يقع الخلط كثيراً بين تسميتي ” النصارى” و “المسيحيين” اصطلاحاً ومفاهيمياً، سواء من قبل المسلمين أو من قبل غيرهم. فهل هم سواء؟، وما معنى كل منهما؟، وما محل هذه التسميات في القرآن الكريم ؟.
أما النصارى فجمع نصران ونصرانة، قال ابن بري: هذا في الأصل دون الاستعمال، وإنما المستعمل في الكلام نصراني، ونصرانيّة بياء النسبة؛ وهم أتباع المسيح عليه السلام. والنصرانية هي الديانة التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه السلام.
ويقول الإمام الشهرستاني: النصارى أمة عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته عليه السلام، وهو المبعوث حقاً بعد موسى عليه السلام.
والنصرانيّ هو من تعبد بدين النصرانية، وسُمّوا بهذا الاسم نسبة إلى قرية الناصرية بفلسطين من أرض الجليل التي بعث فيها المسيح والتي انطلق منها يبلغ دين الله إلى الناس، ومن ثم أطلق عليه المسيح يسوع الناصري.
وقيل سُمّوا نصارى؛ لأنهم نصروا المسيح فقد جاء في تفسير الألوسي: النصارى اسم لأصحاب عيسى عليه السلام، وسموا بذلك لأنهم نصروه أو لنصر بعضهم لبعض.
وهم في الأصل اثنا عشر رجلاً يقال لهم الحواريون، والتعريف الاصطلاحي للنصارى: هم أتباع ديانة المسيح ابن مريم سواء كانوا متمسكين بديانتهم أو مفرطين.
وقد أطلق على أتباع عيسى عليه السلام في القرآن والسنة النصارى، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة: 62).
وفي السنة قوله ﷺ: “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. فينصرانه نسبة إلى النصرانية، والمنتسبون إليها يسمّون نصارى.
المسيحية
يسمي النصارى أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى دين المسيح عليه السلام، ويسمون ديانتهم بالمسيحية، ولم ترد هذه التسمية في القرآن الكريم ولا السنة النبوية، وأما أول إطلاق هذه التسمية عليهم فقيل: في القرن الثالث الميلادي، وقيل: قبل ذلك في عام 42م في أنطاكية، ويرى البعض أن ذلك كان من باب الشتم لهم.
وذلك أنهم فرقة مخالفة للمجتمع الذي ظهر فيه عيسى عليه السلام وأتباعه حيث سيطرة الرومان الوثنيين، وعداء اليهود الشديد لعيسى عليه السلام وأتباعه وسعيهم لدى الرومان في قتله، ولذلك فالأولى أن يسموا بما سماهم القرآن (النصارى).
لماذا لقب عيسى بالمسيح؟
وعيسى اسم علم أعجمي، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، ويسميه النصارى (يسوع) ومعناها عندهم المخلص، ونحن نستخدم الاسم الذي سماه الله به، والذي أخبرنا عنه في القرآن، ولقب عيسى عليه السلام هو (المسيح)، وذكر هذا اللقب إحدى عشر مرة في القرآن الكريم، وهو على وزن فعيل مشتق من المسح، وذهب بعضهم إلى أن مسيح بمعنى اسم الفاعل (ماسح)، بينما ذهب آخرون إلى أنه بمعنى اسم المفعول (ممسوح)، فما معنى هذا اللقب؟ ولماذا لقب عيسى عليه السلام به، سواء كان بمعنى اسم الفاعل (ماسح) أو كان بمعنى اسم المفعول (ممسوح).
قال الإمام الراغب الأصفهاني: المسح: إمرار اليد على الشيء، وإزالة الأثر عنه. وقيل: سمي عيسى عليه السلام مسيحاً لكونه ماسحاً في الأرض، أي ذاهباً فيها، وقيل: سمي مسيحاً لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ.
وقال بعضهم: عيسى ابن مريم هو المسيح؛ لأنه مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة.
فإذا كان (المسيح) بمعنى اسم الفاعل (ماسح) فإن عيسى عليه السلام لقب به لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة والسير فيها، أو لأنه كان يمسح بيده على المريض فيبرأ، وإذا كان (المسيح) بمعنى اسم مفعول (ممسوح)، فإنه لقب به لأن الله مسحه بالبركة.
