اقرأ أيضا:
إن هذه الطريقة في التفكير تقود في النهاية إلى الاستسلام التام للأحداث، ومعناه الاستسلام التام لمشاريع الآخرين، ولو كانت تستهدف ديننا وأرضنا ووجودنا، فالأحداث التي نشهدها ليست أحداثاً قدرية معزولة عن تخطيط البشر، وعملهم المتواصل للوصول إلى ما يبتغون، ومن هنا ندرك خطورة هذا التفكير، والذي يغذّيه في كثير من الأحيان الخطاب الديني الضعيف والمرتبك، والذي يستند إلى المعلومات المقطّعة، والأساليب العاطفية البعيدة عن التحقيق العلمي الرصين في دراسة الدين، ونصوصه، أو في فهم الواقع وملابساته.
كان أحدهم يحدّث بحديث البخاري: “يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفرّ بدينه من الفتن”، ليصل في استنباطاته إلى مركّب غريب من التناقضات التي لا ينظمها ناظم، ولا يربطها رابط، فمن ذاك الذي يستطيع أن يهجر الحياة بكل تفاصيلها، وكم سيلتحق به من المؤمنين الذين يفرّون بهذه الطريقة من الفتن، وكيف سيربّون أبناءهم وبناتهم، وكيف سيقيمون شعائرهم الدينية من جماعة وجمعة وعمرة وحج.. الخ وإذا كان هذا يناسب عشرة أو عشرين أو ألفاً أو ألفين، فأين ستذهب هذه الأمة التي تربو على المليار والنصف؟
مثل هذا الحديث أيضاً حديث “فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك” .
لقد قطعت هذه الأحاديث من سياقها، ووضعت في غير ما وضعت له، حتى غدت كأنها تنسخ ثوابت الإسلام، ومقاصده الكبرى، ومنهجه في إصلاح هذه الحياة، فالله جعل الإنسان خليفة في الأرض، وليس ليعتزل في الكهوف، وأمره بنشر الخير ومكافحة الفساد {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وفي الحديث “الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة”. وفي حديث آخر: “إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها” ، فالإسلام دين علم وعمل وجد واجتهاد وصلاح وإصلاح، وليس دين تواكل وتقاعس وهروب من الواقع.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين