صدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” العدد العاشر من المجلة نصف السنوية المحكّمة أسطور. وتقدم المجلة في هذا العدد نخبةً من الدراسات وعروضًا بيبليوغرافية متنوعة، إضافةً إلى باب “ترجمات” الذي اعتادت المجلة أن تترجم فيه نصوصًا تاريخية. واشتمل العدد على القسم الأول من “ندوة أسطور”.
في باب “دراسات”، يُفتتح العدد بدراسة نظرية عنوانها “المؤرخ والمقاربات الكمية: حول الدراسات الديموغرافية لبعض الحواضر الإسلامية: عرض أطروحات وإثارة تساؤلات”، أعدها طارق مداني. وقد حاول فيها التعريف بمراحل تطور التاريخ الكمي عبر أعلامه ومدارسه، كما تعرض لبعض الأطروحات التاريخية الكبرى التي قاربت التاريخ الديموغرافي للمجتمعات العربية – الإسلامية وأطّرت البحث في هذا المجال. وفي مستوى آخر، أبرز الباحث من خلال مجموعة من الدراسات العربية والغربية الرصينة مختلف المناهج المتعلقة بدراسة وإحصاء ساكنة المدن الإسلامية عبر أزمنة تاريخ مختلفة. أما القصد من هذا العرض المُوسَّع لمجموعة من الحواضر الإسلامية، فهو توسيع المجال المدروس، واستعراض نقدي لنماذج مختلفة من استثمار النظريات الديموغرافية، ومن توظيف الآليات والمقاربات الكمية من خلال مختلف النصوص التاريخية والمعطيات العمرانية والأثرية.
أما الدراسة الثانية، فهي “التنوع الديني والطائفي في الفترة الإسلامية المبكرة من خلال كتاب ’التحريش‘ لضرار بن عمرو الغطفاني (ت. نحو 200هـ/ 815م)” لعبد الرحمن حللي، الذي تناول فيها بالدرس والتحليل كتاب التحريش، ويبرز من خلاله التنوع الديني والطائفي والاختلافات بين المسلمين في القرن الثاني الهجري. كما يدرس أسلوب المؤلف في عرضه الاختلافات في عصره، ويحلل موقفه منها. ويسلط الضوء على الجوانب التي يمكن أن يقدمها توافر هذا الكتاب الذي كان مفقودًا في مراجعة قضايا عدة في مختلف العلوم الإسلامية. ويحلل طريقة المؤلف في تقييم الاختلافات في عصره، ومحاولته إيجاد معيار للدليل يضبط الاختلاف بين الفرق.
تهدف دراسة “السلطة والتجريم السياسي للمعارضة ببلاد المغرب والأندلس خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي”، لسعيد بنحمادة، إلى الحديث عن مظاهر التجريم السياسي التي انتهجتها الخلافتان الفاطمية والأموية ضد المعارضة. فالصراع السياسي الذي عرفته بلاد المغرب والأندلس، خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، بين العُبيديين الشيعة في إفريقية ونظرائهم الأمويين السنّة في الأندلس، واتخذ طابعًا مذهبيًا وعقديًا، أدى إلى تجريمهما كل سلوك مناوئ، وتحويل مواقف المعارضة من بُعد مذهبي وعقدي إلى مفهوم سياسي؛ لأن الإسماعيليين والمروانيين أحسّوا بقوة العلماء الذين شكّلوا سلطة فكرية مؤطرة للمجتمع. لذلك، اصطبغت المعارضة بصبغة دينية وسياسية، أجبرت الخلافتين على النحت من المعجم الديني، لمحاربة رموزها، في إطار السعي إلى التجريم السياسي لسلوكهم، وفي سياق تداخلت فيه السياسة بالعقيدة والمذهب.
ويناقش محمد الشريف في دراسته “سبتة في استراتيجية دول الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط”، أهمية المدينة استراتيجيًا وتجاريًا، من خلال فحص علاقاتها التجارية ببعض قوى الحوض الغربي للمتوسط، وكيف أضحت المدينة عرضة للأطماع الخارجية التي تُوّجت باستيلاء البرتغاليين عليها. ثم يتعرض لدوافع الغزو البرتغالي للمدينة، وانعكاسات ذلك على التطور الحضاري للمغرب.
