إذا وجدت نفسك وأنت تقرأ هذا الكتاب تهز رأسك موافقًا على أنه ينطبق عليك؛ فاعلم أنك لست وحيدًا؛ فقد عبر الكاتب في المقدمة من خلال تجربته الشخصية عن بعض أوجه الاختلاف التي اكتشفها بين عالَم الرجل وعالَم المرأة. هذا الاكتشاف الذي دفعه لإجراء بحث استغرق سبع سنوات تعامل فيه مع 25000 مشارك من الرجال والنساء، وخرج من تلك المحاضرات، ومن هذا البحث بهذا الكتاب. وكل المبادئ الموجودة فيه، سبق اختبارها وتطبيقها، حتى إن 90% من المشاركين الـ 25000 الذين سبق سؤالهم، اعتبروا هذه الأوصاف تنطبق عليهم.. وكما استفاد الآخرون، بإمكانك أنت أيضًا الاستفادة.

الكتاب هو: “آدم من المريخ.. وحواء من الزهرة” تأليف الكاتب والطبيب النفسي الأمريكي د.”جون جراي” عام 1992. حقق مبيعات تصل لأربعة ملايين نسخة، كما ظل على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 122 أسبوعًا. يُعَدُّ هذا الكتاب دليلاً عمليًّا لتحسين أساليب الاتصال والتواصل بين الرجل والمرأة للوصول لعلاقات صحية يحصل فيها كلا الطرفين على ما يحتاجه من شريكه، قامت بترجمته للعربية الأستاذة “عزة العشماوي”، وقد صدر عن دار الهلال بالقاهرة في نوفمبر 1999. بالرغم من طول الكتاب الصادر في 415 صفحة ومقسم إلى 13 فصلاً؛ فإن البساطة المتناهية والذكية في استخدام اللغة أتاحت لعدد ضخم جدًّا من الرجال والنساء الاطلاع عليه، والاستفادة من أفكاره العملية.

الحقيقة.. أننا مختلفون

 في الفصل الأول من كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” أعطانا مقدمة تاريخية هزلية توضح أن الرجل والمرأة قد جاءا من كوكبين مختلفين، وكيف تم اللقاء بينهما على كوكب الأرض، وفي لحظة اللقاء نسي كلا الطرفين هذه الحقيقة الهامة. ثم كيف أصبحنا نتوقع دائمًا من الجنس الآخر أن يكون مثلنا يريد ما نريد، ويشعر بما نشعر، ونتصور دائمًا عن جهل أن تصرفات شريكنا واستجاباته إذا كان يحبنا حقًّا سوف تكون مشابهةً لتصرفاتنا، ونسينا أننا مختلفون مما شحن علاقاتنا بالاحتكاك والنزاع الدائم.

وما يلي ذلك من فصول ما هي إلاَّ محاولة لإعادة النظر في اختلافاتنا، والتعرف على بعض المفاهيم الأساسية الجديدة التي تساعدنا على تقبل تلك الاختلافات وإعطاء شريكنا ما يحتاجه؛ لنحصل بالتالي على ما نحتاجه منه.

المصلح ولجنة التحسين المنزلية

وفي الفصل الثاني يكشف لنا “د.جون” عن أكبر خطأين نقع فيهما في علاقتنا بالجنس الآخر؛ فالنساء لا يتوقفن عن تقديم نصائح وتوجيهات لم تُطلَب منهن مما يتسبب في جرح شعور الرجل، وينتقل له إحساس بعدم الثقة، فما يحتاجه الرجل من المرأة هو التقبل والحب وليس النصائح والإرشادات.

وفي المقابل على الرجل أن يفهم أن المرأة عندما تتكلم عن مشاكلها لا تريد حلولاً، وإنما تريد أن تشعر بقربه منها. فكثيرًا ما تحتاج المرأة إلى أن يشاركها زوجها في مشاعرها وأحداث يومها؛ لكنه يقاطعها بسيل من الحلول المفيدة لمشاكلها، متصورًا أنه يساعدها.

