تقول فتاةٌ: أمي عنيدة وعصبية وقاسية جدًّا، لا تُحب إلا نفسها، دائمة الصُّراخ وسيئة التعامل، حاولتُ كثيرًا أن أبحثَ عن رضاها، لكن لا يُعجبها شيءٌ، بل تقيم الدنيا على مشكلة صغيرةٍ لا قيمة لها، أمي لا تُحبني – بالرغم مِن أنني أصغر إخوتي عمرًا – ولا تُحب أختي، بل تعاملنا كالخادمات ، دائمًا مُتسلِّطة، حاولتُ التقرُّب منها أكثر من مرة، لكنها لم تَقبَلْ شيئًا، حاولتُ أن أُحبَّها أنا وأختي، لكن للأسف تصرُّفاتها تُبعدنا عنها .
إنها صراخات وآهات لأبناء وبنات يتعذبون كثيرًا بسبب سوء معاملة أمهاتهم، يسألون ويتساءلون أين الأم المثالية ذات القلب الحنون والعطوف التي يقرؤون عنها، ويسمعون قصصها في التلفاز والإعلام والكتب وعند الصديقات ؟.
أيتها الأمهات الكريمات، الأم هي من وُضِعت الجنة تحت أقدامها، الأم زهرة الحياة، رضاها يحدِّد المصير، لا راحة في الدنيا دون ابتسامتها، ولا جنةٌ في الآخرةِ عند غضبها، تُعلِّم العطاء بأفعالها، وهي التي تُقدم دون أن تأخذ، هي الصانعة للأجيال، هي نموذج من الرحمة، وكتلة من الصبر، قَدرُها عظيم لا يُقدَّر بثمنٍ، ومكانتها كبيرةٌ لا يمكن وصفها.
هي من يُشكَى لها الهمُّ بعد الله، ودعاؤها يهزُّ السماء لشدة قوته، هي صانعة الرجال ومربِّية الأمهات، غيابها مؤلِمٌ ومظلمٌ، هي مَن تَظلِم نفسها لتُنصف أولادها، وتُتعب نفسها لراحتهم، ومن أشد الصابرين عليهم، الإحسان إليها أمرٌ لا يحق التهاون به.
لكننا في هذه السنوات الأخيرة بدأنا نسمع ونقرأ صرخات وآهات من أبناء وبنات من أمهات لا يخفن الله في تعاملهن مع أولادهن، تحول قلبها صاحب المشاعر الرقيقة إلى إنسانة جامدة المشاعر وقاسية، حوارها معهم يكون بالسباب والنقد والصراخ والضرب والنفور، تقاطع أولادها بالأيام والأسابيع والسنين لأتفه الأسباب، لا تقبل المزاح ولا النقاش، تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، تتدخل في حياة الأبناء وزوجاتهم والبنات وأزواجهن، تخلق حالة من الكره والضغينة التي يصعب التخلص منها أو تجاوزها، وعلى الرغم من أهمية مسامحة الأم والتسامح معها؛ إلا أن بعض القصص التي نسمعها عن عقوق الأم لابنها وابنتها تجعلنا نقدِّر موقف الأبناء والبنات الصارم تجاه الأم القاسية.
مسكينة أنت أيتها الأم المحرومة يوم أن قطعت الصلة بينك وبين أسرتك وزوجك وأولادك، تذكَّري أنهم مفتاح الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة، وأنهم اللمسة الحانية للقلب المُتعب المكدود، وأنهم زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب.
أيتها الأم المحرومة، يا من حرمت نفسَها أجمل لحظات الدنيا وأسعدها بعد الإيمان بالله، وهي لحظات الجلوس والاستمتاع بالأسرة والزوج والأولاد.
فإلى كل أم حُرمت من لذة الاستمتاع بأولادها.
وإلى كل أم حُرمت من لذة اللعب والضحك مع الأولاد.
وإلى كل أم ملأ قلبها الحسد والضغينة والكره للآخرين.
وإلى كل أم حُرمت من لذة السعادة والطمأنينة وانشراح الصدر.
وإلى كل أم تبحث عن السعادة مع أسرتها احرصي على:
- غرس حب الله تعالى وحب نبيه في قلبك أولا ثم في قلوب أولادك، وحب الصحابة والتابعين واتخاذهم قدوات لك ولهم، وتعويدهم على العبادات والطاعات.
- توجيههم وحسن صحبتهم حتى يشبوا ويستغنوا بأنفسهم، ويكونوا قادرين على تكوين أسر صالحة جديدة.
- إدراك طبيعة المرحلة التي يعيشها الشباب والفتيات، وأن تدرك الأم أن الأجيال اختلفت، وأن البيئة الخارجية لها أثر كبير في اختلاف أفكار وثقافات وتديّن الأولاد.
- العدل بينهم: في المعاملة، والعطاء والعطية، والعطف، والحنان.
- التغاضي عن زلاتهم وعثراتهم: فلا تقعد لهم بكل مرصد، ولا تتشبث بأشياء كان من الممكن تجاوزها والتغافل عنها.
- تشجيعهم، والثناء عليهم: فلا تكن مُثبطة لهممهم، مُقلِّلة من إنجازاتهم.
- الرفق بهم والإحسان إليهم: ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : أَن النبيَّ ﷺ قَالَ:” إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ ” رواه مسلم .
- عدم الظهور أمامهم وكأنها تملك الحق الأوحد، وأن الأولاد دائما على خطأ.
- احترام آراء الأولاد وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه.
- عدم التفرقة في المعاملة: وهو ما يولد بُغضًا من الأولاد تجاه أمهاتهم وحقدًا على إخوتهم.
- انتبهي من الإهانة والإيذاء النفسي مثل نعتهم بأوصاف مشينة، وألفاظ سيئة نابية، أو اقتحام خصوصياتهم، أو معايرتهم بنقصٍ أو عجز، أو سلب حريتهم، أو جرح كرامتهم، وتهميشهم.
وختامًا.. أرجوك أيتها الأم المباركة ، تذكري أنك راع ومسؤول عن رعيته، والعقوق لا يولد إلَّا عقوقًا، والبر لا يُولِّد إلَّا برًّا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولا يُتوقع بر من أبناء وبنات تربوا على القسوة والتنمر والنقد والصراخ والتهميش والظلم والاستبداد.
قفي مع نفسك لحظات بعيدًا عن الدنيا ولذاتها، اجلسي مع نفسك بعيدًا عن الأصحاب والصديقات، اختلي بنفسك واسأليها: لماذا أعيش؟ وماذا أريد؟ وما النهاية؟ إن نفسك غالية، وربما اليوم أو غد أو بعد غد قالوا: مات فلان أو فلانة، والموت حق، ولكن شتان بين من مات على صلاحٍ وهداية وحب، وذكر حسن، وبين من مات على ظلم وكره وفتنة، فإياك والغفلة وطول الأمل والاغترار بالصحة.
مخطئ مَن يظن أن المحروم من السعادة هو الذي لا يملِك أساسيات الحياة أو كمالياتها، إن السعادة هي سعادة النفس والروح، والسعيد هو شخص اختار، وقرَّر أن يكون سعيدًا عبر أسلوب حياته وتفكيره وتعامله مع الناس، وإن عليه صناعة سعادته وتعزيزها بنفسه .
فالله الله بنفسك يا أختي، ولا تحرِمي نفسك الاستمتاع بأسرتك وزوجك وأولادك، وكوني ذكرى حسنة على قلوبهم وألسنتهم، وفي قصصهم وفي دعائهم.