فكان ممسوحاً مباركاً، ونرى أن لقبه جمع بين اسم الفاعل واسم المفعول ويكون صيغة مبالغة على وزن (فعيل).
- ومن المعاني: الممسوح الأخمص من القدم، أي: أن قدمه مخموصة قطعة واحدة وليس فيها التجويف الداخلي في القدم.
- ومن المعاني: مسحة من الجمال، ولذلك قال النبي ﷺ عن جرير بن عبد الله “كأن فيه مسحة من ملك.
- أما معنى المسيح عند النصارى فهو المكرّس للخدمة والفداء، “سُمّي يسوع المسيح؛ لأنه معززٌ ومكرسٌ للخدمة والفداء، ووعد بمجيئه حالاً بعد السقوط”.
ونسب عيسى عليه السلام إلى أمه مريم (عيسى ابن مريم)؛ لأنه لا أب له، وذلك للرد على مزاعم النصارى حول تأليه عيسى عليه السلام، فهم يقولون: عيسى ابن الله والقرآن يكذبهم قائلاً لهم: إنه ابن مريم، وأمه تعرفونها عن يقين، فكيف ابن الله؟ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
الفرق بين المسيحي والنصراني
إنَّ المتأمل في كتابات الدارسين للنصرانية والمسيحية يدرك أن ثمة إجماعاً بوجود فرق جوهري بين المسيحي والنصراني، لكن الاختلاف بين المهتمين بقوة في المسألة يبدأ عند تحديد التسمية التي تصدق على الأتباع الحقيقيين لنبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام. ويمكن حصر الموقف من المسألة في اتجاهين:
- الاتجاه الأول: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن “النصارى هم الأتباع الحقيقيون لنبي الله عيسى عليه السلام، ويستدلون بشهادة القرآن الكريم عند قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَـلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُـهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (آل عمران: 44 -45).
فقد سمَّى القرآن الكريم بنص هذه الآية من استجاب لدعوة المسيح عليه السلام ونصره وآزره بالنصارى.
وتقوية للحجة يلفت أصحاب هذا الاتجاه الانتباه إلى مسألة مفادها: أن أهل الإنجيل يفضلون صفة النصراني على المسيحي حتى إنك لا تكاد تجد في الإنجيل نصاً يسمي أتباع السيد المسيح بالمسيحيين، بل لا تجد ذكراً إلا (للنصارى) باعتبارهم يمثلون أنصار عيسى عليه السلام وأتباعه الحقيقيين.
- الاتجاه الثاني: ينطلق أصحاب هذا الاتجاه للاستدلال على أن المسيحيين هم أتباع السيد المسيح حقاً من الدّلالات اللغوية للفظة المسيح، فالمسيحي لغة تتضمن معاني الانتساب للسيد المسيح عليه السلام، كما أن فريقاً من القسيسين يفضلون اسم المسيحي على النصراني، وقد صرح القسّ حموئيل مشرقي أنه من نكد الدنيا على المسيحيين أن أطلق عليهم منذ الفتح الإسلامي اسم نصارى على خلاف الحقيقة، ثم بين أن اسم نصارى يطلق على فرقة من اليهود آمنت بعيسى عليه السلام، على أنه رسول المسيح المنتظر لا أنه المسيح المنتظر، أما المسيحيون فهم الذين – حسب قوله – آمنوا بعيسى على أنه الإله، أو إله.
والكلمة الحق في النصرانية هي ما جاءنا من الله عز وجل في كتابه القرآن الكريم، فنجد أن الله عز وجل سمى أتباع المسيح عليه السلام:
- حواريين: قال تعالى:﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾(الصف: 14).
- مؤمنين من النصارى: قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ (المائدة: 84 -85).
المراجع:
1. علي محمد محمد الصلابي، المسيح عيسى بن مريم الحقيقة الكاملة، دار ابن كثير، بيروت، 2019، ط1.
2. نور الدين عادل، مجادلة أهل الكتاب في القرآن الكريم والسنة النبوية، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 2007م، 88 -90.
3. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، دمشق / الدار الشامية، بيروت، ط1، 1412ه، ص. ص 767 -768.
4. صلاح الخالدي، مواقف الأنبياء من القرآن، دار القلم، دمشق، ط1، 2010م، 377 – 378.
5. سليمان بن عبد الله بن صالح الرومي، دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية، مكتبة الرشد -ناشرون، الرياض، ط1، 1428ه -2007م، 1/17.