وهنا يقدم د.جون اقتراحين:

“أقترح عليكِ إذا كنت امرأةً، أن تتدربي خلال الأسبوع القادم على الامتناع عن إعطاء أية نصائح لم تُطلَب منكِ، وأن تتوقفي عن توجيه الانتقادات، وسوف تلاحظين أنه لن يكتفي فقط بتقدير ذلك؛ بل سيكون أكثر انتباهًا وحرصًا على رعايتك.

“وأقترح عليكَ إذا كنت رجلاً أن تتدرب في الأسبوع القادم أن تنصت كلما تحدثت زوجتك؛ بنية أن تتفهم مشاعرها فقط، وأن تحكم إغلاق فمكَ كلما فكرت في تقديم الحلول، وسوف تندهش من مقدار تقديرها لرعايتكَ لها.”

كهف الرجل.. حديث المرأة

 يعرض الفصل الثالث أحد أكبر الفروق بين الرجل والمرأة وهو كيفية التعامل مع الضغوط. “يذهب أهل المريخ إلى كهوفهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم؛ وليشعروا بالتحسن، أما قاطنات الزُّهْرة؛ فيتجمعن معًا، ويتحدثن بانفتاح عن مشاكلهن؛ ليشعرن بالتحسن”.

فيختلف ما يحتاجه الرجل ليشعر بالتحسن عما تحتاجه المرأة في مثل تلك الأوقات. في حين يشعر الرجل بالتحسن عندما ينجح في حل مشاكله، تشعر المرأة بالتحسن عندما تتحدث عن مشاعرها.. عدم تفهمنا هذا الاختلاف وعدم تقبلنا له يسبب خلافات نحن في غِنًى عنها في علاقتنا.

فإذا علمنا أن المبدأ الأساسي على المريخ هو: إذا شعرت بالضيق؛ فالأفضل أن تبقى بمفردك.. لذلك إذا شعرت المرأة بالضيق؛ فإن الرجل سيتركها وحيدةً دون أن يتعمد عدم احترام مشاعرها، أما إذا قرر البقاء إلى جوارها؛ فستزداد حالتها سوءًا؛ لأنه سيحاول حل مشاكلها؛ ذلك أنه لا يعرف بالغريزة أهمية التقرب والمودة والمشاركة بالنسبة لها. إن ما تحتاجه المرأة أكثر من أي شيء آخر هو مجرد إنسان ينصت لها، وبذلك ستشعر أنها غنية بالحب وأن احتياجاتها قد أُشبِعَت؛ فتتخلص من الشعور بالارتياب وعدم الثقة وأنها معرضة للضغوط.

المشكلة.. خطأ في الترجمة

ومن أطرف الفصول في الكتاب هو الفصل الخامس والخاص بلغة أهل المريخ ولغة أهل الزُّهْرة، وكيف أن لها الكلمات نفسها، ولكن طرق استعمالها تعطيها معاني مختلفة. تلجأ المرأة للتشبيهات والتعميمات المبالغ فيه؛ لتعبر عن مشاعرها. أما الرجل؛ فقد اعتاد أن يستخدم الحوار لنقل الحقائق والمعلومات.

من أشهر الجمل للمرأة والتي يُساء فهمها هي: “إنك لا تنصت إلي” فترجمة الرجل الحرفية لتلك العبارة تؤدي لعدم تقديره لمشاعر المرأة مما يؤدي إلى شجار؛ فهو يعتبر نفسه قد أنصتَ إليها ما دام بإمكانه أن يعيد ما قالته مرةً أخرى. أما الترجمة الفعلية لهذه العبارة فهي: “إنك لا تتفهم ما أعنيه بكلامي، ولا تهتم بمشاعري.. وأحب أن تظهر لي أنك مهتم فعلا بما أقوله”.

فعندما تتدهور العلاقات ويظهر سوء التفاهم، تذكر أننا نتحدث لغتين مختلفتين، وترجم ما يقوله شريكك إلى لغتك الأصلية؛ لتفهم ما يعنيه حقيقةً، وهذا يحتاج لكثير من التدريب لكنه يستحق هذا العناء.

