصياع لمثل هذا الطلب في أميركا، فسيكون من الصعب التصدي لمثل هذا الإجراء في دول أخرى قمعية، كالصين مثلا.
أذا ما جاء الحكم القضائي ضد أبل ، فسيضمن أن اجهزة الشركة ستكون مأمنة بحيث لا يمكن مسح بياناتها مع أي تحديث جديد، وفي هذه الحالة أو حتى في حال ربحت الشركة قضيتها ، فان المشرعين سيسعون لفرض قانون يسمح بما يسمى ب”الباب الخلفي”للنفاذ للأجهزة . وإذا أراد رئيس شركة أبل تيم كوك تجنب هذا السيناريو فعليه أن يقدم ضمانات أمان تقنع الشركة بالاستجابة إلى طلب ال “اف بي آي”.