أما الدراسة المقارنة التي جاءت بعنوان “المصادر التاريخية العربية للأسطورة المؤسسة للهوية الغربية: بين تاريخي فتح أميركا وفتح الأندلس” لمحمد عبد الرحمن حسن، فتوضح أن المعرفة التاريخية الغربية الحديثة تتصل بالمعرفة العربية أكثر من اتصالها بأصل إغريقي – روماني خالص، خلاف ما هو رائج في الفكر الغربي الحديث والمعاصر، وتقارن النصوص التي كتبها المؤرخون الإسبان عن فتح أميركا في القرن السادس عشر الميلادي بالنصوص العربية التي كُتبت حول فتح الأندلس في القرنين التاسع والعاشر للهجرة. تستخرج الدراسة التماثلات بين القصتين، وتخلص إلى أن قصة فتح أميركا نسخة من قصة فتح الأندلس، استعادها الإسبان في بداية العصر الحديث. ومن ثمّ، تؤكد تعدد أصول المعرفة الغربية، على النقيض من مزاعم نقاء أصلها الإغريقي – الروماني.
وتتناول دراسة “راهب وفقيه: سيرة متقاطعة لنيكولاس كلينرد ومحمد بن خروف”، لمحمد بكور، متوسلة بالمنهج البيوغرافي، إعادة بناء سيرة كل من الراهب البلجيكي نيكولاس كلينرد والفقيه التونسي محمد بن خروف، مع التركيز على كشف حيثيات اللقاء الذي جمع بينهما في غرناطة ثم انتقالهما إلى فاس.
واختُتم هذا الباب بدراسة للباحث إلياس فتوح عنوانها “جمعيات قدماء تلاميذ المدارس والثانويات الفرنسية الإسلامية ودورها في العمل الوطني في المغرب (1921-1956)”، وتهدف هذه الدراسة إلى إبراز دور جمعيات قدماء تلاميذ المؤسسات التعليمية الفرنسية الإسلامية المغربية في العمل الوطني؛ باعتبارها كانت آلية من آليات الاستقطاب والتأطير والتنظيم لدى النخبة المغربية، وإظهار أهمية الممارسة الجمعوية في المغرب زمن الاستعمار، على الرغم من جنينية هذه المؤسسات في المجتمع. وأشار ذلك إلى نشوء مجتمع مدني حديث، بمؤسسات بدت كأنها تعوض تلك التقليدية التي طبعت حياة المغاربة في فترات طويلة من تاريخهم.
وفي باب “ترجمات”، ننشر دراسة “السرد والعالم الواقعي”، للأكاديمي والمفكّر الأميركي ديفيد كار، وقد ترجمها ثائر ديب.
أما باب “مراجعات كتب”، فقد ضم ثلاث مراجعات، متمثلة بمراجعة فهمي رمضاني كتاب جدل الهوية والتاريخ: قراءات تونسية في مباحث هشام جعيط لمجموعة مؤلفين، ومراجعة خالد بالعربي كتاب المهمشون في تاريخ الغرب الإسلامي: إشكاليات نظرية وتطبيقية في التاريخ المنظور إليه من أسفل لإبراهيم القادري بوتشيش، ومراجعة جمال فزة كتاب الصحافة والتاريخ للمؤرخ الطيب بياض.
كما تضمّن باب “وثيقة” دراسة بعنوان “أربع رسائل دفينة حول ’بيت المغرب بالقاهرة‘” لسلوى الزاهري. تُسلّط فيها الباحثة الضوء على وثائق أرشيف “باريلا” التي تبرز أهمية بيت المغرب بالقاهرة بصفته أول مؤسسة رسمية ثقافية مغربية منظمة خارجية في تاريخ المغرب الحديث وطرائق تمويله، وأهداف إسبانيا من دعمه، كما تبرز عمل جواسيسها في تتبع تحركات الطلبة المغاربة هناك، من خلال تدبيج تقارير عن أدق تحركاتهم وميولاتهم واتصالاتهم بالشخصيات المصرية وغيرها، كما تُخبرنا هذه التقارير عما كان يعانيه هؤلاء الطلبة المغاربة جراء سوء تدبير هذه المؤسسة.
واختتم العدد أبوابه بـ “ندوة أسطور”، وهي بعنوان “المؤرخ العربي ومصادره”، وقد نظمتها مجلة أسطور للدراسات التاريخية بالتعاون مع قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، يومي 29 و30 نيسان/ أبريل 2019. وفي هذا العدد، ننشر القسم الأول من أعمال الندوة ممثلًا في تجارب مؤرخين وباحثين عرب مع الأرشيف، سواء كان أجنبيًا أم محليًا، وهي: “في الاشتغال على أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية كشف معطيات في مسائل اجتماعية وسياسية (الخلافة، سايكس – بيكو، تقسيم سورية)” لوجيه كوثراني، و”تجربة بحث في الأرشيفات العثمانية في تونس خلال العهد الحديث” لعبد الحميد هنية، و”تجربتي مع الأرشيف البرتغالي” لعثمان المنصوري. وستنشر أعمال الندوة تباعًا في الأعداد المقبلة.