رجل المطاط.. سيدة الموجة

 كما يشرح لنا الكاتب في الفصل السادس والسابع الدورة العاطفية الطبيعية لكل من الرجل والمرأة، وكيفية التعامل مع تلك الدورة بذكاء حتى يحصل كل طرف على الدعم الذي يحتاجه من شريكه أو – في بعض الأحيان – من صديق أو قريب.

فلقد شبه لنا الرجل بشريط المطاط، وكيف تُفاجَأ معظم النساء عندما يسمعن أن الرجل إذا أحب امرأةً؛ فإنه يحتاج للابتعاد عنها من حين لآخر قبل أن يعاود الاقتراب منها ثانيةً. هذا الدافع للابتعاد هو شعور غريزي عند الرجل وليس قرارا أو اختيارا. لكنه يحدث تلقائيًّا؛ إنها دورة طبيعية، وليست بسبب خطأ منها أو منه؛ فالرجل يتأرجح دائما بين حاجته للاستقلال وحاجته للعلاقة الحميمة.

أما المرأة فهي تشبه الموجة.. فهي إذا شعرت أنها محبوبة، تحرك تقديرها لذاتها ارتفاعا وانخفاضا كالموجة. وعندما تكون معنوياتها مرتفعةً، تكون أكثر قدرةً على رؤية كل جميل ورائع في حياتها. ولكن عندما تنكسر موجتها لا تتذكر إلا ما تفتقده في حياتها وتكون في حاجة للكلام عن مشاكلها، وفي حاجة لأن ينصت لها الرجل ويفهمها.

وإذا لم يدرك الرجال أن النساء يشبهن الأمواج؛ لن يتمكنوا أبدا من فهم زوجاتهم، والتعاطف معهن.

وقد كشفت إحدى الدراسات، أن تقدير المرأة لذاتها يرتفع وينخفض في دورة مدتها يوم واحد أو عشرة أيام أو خمسة وثلاثون يومًا. وليس هناك دراسة مماثلة عن انسحاب الرجل بعيدًا كشريط المطاط. ولكنني لاحظت من تجربتي أنها نفس المدة تقريبًا. دورة التقدير الذاتي للمرأة ليست بالضرورة ملازمةً لدورتها الشهرية، وإن كان معدلها حوالي ثمانية وعشرين يومًا.

متى يفشل الحب؟!

وقد تعرض في الفصل الثامن لسبب فشل الحب عادةً؛ وذلك لأن الإنسان يمنح بالغريزة نوع الحب الذي يحتاجه هو، ولأن الاحتياج الأولي للمرأة هو الرعاية والتفهم … إلخ فإنها تلقائيًّا تمنح شريكها الكثير من الرعاية – بتقديم النصائح وملاحقته بالأسئلة للاطمئنان عليه وغير ذلك – مما يشعر الرجل بأنها لا تثق بقدرته؛ فحاجته الأولية هي الثقة وليست الرعاية. وهكذا عندما لا يتجاوب الرجل مع رعايتها، لا تفهم لماذا لا يقدر حبها له!. وفي الوقت نفسه يمنحها الرجل نوعا من الحب غير الذي تحتاجه، فيفشلان في إشباع احتياجات أحدهما الآخر. فلإرضاء شريكك عليك أن تتعلم كيف تمنحه الحب الذي يحتاجه هو، أو تحتاجه هي.

الحوار لا الجدال

ويرى الكاتب أن من أصعب التحديات التي تواجه علاقاتنا العاطفية هو كيفية التعامل مع الفروق ووجهات النظر المختلفة. معظم الأزواج يبدءون النقاش حول موضوع معين، وفي أقل من خمس دقائق يتحولان للجدال حول طريقتهما في النقاش، ويتحول النقاش إلى معركة ساخنة. فالاختلاف في وجهات النظر لا يسبب الألم، وإنما الذي يسبب الألم الطريقة التي نعبر بها.

