ذكروا أن فتى يافعاً ارتكب جريمة شنيعة ، فحُكِم عليه بالإعدام ، وحين حضر الناس ليشهدوا تنفيذ الحكم ، تقدم شخص ، وقال : أوقفوا التنفيذ ، وأوقعوا العقوبة على أبيه الذي لم يُحسن تربيته . هنا قال الفتى : أبي رباني ،ولكن َّ أباه ما رباه . لو سألنا الأب : لماذا لم تربِّ ابنك كما ينبغي ، فصار مجرماً ؟ لقال : قد بذلت جهدي في تربيته ، وربما قال لنا الرجل: أنا ربيته لكن أبي ما رباني ! وهكذا تحال القضية في نهاية الأمر على مجهول!.
نعم لا يكفي أن نكون حريصين على تربية أبنائنا ، ولا يكفي أن نحبهم بغير حدود ، بل لابد مع هذا من أمرين :
الأول : أن نتعلم كيف نربيهم ، وأن ندرس ونقرأ بعمق في الثقافة التربوية ، وهذه قاعدة عامة ، فالعمل حتى يكون صحيحاً ومقبولاً يفتقر إلى أمرين : الإخلاص والصواب .
الثاني : البيئة التي نربي فيها أبناءنا والبلد الذي يعيشون فيه معنا ، وهذا يجعلنا نفكر في دورنا في الإصلاح العام وفي الاستثمار في الوعي المشترك ، فقد رأيت أطفالاً أذكياء نبهاء ، لكنهم يعيشون في فاقة وحرمان وبؤس محزن ، وما ذلك إلا لأنهم شبوا وترعرعوا في بيئات ضرب فيها التخلف أطنابه ، وسادها الفقر والفوضى والكسل والجهل والظلم والاستبداد … فصار الطفل يشعر وكأنه يعيش في سجن مكبلاً بالقيود ، فما يكون منه سوى أن يستسلم ، ويعاني نفس المعاناة التي عاشها آباؤه وأجداده من قبل .
قد ثبت أيها الإخوة والأخوات أن أقوى المعوقات ليس المعوقات المادية بأنواعها ، وإنما المعوقات الذهبية والنفسية والأخلاقية ، تعالوا لنبذل الجهود من أجل تحسين كل ما هو مشترك بيننا ، تعالوا لنرسخ الإيمان في القلوب ، والصدق في التعامل ، وتعالوا لننشر كل ما لدينا من خبرة وعلم وفكر ووعي حتى نضيء به العقول والقلوب ، تعالوا لنجعل متعتنا الحقيقية في البذل والعطاء ومواساة الجراح ، تعالوا لنعمل على أن تكون البيئات التي نعيش فيها مغمورة بالرحمة والمودة واللطف والمراعاة ، تعالوا لنعيش ما تبقى لنا على هذه الأرض كما يريد الله تعالى وحتى لا يقول الأحفاد : آباؤنا ما ربونا ، ولا رباهم آباؤهم …