كما يؤكد د.”جون” أن التواصل والتعاطف بالرغم من اختلافاتنا ومساندة أحدنا الآخر في الأوقات الصعبة مثل: التوقف عن الكلام حتى تستردا سيطرتكما على مشاعركما، ثم العودة للتفاهم من جديد، ومحاولة المرأة أن تعبر عن مشاعرها مباشرة وبوضوح، كلها أمور تساعد على تجنب الجدال الذي هو من أكبر عوامل هدم العلاقة، في حين أن الحوار من أهم عوامل تكوين أي علاقة. فلكي ننجح في علاقاتنا لا بد لنا من التدريب على إقامة حوار بدلا من الجدال.

وصفة سحرية

 في بعض الأوقات حتى الحوار لا يجدي؛ فبدلا من أن تعبر عن مشاعرك السلبية تجاه شريكك، اكتب له أو لها رسالةً؛ فكتابة الرسائل تتيح لك أن تستمع إلى مشاعرك الخاصة دون أن تجرح مشاعر شريكك، وعندما تعبر عن مشاعرك الخاصة وتنصت لها بحرية، يمكنك أن تتحدث مع شريكك بأسلوب أكثر حبًّا وأقل إدانةً ولومًا، وتصبح فرصتك أكبر في أن يفهمك شريكك ويتقبلك. وقد لا تحتاج بعد كتابة الرسالة إلى الكلام؛ فالكتابة وسيلة مهمة سواء قُصِدَ منها التعبير عن مشاعرك أو مجرد رفع معنوياتك.

فيما يلي بعض الخطوات التي تساعدنا على كتابة رسالة الحب:

    وجِّه الرسالة لشريكك، واعتبر أنه ينصت إليك بحب وتفهم.

    ابدأ بالتعبير عن مشاعر الغضب، ثم الحزن، ثم الخوف، ثم الأسف، وأخيرًا الحب. ضَمِّن كلَّ رسالة هذه الأقسام الخمسة.

    عبِّر عن كل شعور بجمل قليلة، واجعل لكل قسم الطول نفسه تقريبًا. وتكلم بعبارات بسيطة.

    توقف بعد كل قسم، وراقب الشعور التالي الذي يظهر واكتب عنه.

    استمر في الكتابة حتى تصل إلى مشاعر الحب.. ولا تتعجل حتى يظهر الحب.

    وَقِّعْ باسمك في نهاية الرسالة. ثم فكر للحظات فيما تحتاجه أو تريده من شريكك، واكتب ملحوظة به.

ويصف د.”جون” الأسباب الظاهرة لغضبنا وتوترنا بأنها قد تختلف عن الأسباب الحقيقية؛ فقد تكتشف مثلا، وأنت تكتب رسالة حب لزوجتك أنك كنت غاضبا من والدتك لسبب قديم يرجع لسنوات طفولتك أو مراهقتك، في هذه اللحظة يُفضَّل أن تكتب رسالة حب جديدة توجهها لوالدتك تعبر فيها عما تشعر به، وعندها ستشعر بأنك أكثر انفتاحًا واستعدادًا للتعامل مع زوجتك بحب وتفاهم وتعطي لمشاعرك حجمها الحقيقي.

ويؤكد د.”جون” بثقة (أرجو أن تستخدم طريقة رسائل الحب هذه. فقد شاهدت بنفسي كيف بدلت حياة آلاف الأشخاص، وأنا واحد منهم، كلما كتبت المزيد من رسائل الحب أصبح الأمر أسهل عليك وأكثر نفعًا؛ فالأمر يحتاج إلى التدريب، لكن النتيجة أكيدة.)

هذا الكتاب يضع يده على أوجه الاختلاف بين حواء وآدم، ويشعرنا بالتعاطف مع ذلك الاختلاف.. فتنتهي منه وبداخلك رغبة في تجريب الأفكار التي يعرضها لتصل لشكل العَلاقة التي تحلم بها مع شريكك. كما يكشف عن خطط جديدة لتقليل التوتر في العلاقة بين الرجل والمرأة، ويقدم اقتراحاتٍ عمليةً لتقليل الشعور بالإحباط، وأفكارًا تساعدنا على حل المشكلات.

وما تم عرضه من هذا الكتاب لا يغني عن الاطلاع عليه.. وما هو إلاَّ قليل من كثير.

سمر دويدار